بعد تأخر لسنوات عديدة، ستتاح قريبا في تونس إمكانية الاستفادة من خدمات الطب عن بعد التي تشهد تقدما كبيرا في العالم ويزداد الطلب عليها خاصة في مجال توظيف تقنياتها في معالجات أمراض مستعصية أو عمليات جراحية معقدة تتطلب تكاملا بين اختصاصات طبية مختلفة يصعب أحيانا توفرها في نفس الإطار الزماني والمكاني، كما يمكن أن تقلص الممارسة الطبية عن بعد من كلفة الخدمات الطبية الباهظة (بعضها يكلف الدولة والأفراد مبالغ طائلة بالعملة الصعبة في صورة اضطرار المريض إلى التنقل خارج الحدود للعلاج) وتزيد من نسبة نجاعتها في نفس الوقت. ويعود عدم توفر الإطار القانوني الملائم لممارسة الطب عن بعد من الأسباب الرئيسية لعدم اعتماده رسميا في تونس، فضلا عن ضعف البنية التحتية في مجال تركيز تقنيات الطب عن بعد الاتصالية والتكنولوجية في معظم المؤسسات الصحية الجامعية التونسية. وزارة الصحة انتهت مؤخرا من صياغة مشروع قانون للغرض يهدف إلى إتمام القانون عدد 21 لسنة 1991 المؤرخ في 13 مارس 1991 المتعلق بممارسة مهنتي الطب وطب الأسنان وتنظيمها، وقدمته مؤخرا إلى مكتب مجلس نواب الشعب بالتنصيص على إمكانية ممارسة الطبيب أو طبيب الأسنان لمهنته في إطار الطب عن بعد. وفقا لوزارة الصحة، يندرج مشروع القانون في إطار تعميم التغطية بطب الاختصاص بكافة الجهات الصحّية وخاصة منها الجهات ذات الأولوية من خلال تمكينها من الاستفادة مما يتيحه الطب عن بعد من إمكانيات عبر استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال في الممارسة الطبية. وحددت الوزارة أهدافا نوعية ينتظر أن تتحقق عبر ممارسة الطب عن بعد في مجال الإحاطة الصحية بالمرضى على غرار النهوض بجودة العلاجات المسداة للمرضى خاصة بالمناطق البعيدة عن المؤسسات الصحية الجامعية وتكريس تبادل المعارف والخبرات بين الأطباء بما يعود بالنفع على مهنيي الصحة والوافدين على الهياكل الصحية لتلقي خدماتها وتعزيز القدرات التنافسية لتونس في مجال الخدمات الصحية. شروط وضمانات من الضمانات التي وردت بمشروع القانون التأكيد على أن ممارسة الطب عن بعد تكون اختيارية طبقا لما تقتضيه مصلحة المريض وبعد إعلامه والحصول على موافقته المكتوبة، ولا يمكن ممارسة الطب عن بعد إلا باستخدام منظومات معلوماتية ووسائل اتصال مؤمنة تضمن حماية المعطيات الشخصية للمريض، علما أن ممارسة الطب عن بعد يمكن ان تتم سواء بالهياكل الصحية العمومية أو المؤسسات الصحية الخاصة كلما توفرت الإمكانيات البشرية والفنية لذلك.. كما تخضع ممارسة الطب عن بعد على غرار بقية أشكال الممارسة إلى الواجبات المنصوص عليها بمجلة واجبات الطبيب وخاصة منها حرية المريض في اختيار الطبيب، حرية الطبيب في تقرير العلاج، تحجير كل تواطؤ بين الطبيب المباشر للمريض والطبيب المستشار عن بعد. مجالات الطب عن بعد وفي نطاق العمل على استكمال المنظومة القانونية لممارسة الطب عن بعد، أشارت وزارة الصحة في الوثيقة المصاحبة لمشروع القانون إلى أنه سيتم على مستوى النصوص الترتيبية ذات الصلة بهذا القانون، وضع أحكام تنظم المسائل المتعلقة بضبط مجالات الطب عن بعد وخاصة منها التشخيص عن بعد، الاختبار عن بعد، الرعاية الطبية عن بعد، المساعدة الطبية عن بعد. كما سيتم لاحقا ضبط الشروط العامة والشروط الخاصة لممارسة الطب عن بعد والتي يتم في إطارها انجاز كل عمل طبي عن بعد في إطار يضمن التعرف على هوية المريض والطبيب أو الأطباء المتدخلين ومؤهلاتهم، النفاذ إلى المعطيات الطبية للمريض والضرورية لتنفيذ العمل الطبي عن بعد، المحافظة على سرية المعطيات والتقارير المضمنة بالملف الطبي للمريض والمتعلقة بإنجاز العمل الطبي عن بعد، الموافقة الصريحة للمريض للاستفادة من خدمات الطب عن بعد.. إضافة إلى تنظيم ممارسة الطب عن بعد من خلال وضع أحكام تتعلق بالتزامات كل الأطراف المتدخلة في أنشطة الطب عن بعد من هياكل صحية وأطباء ومسدي خدمات اتصالية فيما بينهم وإزاء المرضى تجدر الإشارة إلى أن عديد الدول شرّعت ممارسة خدمات الطب عن بعد ووضعت الأطر القانونية المنظمة لها. وكانت المفوضية الأوروبية قد بدأت الاستثمار في الصحة الإلكترونية مبكراً عبر مبادرة حوكمة الصحة الإلكترونية التي تجمع دول الاتحاد الأوروبي على التنسيق في المسائل القانونية، توحيد المعايير، معاني الألفاظ والمصطلحات وأشكال التحقق والتثبّت. كما وضعت الأجندة الرقمية الأوروبية التي تسعى إلى استثمار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال الرعاية الصحية عبر تقنيات الطب عن بعد المرتكزة على أجهزة متطورة للاتصال بين المستشفيات، ومراكز العناية الطبية والوحدات الاستعجالية، والتي تقوم بمراجعة الحالات المرضية وكتابة تقارير، وتحليل صور الأشعة والإجابة عن الاستفسارات الطبية.. رفيق النص الكامل لمشروع القانون يضاف إلى أحكام القانون عدد 21 لسنة 1991 المؤرخ في 13 مارس 1991 المتعلق بممارسة مهنتي الطب وطب الأسنان وتنظيمها فصل 23 مكرر في ما يلي نصه: الفصل 23 مكرر: مع مراعاة أحكام الفصلين 22 و23 من القانون يمكن ان يمارس الطبيب او طبيب الأسنان مهنته في إطار الطب عن بعد. ويقصد بالطب عن بعد على معنى هذا القانون الممارسة الطبية عن بعد باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال لتأمين تواصل الأطباء أو أطباء الأسنان وغيرهم من مهنيي الصحة فيما بينهم أو مع المريض على أن يكون من ضمنهم طبيب وعند الاقتضاء مهنيو صحة آخرين مباشرين للمريض وذلك خاصة لتشخيص مرض أو للحصول على رأي طبي أو لمراقبة أو متابعة حالة مريض أو غير ذلك من الخدمات أو الأعمال الطبية. وباستثناء الحالات الصحية الاستعجالية التي تقتضي الإسراع بتقديم الإسعافات لإنقاذ حياة المريض ويتعذر فيها إعلامه والحصول على موافقته او موافقة وليه الشرعي، يتعين على الطبيب أو طبيب الأسنان المباشر للمريض عدم إجراء أي عمل في أطار الطب عن بعد الا بعد إعلام المريض وعند الاقتضاء وليه الشرعي والحصول على وموافقته بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا. ولا يمارس الطب عن بعد إلا باستخدام منظومات معلوماتية ووسائل اتصال مؤمنة تضمن حماية الوثائق والمعطيات الشخصية والمعطيات المتعلقة بالصحة التي يتم تبادلها وسلامتها وموثوقيتها طبقا للتشريع الجاري به العمل. تضبط الشروط العامة للممارسة الطب عن بعد ومجالات تطبيقه بمقتضى أمر حكومي وتضبط الشروط الخصوصية لإجراء أعمال الطب عن بعد بالنسبة لكل اختصاص طبي أو جراحي بمقتضى قرار من الوزير المكلف بالصحة.