في الاسابيع الاخيرة عبّر عديد التونسيين عن غضبهم من الارتفاع المتواصل في اسعار الاسماك بالأسواق المنتظمة في دولة يمتد ساحلها اكثر من2290كم وطالبوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطعة استهلاك المنتجات البحرية وبلغ الامر حد اطلاق حملة «خليه ينتن» تشفيا في الباعة... بعيدا عن الاراء المتشنجة والغضب المبرر حققت «الصباح» في اسباب الارتفاع الفجئي لأسعار الاسماك متبعة التدرج المنطقي لإنتاجها وتوزيعها في ولاية بنزرت التي توفر سواحلها الممتدة 200كم اكثر من 6000 طن الاسماك سنويا تمتاز بجودة عالية ومذاق خاص محاورة على مدى يومين كل المتدخلين في مسار الانتاج والتوزيع من بحارة محترفين في كاب زبيب راس الجبل, كاب سراط سجنان ومنزل عبد الرحمان من معتمدية منزل جميل واحد اقدم الباعة في سوق السمك ببنزرتالمدينة الذي فسر اسباب الوضعية الحالية وكشف بعض المعطيات الهامة التي تفسر الى حد كبير ما يحدث في»سوق الحوت» كما استأنست «الصباح» بآراء متابعين. النو والتلوث قلصا الانتاج حسب حميد البحري الموظف المتقاعد من وكالة موانئ وتجهيزات الصيد البحري- فان الميناء الساحلي بكاب زبيب فقد سمعته السابقة كمصدر هام لسمك التن وانواع اخرى من الحوت الازرق نتيجة عوامل عديدة ساهمت تدريجيا في تقلص الانتاج وافرزت ارتفاعا للأسعار فحسب البحري - والاسم على مسمى- فان الوضع الحالي في كاب زبيب منطقيا نظرا لغياب المراكب القارة بالميناء فاغلب المستغلين من خارج المنطقة التي عجز ابناؤها على ممارسة مهنة الاباء المكلفة ومن عاند منهم الظروف القاسية وعمل انطلاقا من الميناء الصغير الذي يفتقر حتى الى آلة سحب القوارب فيعجز على تسويق»حوته» في مسالك التوزيع الرسمية ويضطر غالبا لبيعه على رصيف الميناء لان السوق المحلي مغلق وهي وضعية تشجع «القشارة» على جمع كميات الاسماك المعروضة ثم بيعها وفق تسعيرة خاصة الى المستهلكين في جهات اخرى. كلام حميد ايده حمادي ونور الدين واضافا « ان الصيد العشوائي وركن الشباك لفترة طويلة بالبحر واستعمال شباك ممنوعة والكركارة ادت الى تقلص انتاج ميناء كاب الزبيب الذي يعاني كجاره بحر مرسى الوادي من مخلفات مياه الصرف الصحي القادمة من الماتلين وضعية تعانيها ايضا «مِزَوْقة « منزل عبد الرحمان اين فوجئ البحارة صباح 7 ماي 2015 بطفو كميات من» السيبيا» الميتة على سطح البحر في واقعة محيرة تلتها اخرى في 23 اوت 2016 حين نفقت في محيط بحيرة بنزرت اعداد هائلة من الديدان البحرية التي تمثل احد العناصر الاساسية في السلسلة الغذائية لعدد كبير من الاسماك القاعية والاحياء البحرية المختلفة... التلوث الذي اعتبره ابن المنطقة البحار الشاذلي حِمدي سببا رئيسيا في تقلص الانتاج لكنه اضاف قائلا ان «عوامل اخرى كعدم احترام الراحة البيولوجية والاستنزاف المتواصل للثروات البحرية ليلا نهارا سواء من مهنيين يستغلون الاضواء لتحويط الاسماك وصيدها ادت الى انقراض اسماك القراض، التريليا الحمراء والمنكوس.. صيادو الصدفة من متقاعدين وموظفين مباشرين ومنهم اطارات عليا في الدولة وفي غياب المراقبة الذاتية والادارية يستعملون شباك «الحريرة « الممنوعة ليصطادوا اسماكا من الحجم الصغير لم تكتمل مراحل نموها»... اضافة الى التجاوزات البشرية وقد شدد الشاذلي على ان العوامل المناخية خاصة الرياح تؤثر بشكل كبير على عمل البحارة في جهة بنزرت فثلاثة انواع من «النوْ « تمنع «السرحة « ووحده ريح «الشرش» هو صديق الصيادين المجبرين حاليا على قطع اميال اضافية واستهلاك كميات كبيرة من المحروقات مع المجازفة في عمق البحر للحصول على كميات متواضعة من الاسماك بكلفة عالية تفرض بيعها بأثمان مرتفعة. لا طاقة لمنافسة الوساقة حديث الشاذلي حِمدي اكده رضا المشرقي- بحار من متساكني كاب سراط سجنان- واضاف ان «الرزق» لم يعد وافرا مما دفع الصيادين لبيع الكميات القليلة من الاسماك لأول مشتر بأسعار تضمن الحد الادنى من العيش الكريم لعائلاتهم وتغطي نسبيا المصاريف الكثيرة والديون المختلفة... وحسب متابعة «الصباح» واستئناسها بآراء العارفين فان نسبة ضعيفة من عمليات بيع المنتجات البحرية تدور في الاسواق الرسمية والبقية تتم في اخرى موازية اما بصفة مباشرة من البحار الى المستهلك خاصة في سيدي مشرق، كاب سراط وكاف عباد من معتمدية سجنان وبدرجة اقل في رفراف من معتمدية راس الجبل او الى مضاربين يجمعون الكميات المعروضة من المنتجات البحرية ويخزنونها قبل احالة الاسماك عالية القيمة الى حرفاء محليين او اجانب وفقا لطلبهم وما يتبقى من كميات يتم ضخها شيئا فشيئا في الاسواق النظامية خاصة في مواسم الذروة كشهر رمضان والفترة الصيفية. وتبدو المضاربة في السمك عملية مغرية جدا نظرا لمردوديتها العالية في ظل التدني المتواصل للدينار التونسي اذ يفضل عدد من التجار بيع التريليا مثلا الى الاجانب ب15 اورو للكغ الواحد الذي يساوي44.250مي على بيعها الى التونسين ب15 د فقط لتصل الى المستهلك العادي ب20 د على الاقصى تتضمن كل المعاليم المثقلة على كاهل البائع من اداءات واستغلال محل وغيرها... وكانت «الصباح» بالتوازي مع التحقيق الميداني قد رصدت ايضا اعلانا على شبكة الانترنت لشركة تونسية تضع على ذمة حرفاء محتملين في اوروبا والوطن العربي(جميع منتجاتها) من اسماك وغلال بحر ذات جودة عالية مجمدة او طازجة ولا يحتوي الاعلان إلا على رقم هاتف جوال للاتصال والتنسيق فيما يغيب تاريخ تأسيس الشركة ومعرفها الجبائي وحتى عنوان مقرها في تونس. ويذكر ايضا ان منجي مقنين ورضا العلوش وهما وكيلان بسوق الجملة لبيع السمك بجرزونة قد تنبآ منذ سنة بارتفاع حاد لأسعار الاسماك نظرا لغياب الرقابة وعدم متابعتها لأنشطة الوسطاء والمضاربين وعدد من المصدرين الذين لا يحترمون القوانين التي سنتها الوزارات المكلفة بالفلاحة والتجارة والداخلية وغيرها وقد اكد الوكيلان حينها «ان غياب الرقابة على عمليات البيع في الاسواق الموازية تجعل نسبة هامة من المنتج البحري يتسرب خارج المسالك الرسمية عبر»وساقة» يمتلك بعضهم مخازن تبريد وشبكة علاقات واسعة تمكنهم من جمع المنتجات البحرية مباشرة في تخوم الموانئ أو على ضفاف الشواطئ حتى من «العمايرية « الذين يصطادون بالصنارة فيما يجبر وكيل البيع على انتظار مال الدلالة وربح 4 بالمائة فقط من ثمن البيع لا تغطي المصاريف الواجبة . أثمان ودلالات ضرب خميّس الجلجلي امثلة عن ارتفاع الأسعار فقال: بالنسبة للأسماك «المليحة» تراوح سعر التريليا بين 20د الى 40د للكغ فيما ارتفعت اسعار المرجان بثمانية دنانير لتبلغ 28د وسمك المناني ب 10د ليصل الى 30د للكغ الواحد.. ارتفاع طال حتى اسعار الاسماك «الشعبية» فالسردينية تباع ب3 الى 3.5د بعد ان صمدت لأشهر في حدود 2 - 2.5د والغزال يتراوح سعره من 8 د الى12 د بعد ان كان لا يتجاوز 6-7 د اما اسماك الورقة –الوراطة - المربية في غار الملح فقد زاد ثمنها30 % في ظرف شهر ليبلغ13 د للكغ. الباعة: العرض هزيل والربح قليل بعد تخطي اختبار التلوث واجتياز حواجز المضاربين والمصدرين تصل كميات من السمك الى فضاءات البيع الرسمية في الجهة واهمها سوق بنزرتالمدينة الذي لم يشهد ظهر السبت الماضي ازدحام العادة ولهفة الحرفاء على الاسماك المعروضة في 49 نقطة بيع يحتويها الفضاء المنظم الذي اعيد فتحه في اكتوبر 2014 بعد اصلاحات ب350 الف دينار.. في هذا المكان حاورت «الصباح» خميس الجلجلي ابن منزل عبد الرحمان الذي خبرت عائلته مهنة بيع الاسماك «المليحة « لعقود وسألناه عن وضع السوق في المدة الاخيرة وملاحظات الحرفاء فأجاب بقلق بالغ»ربي يقدر الخير، فالعرض هزيل والاسعار العالية اثقلت كاهل حرفائي وغيرت نسبيا عاداتهم الغذائية فمنهم من اعتاد شراء منتجات بحرية بقيمة50د اسبوعيا لكنه اضحى في هذه الفترة عاجزا عن ابتياعها ب80د وقد فضل اغلبهم التقليص في الكميات المشتراة»... وتحسر الجلجلي قائلا» انه من المخجل ان تبيع لأحد حرفائك الاوفياء كيلوغراما واحدا من السمك ب40 دينارا بعد ان كان سعره لا يتجاوز 25 او 30 د على الاقصى والمشكل ان السعر الحالي لا يغطي تكلفة العرض والنقل والشراء. فالإرباح يتقاسمها الوسطاء ولا يجني البحار والبائع بالتفصيل سوى الفتات»... رأي شاطره صديقه الشاذلي معتبرا ان البحار ووكيل سوق الجملة والبائع بالتفصيل والحريف هم سلسلة من ضحايا المضاربين الذين يحددون الاسعار في غياب المسؤولين واضاف البحار المتمرس بأنه من حق التونسي استهلاك «ولد البحر» بجودة عالية واسعار مقبولة تغطي مصاريف البحار والباعة في مرحلتي التفصيل والجملة وتمكنهم من نسبة معقولة من الربح دون شطط. وعن امكانية انخفاض الاسعار في الفترة القادمة اجاب الجلجلي» بان العرض والطلب يتحكمان في الاسعار ومن المتوقع ان يدفع استقرار الطقس البحارة لتنظيم»سرحات» مجزية قد تعيد التوازن الى السوق وتخفض الاسعار فيما بشر الشاذلي بقرب انطلاق موسم صيد «الشاوري» وهو حوت سفر تتراوح اسعار الكغ منه عادة بين 2 د و3.5 على الاقصى مما يمكن المواطن العادي من استهلاكه طيلة شهرين متتالين في انتظار توفر كميات من»الحوت المليح « بأسعار مقبولة تمكن اهل بنزرت وزوارهم من تذوق ثرواتها البحرية مثلما كانت العادة.