فتحت الدورة الرابعة والثلاثون لمعرض تونس الدولي للكتاب مجال التحاور والتفكير في مسألة الترجمة التي تعد على غاية من الأهمية وذلك في إطار الندوة المنتظمة بالاشتراك مع مشروع «كلمة» بعد تقييم وضع هذه الحركة والخوض في كل متعلقاتها وأبعادها وأهدافها ثم ان أغلب الناشرين بمعرض الكتاب في هذه الدورة يؤكدون الإقبال الملفت على هذه النوعية من الإصدارات والإبداعات مقارنة بغيرها من الكتب المعروضة. فأجمع المشاركون في هذه الندوة على أهمية «الترجمة» وفوائدها على العقل العربي بشكل عام وبالتركيز على تعريب العلوم الإنسانية من رواية وأدب رحلة وقصة وكتب التاريخ وغيرها، على اعتبار أن ترجمة العلوم الدقيقة كالرياضيات والفيزياء مسألة غير مجدية نظرا لما يسجل من أشواط من الفارق التطور بين البلدان العربية والبلدان والحضارات الغربية. ولعل ما جعل هذا اللقاء «مثمرا» ومفيدا في مستوى طرح التساؤلات ووضع الإصبع على مواطن الاستفهام التي يمليه الوضع والأهداف والواقع، هو أن المشاركين فيها هم من أهل القطاع والباحثين المختصين في المجال وهم كل من حاتم الفطناسي من تونس وسعيد حمدان الطنيجي والروائية ريم الكمالي من الإمارات ونبيل سليمان من سوريا. فكان التركيز على المنجز السردي الذي قدمته منشورات «كلمة» منذ تأسيس هذه المؤسسة سنة 2007، باعتبار أن الرواية وفن القص عموما تعد من العناوين الكبرى للحضارة المعاصرة من ناحية ولخصوصية مثل هذه الأجناس الأدبية. أولوية في الترجمة والتعريب ولئن دعا حاتم الفطناسي مشروع كلمة وكل المهتمين بالترجمة في تونس والوطن العربي للتركيز على العلوم الإنسانية وتحديدا المدونات السردية وغيرها، فإنه يشترط ضرورة التقيّد بجملة من الشروط من أجل ضمان نجاعة وأهداف واسعة للمادة المترجمة والمعربة على حد السواء وذلك بالالتزام بميكانيزمات وآليات التخييل التي تصب في سياق خدمة العقل العربي. وذلك من خلال وضعه في إطاره التاريخي والإبستيمولوجي في بعده الفكري. ودعا الباحث التونسي في نفس الندوة المهتمين والقائمين على الترجمة مؤسسات وأفراد إلى ضرورة مجاراة نسق التحول الذي يشهده العقل العربي من خلال الخضوع للمراجعات في مستوى الأجهزة المفاهيمية ومقاربة الواقع ومتغيرات الراهن. لأنه يرى أن المؤلفات السردية لا تقتصر على القصة والرواية بل تشمل كل ما ينجزه العقل وتثمره المخيلة وتتجسد في حركية الأفكار والمجتمعات. واعتبر أن الترجمة في البلاد العربية عامة وضمن ما يقدمه مشروع «كلمة» بصفة خاصة هو وليد رؤية استراتيجية تنويرية فلسفية هدفها النهوض بالإبداع العربي. لذلك فهو يرى أن السؤال عن الهوية في علاقته بالآخر وكيف نترجم وماذا ولمن نترجم من الأسئلة التي يجب العمل على الالتزام بها في الترجمة. صناعة ثقيلة تناول الكاتب السوري نبيل سليمان المسألة من وجهة نظر أخرى بدأها بتحديد بطرح سؤال حول الترجمة كديناميكية روائية: فكيف يمكن ان تكون فاعلة في الرواية؟ وركز في حديثه عن شخصيتي المتَرجَم والمتَرجِم في الرواية العربية واستشهد في ذلك بمجملة من الأعمال العراقية على اعتبار أن العراق من أكثر البلدان التي عرفت حركة ترجمة في العقود الأخيرة في مستوى الروايات وأرجع ذلك إلى توجه الكثير من الأدباء والمختصين في الترجمة من العراقيين إلى مترجمين مرافقين للجنود الأمريكيين بعد دخول هؤلاء لأرض العراق. وذلك من بين ذلك مجموعة من الأعمال على غرار غائب طعمة في «المرتجى والمؤجل» التي تصور شخصية المترجم الثقافي والأدبي في المنفى إضافة إلى عالية ممدوح وشاكر نوري وبرهان شاوي. كما استشهد نبيل سليما بكاتبين سوريين برعا في نفس المجال هما فواز حداد والكردي السوري جون دوست. لكنه لم ينف أن الترجمة لا تخلو من «خيانات» وغيرها من الأعمال والروائيين العرب الذين برعوا في هذا المجال وأثروا المكتبة العربية بأعمال على قدر هام من القيمة الإبداعية والثقافية والفكرية والإنسانية. في سياق متصل تحدثت الكاتبة الإماراتية ريم الكمالي عن تجربتها في عالم الرواية والكتاب واعتبرت الأسئلة المتعلقة بعلاقة الأنا بالآخر من قبيل ماذا نحتاج نحن من الأخر وما الذي يجب ان نأخذه مقابل ما يجب تركه من الأسئلة التي صنعت ترجبتها في الكتابة من ناحية وفي التعاطي مع المادة الأدبية المترجمة أو المعربة واعتبرت أثر البيئة والمكان من العوامل الموجهة والمتحكمة في هذا الخط الإبداعي. تحديات من جانبه نزّل سعيد حمدان الطنيجي ما قدمه مشروع كلمة خلال السنوات العشر الأخيرة في سياق جملة من التحديات تتعلق بتحديد العلاقة مع دور النشر في العالم ومدى الالتزام بحقوق التأليف مرورا بالتحدي المتعلق بالمادة المختارة للترجمة والقارئ المعني بهذه المادة وكيفية الوصول للقارئ وإنجاح عملية الترويج والتوزيع والتسويق للأعمال الإبداعية والأدبية المترجمة ومقاييس الاختيار لاسيما في ظل ارتفاع تكلفة الطباعة والنشر مقابل محدودية قدرات القارئ في الوطن العربي. لذلك كانت مداخلة الكاتب الإماراتي سعيد حمدان الطنيجي في شكل عن إجابة عن تساؤلات مطروحة على مشروع كلمة والمترجم والروائي العربي بشكل عام مؤكدا أنه ضمن هذا المشروع لم يتم الاكتفاء بترجمة ما هو صادر باللغة الأنقليزية بل شملت 13 لغة أجنبية باختيار ما فيه فائدة للعقل العربي. وأكد في نفس المداخلة أن هذا المشروع يعمل على تحيين أدواته وتطويرها وتعزيز ما تحقق خلال عقد من أعمال نوعية لاق رواجا، وذلك من خلال توفير الكتاب الالكتروني والصوتي والعمل على توسيع دائرة الجمهور والقارئ المستهدف بإضافة اجيال جديدة فضلا عن استقطاب جيل جديد من المترجمين أيضا. فكل المتدخلين في هذه الندوة يجمعون على أن نشاط حركة الترجمة في مستوى الرواية والقصة تحديدا بقدر ما تعد مكسبا للعقل العربي فهي لا تخلو من خطورة بسبب أنها لا تخضع لإيديولوجيا فضلا عن غياب المحاذير السياسية والدينية وغيرها.