لعل أصعب الأمور لدى أي مترشح في قائمة للانتخابات البلدية، سواء كانت منبثقة عن حزب سياسي أو مستقلة، تكمن في عملية التواصل مع الناخبين حيث تتشكل المسألة من جانبين هما البرنامج الانتخابي والخطاب المباشر لشرح البرنامج والرد على استفسارات الناخبين في الاجتماعات خلال الحملة الانتخابية. وفي محاولة لقراءة فحوى البرامج الانتخابية لبعض المترشحين في اليوم الأول من الحملة (اعتمادا على عينة مما نشرته وكالة وات أمس) نستخلص أمرين منطقيين، فهناك جانب نظري يتمثل في الحديث عن أهمية الانتخابات البلدية بوصفها أول انتخابات حرة وشفافة تُنظّم بتونس، فيما يتعلق الجانب الثاني الذي يمكن وصفه ب»العملي»، مع بعض الاحتراز بالنظر إلى أن هذا الوصف قد يتضارب مع المضمون في علاقة بالرسالة الموجهة إلى الناخبين المستندة إلى برامج ووعود. بعد توعوي بأهمية الانتخابات وعلى افتراض تجاوز هذه النقطة بوضع البرامج الانتخابية في سياقها الآني يمكن القول أن التأكيد على أهمية الانتخابات أمر جد منطقي لبعده التوعوي وتشجيع الناخبين وقد يكون ذلك إما بعبارات مألوفة مثلما ذكره أحد المترشحين بخصوص دور البلدية من أنه «دعم للامركزية وتطبيق لديمقراطية القرب وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار المحلي»، بينما فضل مترشح آخر وضع الانتخابات في إطار أشمل معتبرا إياها «أهم استحقاق انتخابي وسياسي وتمثل حلقة جوهرية في مسار تركيز الجمهورية المدنية الديمقراطية الاجتماعية». وما يلاحظ أن بين التعبيرتين هناك فارق في الصياغة حيث جاءت الأولى ضمن المفردات المستعملة في الخطاب السياسي والإعلامي المألوف بينما سعت الثانية إلى تحشيد جملة من التوصيفات للجمهورية ليتخذ مجرى الحدث بعدا عكسيا، أي إذا كان الخطاب الرسمي العام يؤكد على أهمية اللامركزية والديمقراطية المحلية فإن المترشح أراد أن يرتقي من الجزء إلى الكل ويجعل تلك الصفات للجمهورية هدفا أوسع. وبالتوازي مع التأكيد على أهمية الموعد الانتخابي لم تغب المبادئ العامة عن الحملة التي عادة ما نجدها ضمن أدبيات الأحزاب وسياسة الحكومات المتعاقبة مثل ترسيخ الحوكمة وتطبيق القانون ومكافحة الفساد وهي جملة من المبادئ يمكن تحمليها قراءة تكشف عن تعطش لتجسيد تلك المبادئ التي لا يمكن أن يشعر المواطن بها ويلمسها إلا انطلاقا من محيطه الصغير أي دائرته البلدية. شعارات ومطالب مألوفة واعتمادا على ما ورد في بعض الحملات الانتخابية نجد تداولا لبعض الشعارات والمطالب المألوفة مثل القضاء على البناء الفوضوي والمحافظة على نظافة المدينة وخلق مواطن شغل إضافة، طبعا، إلى مقولة توفير مقومات العيش الكريم. بالتأكيد لا يمثل ذلك، مطلقا، نشازا في الحملة الانتخابية وهنا يأتي عنصر الإضافة والصياغة للحديث عن مشاغل أية منطقة بلدية وكيفية تقديم البرامج ومضمونها بطريقة تمس مشاغل المواطن وتقنعه. وهذا ما جعل أحد المترشحين يتحدث عن «إعطاء الإضافة في العمل البلدي» حيث تصبح مجرد كلمة «إضافة» مشوقة ودافعة لانتظار الكثير في ما يعني ضمنيا تجاوز وضع العمل البلدي حاليا إما بالقطع معه أو بمزيد تحسينه، إلا أن ما يلاحظ، إجمالا، هو أن ما ورد في البرامج الانتخابية لم يخرج عن التعرض لما هو مألوف من قضايا ومسائل ونقائص قد تبدأ بأعمدة التنوير العمومي وتنتهي عند ديمقراطية القرب. وقبل استعراض ما ورد في تقديم بعض البرامج لابد من الإشارة إلى وعود في علاقة بالعمل البلدي من بينها «تركيز مجالس بلدية ناجعة وناجزة» و»تحسين جودة حياة المواطنين مرتبط بمدى نجاح الفريق البلدي المؤتمن على الشأن المحلي»، وفق قول أحد المترشحين بينما يرى مترشحان آخران أنه يتعين تشريك المواطن وبقية مكونات المجتمع المدني بصفة فعلية في البرامج البلدية. قضايا محددة وأخرى ذات اهتمام أوسع وقد يتساءل المرء عما إذا كانت البرامج الانتخابية ستكون مختلفة عن برامج الأحزاب والمستقلين في الانتخابات التشريعية وتبدو الإجابة غير واضحة لأن المجال يتطلب تركيزا ودقة عند الحديث عن مشاغل المتساكنين وحتى الوعود تكتسي في بعض الأحيان مسحة عملية حيث أن التأكيد مثلا على تفعيل مشاريع معطلة خاصة في القطاع الفلاحي يمثل في حد ذاته حيزا من البرنامج الانتخابي لكنه في الآن نفسه تلميح صريح لأداء مجلس بلدي أو نيابة خصوصية. كما لم يغفل بعض المترشحين عن تناول مسائل محددة مثل التأكيد على «تسريع نسق إنجاز سوق محلي» أو «تغيير موقع سوق بلدي أسبوعي وكذلك «العناية بالأسواق البلدية وتأهيلها» كما وعد أحد المترشحين بإنشاء «محاضن بلدية ورياض أطفال في جميع الدوائر البلدية» وآخران ب»وضع وسائل نقل على ذمة المؤسسات التربوية» و«التسوية العقارية للأراضي البلدية». وفي سياق بقية المشاغل لم يغب عن الحملة الانتخابية تدعيم البنية التحتية والطرقات والأرصفة وتجديد شبكة التنوير العمومي فيما تم التطرق إلى غياب مآوى السيارات والمآوى المهملة والاختناق المروري. وتحدث أحد المترشحين عن «دعم إنشاء صيدليات ليلية ونهارية بالمناطق ذات الكثافة السكانية». وإضافة إلى الشأن البيئي(التلوث) والنظافة والجمالية والمناطق الخضراء الحاضرة، منطقيا، في الحملة لم يغب الشأن الثقافي حيث ضمن أحد المترشحين برنامجه الانتخابي «الاعتناء بالمعالم الأثرية وصيانتها والاعتناء بالبنايات القديمة» بينما وعد مترشح آخر ب» تجذير الهوية الثقافية للجهة» وهي نقطة تطرح أكثر من سؤال بخصوصها وعن كيفية تحقيق ذلك من قبل المجلس البلدي ومدى التداخل مع دور هياكل أخرى ذات صبغة ثقافية. «ممارسات مشبوهة» ولم يغب عن أحد السياسيين التحذير من «الممارسات المشبوهة» أي شراء أصوات الناخبين وهو أمر منطقي إذا كان الجميع يدعون إلى أن تكون الانتخابات البلدية نزيهة وشفافة حتى لا تشوب هذه المحطة الهامة أية شائبة تقلل من مصداقيتها. عموما لم تخرج العينة المعتمدة من الحملة الانتخابية عن المواضيع المتوقعة سلفا لكن يبقى السؤال مطروحا: هل ما يقدم برامج انتخابية متكاملة أو أنها مجرد وعود بخصوص مسائل جد حساسة عند المواطن ومن ثم تكون كفيلة بتحديد نوايا التصويت؟