التربية البدنية قطاع يتألم، ظل يراوح مكانه منذ بداية التسعينات إذا اعتبرنا آخر نسخة معدّلة لبرامجه فأصابته علّة فعلّة، ليس لغياب المختصين من الإطارات ذوي الكفاءة ولكن لغياب الرؤى، لمنطق أهميته لنجاح المنظومة التربوية وتأطير الناشئة بدنيا وذهنيا وعاطفيا ولغياب التبصّر لمنطق مكونات إصلاح قطاع الرياضة. التربية البدنية مادة أصبح العالم في تواتر تطويرها يكاد يجزم بأنها العمود الفقري لنجاح المنظومة التربوية من خلال بحثه المتواصل لإثراء مكوّناتها ومضمونها وتوفير الظروف الملائمة لممارستها ومن خلال إيمانه بأهمية برمجتها لمختلف الشرائح العمرية بدءا بفترة ما قبل التمدرس. هذا ما يجرّني لطرح التساؤل التالي: أين نحن من هذا....فعوضا عن تقييم سياستنا الوطنية في قطاع التربية البدنية والبحث عن رسم أخرى أرقى واشمل من خلال تطوير البرامج والتوجّهات الرسمية وتهيئة الظروف الملائمة لممارستها وتجاوز الصعوبات التي تعيقها وبحث سبل تنويع أنشطتها رغبة في خلق ثقافة ممارسة الأنشطة الرياضية بعيدا عن المقنّنة منها بداية من أول السلم الدراسي، سارعنا إلى التخلص منها بجرّة قلم والتخلّص في الآن نفسه من مشكل موضوع الانتداب الذي أرّق الوزارة، «كالذي فرّط في أحد أصلابه أعيته تربيته ورعايته لفائدة أحد جيرانه، فقط لأنه لم يٌخطط له ولا لمستقبله ففاجأته طلبات إعاشته وفقا لتطور ظروف نشأته فأصبح حملاً ثقيلا يجب التخلص منه». أعود لأقول إن قلة الحيلة والخبرة وسوء التدبير يصيب صاحبه بضياع الدليل، فكيف لمسؤول كانت في جرابه مكونات الإصلاح وسرعة القرارات وضمان تسوية الاستثناءات فيُفرّط في أحد أعمدتها ليطلب المنة لاحقا من شريكه في قرار كانت سيادة أخذ القرار في يده (مثال بسيط متعلق بالاستثناءات على رأس الجامعات الرياضية والمنتخبات الوطنية..). إحالة الملف بهذه الطريقة هو سياسي بامتياز وهو إجراء دون تروٍّ وفكر هادف يقتضي أساسا استشارة جميع المتدخلين في القطاع من مختصين وجامعيين وخبراء ومتفقدي تربية بدنية ورياضة وأساتذة تربية بدنية ومجتمع مدني وجمعيات وجامعات وخلاصة القول إجراء فيه استخفاف بأهل القطاع برمّته. ألم يخطر ببال صاحب القرار ما مصير الإصلاحات التي تمّ ضبطها وصياغتها في الماضي القريب أهمها كيفية تعميم تدريس مادة التربية البدنية، وكيفية الترفيع في عدد ساعاتها بمختلف المستويات الدراسية، وكيفية تطوير ظروف ممارسة الأنشطة الرياضية، تقييم شعبة الرياضة، وإعادة صياغة البرامج الرسمية لتدريس التربية البدنية بما في ذلك التركيز في الصيغة الجديدة على فترة ما قبل التمدرس، وتنويع الأنشطة الرياضية، وإعادة ضبط التوجّهات الرسمية.. ثم ما مصير مئات الخرّيجين من المعاهد العليا للرياضة والتربية البدنية إذا أُحيل الملف برمته لوزارة التربية سوى تطبيق مبدأ الانتداب المعتمد من قبلها والذي يعتمد على امتحان الكفاءة المهنية فتصبح التربية البدنية بالتالي جزءا ضئيلا من مجموع الانتدابات في مختلف المواد مع توديع شرط الأقدمية في الحصول على الشهادة العلمية المعتمد من قبل وزارة شؤون الشباب والرياضة كشرط من شروط الانتداب في القطاع. أضف إلى ذلك توجه وزارة التربية لإعادة إحياء منظومة المعاهد العليا لتكوين المدرسين (معلمين وأساتذة) وهذا يعني انتداب في إطار مرحلة تكوينية ثم تعيين مباشر. ثم إن إحالة الملف التربية البدنية إلى وزارة التربية سيسحب البساط من تحت الوزارة في خصوص تطوير منظومة الرياضة المدرسية والجامعية باعتبار طبيعة نشاطها وبالتالي وداعا لشعاراتنا التي رفعناها منذ الأزل بأن الرياضة المدرسية هي الرافد الأساسي للرياضة المدنية باعتبار أن مكونات المشروع كانت برمتها تحت رعايتنا. ختاما نشير إلى أن مؤسسات التكوين أي المعاهد العليا للرياضة والتربية البدنية ليست بمنأى عن هذا القرار وأصبح من الضروري التفكير بعمق في تغيير صبغتها باعتبار العدد الهائل من خريجيها مقارنة بنسق الانتدابات في الوظيفة العمومية إذا أصبح تحت غطاء وزارة التربية. هذا بالإضافة إلى وضعية قطاع التفقد البيداغوجي، وضعية مختلف مهن الرياضة.. الخ وعليه وجب عدم التسرع والارتجال وإعادة النظر في قرار إحالة ملف التربية البدنية إلى وزارة التربية حتى وان تمّ الاتفاق سياسيا باعتبار أن منظومة التربية البدنية والرياضة متماسكة ويصعب تفكيكها وإعادة توزيع الأدوار بين وزارتين بالسهولة التي يظنها البعض وذلك إلى حين تقييم السياسة الوطنية الحالية المنظمة لهذا القطاع واستشارة جميع المتدخلين فيه وشفع الإجراء بمنتدى وطني يضبط التوجهات الجديدة لهذا القطاع واتخاذ القرار النهائي لإحالة الملف من عدمه، وللحديث بقية... بقلم: الدكتور ماهر مريح ( *) ( *) أستاذ محاضر للتعليم العالي بالمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بقصر السعيد