إذا تحدثنا عن الأزمة القائمة بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية نعتقد أننا سوف لن نضيف شيئا ذا أهمية كبرى لأن عديد الأقلام قد حبرت الكثير من المقالات حول هذا الموضوع الذي ظل حديث الناس في البيت والشارع والحافلات والإدارات والحقل والمصنع وفي كل مكان والجميع وبدون استثناء أدلى بدوله وهذا أمر ليس بالغريب بل هو محمود أوّلا لأن هذا يدل على وعي الأسرة التونسية والتونسيين جميعا بأهمية التعليم وثانيا لأنه يؤكد على أن التعليم كان ولا يزال وسيظل المصعد الاجتماعي الذي تتعلق به العائلة التونسية فهو رجاؤها وملجؤها لتحقيق آمالها وطموحاتها . لكن مع احترامنا الكامل لكل الآراء التي طرحت حوله وكل المواقف التي أبديت تجاه الأساتذة والوزارة سواء المساندة لرجال التعليم والتي ترى أن المربي قد « شلّك « في عصرنا الحاضر بسبب الظروف المادية والمعنوية التي يدرّس فيها وأنه لابد للمجتمع بأسره أن يحترمه ويجلّه، فمن غيره يربي الأبناء ويعلمهم ويفتق قرائحهم ويأخذ بهم في سبيل الارتقاء في مدارج المعرفة والعرفان وبلوغ القمم في مجالات البحث والعلوم، أو المؤاخذة لرجال التعليم التي ترى أنهم قد بالغوا في المطلبية المادية ويعيبون عليهم أن جعلوا التلاميذ رهينة، أردنا أن نؤكّد على أنه كان بالإمكان تلافي ما صار عليه الوضع من تأزم وانسداد أفق بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة الإشراف وتفادي الخوف الذي يجتاح الأولياء من أن تذهب حصيلة إنفاقهم المتواصل على أبنائهم وما يسخرونه لهم من إحاطة مادية ومعنوية طوال السنة الدراسية هباء وسدى إذا تم الوصول في النهاية إلى نتيجة عنوانها سنة دراسية بيضاء لا قدر الله ، وقد كان بالإمكان لو أردنا التوجه نحو طريق الانفراج والتفاهم منذ الأيام الأولى لحصول سوء التفاهم لو وأشدد على كلمة «لو» لم تتدخل عديد الأطراف التي- بحسن نية أو بسوء نية - قد سكبت الزيت على النار وأشعلت الفتيل وعلى سبيل المثال لا الحصر ما قاله بعضهم: «لو كنت حاكما في البلاد لوضعت كل الأساتذة في السجن» وما قاله نائب تحت قبة البرلمان: «من يحجب الأعداد يجب أن يحجب مرتبه» بالإضافة إلى الدعوات لفتح ملف قضائي للنظر في إيجاد صيغة لإثبات التهمة على الأساتذة ومعاقبتهم قانونيا... هذه الآراء والاجتهادات أصحابها لهم الحق في التصريح بها ربما حرقة على أبنائهم أو ربما لغايات ومآرب لا يعلمها إلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لكن لنرى مع بعضنا بعضا النتيجة التي أصبحنا عليها بعد هذه الدعوات: بالطبع فقد تصلّب موقف الجامعة العامة للتعليم الثانوي وأصر جل الأستاذة الذين يبلغ عددهم اليوم 79500 أستاذ يعطون الدروس ل902557 تلميذا في المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية على الإعلان صراحة أن إقدام وزارة الإشراف على حجب الرواتب لن يعنيهم في شيء وأنهم سائرون في نضالاتهم من أجل تحقيق مطالبهم التي يعتبرونها شرعية (التخفيض في سن التقاعد باعتبار التعليم مهنة شاقة، الترفيع في بعض المنح حتى يحافظ المربي على كرامته، إصلاح المنظومة التربوية التي هي بوضعها الحالي كارثة على التلميذ والولي والمربي) ألم يكن بالإمكان العمل بما قاله الأوائل «كلام الزين يدفع في الدين»؟ ما ضرّ لو نظمت برامج إعلامية بمشاركة الأولياء والأساتذة تثبت أهمية المربي في المجتمع ودوره الفعال وأنه بدونه لا تستقيم الأمور ولا ترقى المجتمعات وتؤكد على شرعية مطالبهم التي لا ينكرها أحد لكن تهمس في نفس الوقت في أذني كل أستاذ بأن يصبر ويصابر كما عهد عنه خاصة في سنوات 2011، 2012 ، 2013 حيث أن قطاع التعليم يكاد يكون الوحيد الذي لم يضرب وأنجح كل الامتحانات خاصة الوطنية منها في وقت كانت البلاد فيها على كف عفريت نتيجة الإرهاب وضرباته الموجعة المتتالية كما كان بالإمكان أن نبعث له برسالة طمأنة نعده فيها بأن المكافأة المادية والمعنوية ستكون مجزية له يوم ينفرج الوضع الاقتصادي للبلاد وتخرج من عنق الزجاجة ثم نهمس في أذنه مرة أخرى قائلين وهو المتعلم والمثقف ولا يزايد عليه أحد في محبته لتلاميذه الذين يعتبرهم أبناءه» هل يرضيك حضرة الأستاذ أن تلقي ببناتك وأبنائك التلاميذ في الأتون؟ هل ترضى وتبقى قرير العينين لو تتوقف الدروس ونصير إلى سنة بيضاء؟ هل يرضيك وأنت المنتمي إلى الطبقة المتوسطة من أبناء الشعب التي صنعت 14 جانفي 2011 وكنت في صدارة قاطرة النضال أن تخسر هذه المرتبة التي تبوأتها بعد نضالات جمة بين عشية وضحاها..؟» نقول في الأخير ألم يوصينا الرسول صلى الله عليه وسلم: «يدرك باللّين ما لا يدرك بالغلظة والشدة» كما نهمس أيضا في آذان الذين دخلوا على الخط في أزمة التعليم الثانوي ما من أمر استعملت فيه الغلظة إلا وشانه في حين أن الرفق يزينه. بقلم: منى ذياب ( *)