أكدت ردود الأفعال حول تأخر صرف جرايات المتقاعدين هذا الشهر وحالة السخط التي رافقتها في صفوفهم، سيطرة الخوف على نسبة هامة من المواطنين الذين يخشون من تحول التحذيرات من أن تعجز الدولة عن دفع جرايات المتقاعدين إلى أمر واقع. والحقيقة، لقد عاش المتقاعدون وأهاليهم في الأشهر الأخيرة على وقع التحذيرات من سيناريوهات مخيفة تراهن على عدم قدرة الدولة على دفع الجرايات بسبب العجز المسجل في أرصدة صناديق الضمان الاجتماعي التي تواجه منذ سنوات صعوبات كبيرة دون أن تتبع ذلك حلول جدية للأزمة. ومن الطبيعي وبعد أن تأخر صرف الجرايات هذا الشهر وفي ظل الوضع الاجتماعي المعروف أن يرتفع منسوب الخوف وأن يخشى المتقاعدون من استعمالهم ككبش فداء لهشاشة وضعهم، لكن ما هو غير طبيعي أن تعجز الدولة حتى عن بث رسالة طمأنة لهؤلاء وهو أضعف الإيمان. فالدولة التونسية لم تزد من خلال التصريحات على لسان بعض المسؤولين حول موضوع تأخر صرف الجرايات ومن خلال البيانات الصادرة عن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية الذي عدّد العناصر التي تسببت في هذا التأخير ومن بينها عدم إيفاء بعض المؤسسات العمومية بتعهداتها للصندوق، لم تزد الأمر إلا ضبابية. فالمتقاعد التونسي اليوم يعيش حيرة كبيرة، فهو لا يعرف إن كان التأخير في صرف الجرايات مجرد أزمة عابرة أم أنها ستتواصل. ليس هذا فقط، بل إن بعض التصريحات المنسوبة لبعض المسؤولين حول الموضوع من شأنها أن تخلق بلبلة في البلاد. فبعض المسؤولين ينسب لهم مثلا قولهم إن أزمة الصناديق الاجتماعية تعود لارتفاع أمل الحياة في تونس وهو تصريح، إن صح، فهو يؤكد وجود أزمة أخلاقية في البلاد تؤكد إلى أي درجة انحدرنا. فكل الطرق أصبحت تؤدي إلى روما، وبات المسؤول لا يتردد في التخفي وراء أية تعلّة لتبرير عجزه. ودون الدخول في التفاصيل حول ردة فعل المتقاعدين حول التأخير في صرف الجرايات، فإننا نشير إلى أن أغلبها تؤكد حالة من التشاؤم والشعور بنكران الجميل، بل يتهم المتقاعدون الدولة بخيانة مؤتمن. والحقيقة جميعنا معنيون بهذه الأزمة التي وإن كانت قانونية، لأن من حق المتقاعد بعد أن اقتطعت الدولة اعتمادات من أجره لسنوات طويلة، أن يتمتع بجراية هي أصلا متأتية من مدخراته لدى الصناديق الاجتماعية، فإنها أيضا أزمة أخلاقية. فأي مجتمع ذاك الذي ينكر على مواطن حقه في أن ينتفع من ثمرة جهوده لعقود من الزمن بعد أن بلغ السن القانونية للتقاعد وأصبح لزاما على الدولة وباسم القانون أن تدفع له جرايته، فإذا بدولته الموقرة تتملص من مسؤوليتها تجاهه بتعلة وجود صعوبات تعاني منها صناديق الضمان الاجتماعي. إن الأزمة الأخيرة وإن كانت تتعلق بتأخير صرف جرايات المتقاعدين وما أثارته من مخاوف، فإنها أعمق من ذلك بكثير، فهي تطرح مجددا مسألة الثقة في الدولة وفي المنظومة القانونية للبلاد وإلى أي درجة يمكن للمواطن أن يأتمن على حياته وممتلكاته ومستقبله في سياق أقل ما يقال عنه أنه يبعث على الريبة.