فسحة العين والأذن يؤمنها: الهادي السنوسي تعتبر الشاشة الصغيرة من أقرب الوسائل التي تقدم خدمات متنوعة بين الإعلام والترفيه والتكثيف.. أو هكذا يفترض!.. فهل مازالت قنواتنا التلفزية على سبيل المثال تستجيب لهذه الاستحقاقات الجمعية؟ وقد يبدو السؤال خارج سياق الفرجة المتحررة من قيود التنظير والتحذير ولكنه يبقى في قلب الصورة التي يريدها المجتمع المتماسك والمتمسك بأصوله وجذوره وانتمائه... وللسؤال أيضا ما يبرره من تصاعد في وتيرة الانتهاكات ومنسوب التجاوزات لقواعد المهنة والأخلاق.. من «هزّان الساقين» إلى «الشّيخة» يطول الحديث في هذا الباب ولكنه سيظل منقوصا مهما حاولنا رسم حدوده وذلك لتعدد المنابع وتداخل الأسباب والدوافع.. إلا أنه من الثابت أن الهبوط الحاد في مستوى المواد التلفزية في جل قنواتنا لم يعد خافيا وينبع من مصادر ما كان لها أن تدخل دائرة البذاءة اللسانية والإيحاءات الجنسية! إذ يفترض في بعض الفضاءات والمنابر أن تكون الحارس الأول للقيم والمبادئ الرفيعة.. إلا أن الواقع المعيش أكد أن الزحف الأسود تجاوز أسوار السيادة وحط الرحال في قلب القبة.. قبة باردو المحروسة! ولئن سجلنا تجاوزات لسانية عديدة في عهدي التأسيسي والمجلس الحالي فإنه بقي جلّه في حدود الاختلاف السياسي خلافا لما يحدث في الفترة النيابية الحالية من خروج عن النص والوصول بالحديث إلى «النصف الأسفل»! فمازالت عبارات «هزّان الساقين» والحديث عن «الرجولية... الأنثوية» ترن في الآذان.. لم أذكر هذا إلا للوصول إلى حيث أريد التوقف السريع في محطات الابتذال التي تعددت هذه الأيام وتنوعت حيثما شاء «التليكومند»! في أحد البرامج التي تعتمد العياط والزياط والتهريج حلت ممثلة معروفة ضيفة على زميلها لتشاركه فرفشاته وقفزاته و»فازاته» (كما يقول ويردد)... وهي في خضم المعمعة الكلامية.. ومن دون إذن أو تنبيه مسبق قالت جميلة الشيحي ما معناه.. «الشيخة الجنسية الرسمية.. تحقق شيخة الشعب بأكمله» (لا أريد النقل الحرفي لما قالته) هكذا !!! كما تلاحظون.. لقد أصبح الحديث في الجنس مباحا حتى خارج إطاره.. فما الدافع إلى إقحام «الجانب الرسمي» للخوض في المسألة الجنسية.. أو بالأحرى «الزنسية» !؟. وما هذه اللقطة اللقيطة إلا قطرة من فيض الجنس الغامر للفضاءات البصرية.. فلا تخلو منوعة من الإيحاءات الجنسية في أخف الحالات وألطفها.. وحتى عند إعادة البث لا نجد أثرا لبيب العادة.. أي الجماعة يستملحون الأمر ويشجعون على التمادي فيه.. وتحضرني أيضا صورة تلك الفتاة التي حضرت لتشارك في تقديم برنامج ألعاب وهي ترتدي قميصا كتب عليه بالأحرف الغليظة «kiss me» أي «قبلني..» معناها بالفلاقي «بوسني..» وقد تجنّب مقدم الحصة من حسن حظنا الاستجابة لطلبها الواضح.. وقد تسبب لها في خيبة أمل.. لعلها أدت إلى اتهامه بالعجز الجنسي أو حتى بالمثلية التي أًصبحت لها قواعد وهياكل! «حنبعل».. بوق للشتم! قميص القبلة المستجداة يوصلنا إلى قناة شطرانة «حنبعل».. هذه القناة التي تحولت بفعل بعضهم إلى فضاء للخصام والشتم والسب ومر الكلام.. لقد سبق أن أشرت إلى التجاوزات التي أتاها.. الشاعر والمغني والملحن والكرونيكور مصطفى الدلاجي في حق ضيوف عبد الرزاق الشابي الذي نصبه مبدع زمانه ويفاخر ويفتخر بصداقته ربي يؤنسه به فمن لا يتذكر ما حدث مع المطربة درة بشير حاضرة وغائبة.. وأعاد الكرّة مع غيرها إلا أنهم تجنبوا الوقوع في الفخ المنصوب لهم خلافا لدرة التي دافعت عن نفسها بما توفر لها من وسائل رغم اختلال موازين القوى اللسانية! وكأن كل ذلك لم يشبع نهمه في الشتم فقد بادر قبل أسبوعين بالهجوم على بية الزردي التي عبرت عن رأيها فيه.. ثم واصل في الحصة الموالية ليضيف إليها مايا القصوري ولم تسلم حتى هالة الذوادي المقيمة بالقناة نفسها قبل قدوم هؤلاء جميعا! الدلاجي يفعل كل ذلك تحت أنظار مقدم البرنامج بل بتشجيع وتوجيه منه!.. يحدث كل هذا وكأن المسألة عادية وتدخل في باب التنشيط الغوغائي الذي أصبح ميزة القناة التي صارت قبلة الفوضويين الشتّامين والباحثين عن صنع «البوز».. «بوّز» الله أفعالهم.. ومنذ أسابيع نسجت المدعوة «سوار» على منوال صطوفة (وبعده الفن يوفى) وصبت جام غضبها على ليلى الشابي التي ردت الصاع صاعين.. وعلى ذكر ليلى.. فإني أتساءل ما الذي دهاها لتضع نفسها في ذلك الإطار المسيء لها شخصيا وفنيا خاصة وأنها بدت تحت تأثير من حولها فاندمجت معهم ودخلت بوتقة الشتيمة والنميمة وحملت نفسها فوق طاقتها.. بعد أن أصبحت تفتي في كل ما تعلم وما لم تعلم وشاركت في التقوّل والتهجم على من رسخت أقدامهم وأقلامهم وألسنتهم في ميادين غير ميدانها. ومن منطلق احترامي لمسيرتها الفنية ولعلاقة الصداقة القائمة بيننا أتمنى أن تعود ليلى إلى موقعها وتحترم الغير لتظل محترمة مكرّمة.. عمى الألوان ومن «بورنو» الإعلام عندنا نمر إلى «بارانويا» التي أًصابت «الهايكا» التي تعود لها سلطة التعديل المخولة لها باعتبارها هيئة مستقلة للاتصال السمعي والبصري. لقد تابعنا العديد من القرارات التي اتخذتها هذه الهيئة ضد بعض القنوات بسبب ما رأت فيه تجاوزات للقانون المنظم للمهنة وأصولها.. ومن دون الدخول في جزئيات تلك الإجراءات أو مدى الاقتناع بها وبمبرراتها فإن السؤال الذي يفرض اليوم نفسه يتعلق بمشروعية تدخل هذا الهيكل في مثل التجاوزات التي ذكرت آنفا. فالسلطة التعديلية تخول لها في نظري التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها عند ملاحظة أي خلل قد يمس بالقوانين المعمول بها من جهة وبكل ما يتعلق بمقومات المواطنة والأمن العام من ثانية. أما وقد حصرت الهيئة مجال تدخلها في إطار ضيق فإنها تصبح هيئة سياسية بدرجة أولى ولا تعنيها الأخطاء المهنية التي لها علاقة بالمسائل الاجتماعية والأخلاقية. وهذا هو عمى الألوان الذي يؤثر في النظر ويمنع سلامة البصر! أقول هذا، ليس من باب التحريض على الإعلام والإعلاميين وأنا واحد منهم ولكن لإعادة الأمور إلى نصابها وتخليص إعلامنا من نزوات قد تؤدي إلى سوء المآل.. لا قرّر الله!...