إن الملاحظ للمشهد السياسي هذه الأيام ينتبه إلى أن هناك تشابها كبيرا مع الفترة التي سبقت تغيير حكومة الحبيب الصيد 2 والتي حلت محلها حكومة الوحدة الوطنية الحالية التي كانت قد تمخضت عن اجتماعات وثيقة قرطاج، الوثيقة التي هي اليوم مجددا موضوع الساعة. المشهد تقريبا هو ذاته والأسئلة التي تطرح حاليا حول مصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد من قبيل هل سيبقى على رأس الحكومة أم سيغادرها؟ وإن بقي هل سيكون ذلك مشروطا بعدد من اللاءات التي تهم حتى مستقبله السياسي؟ وغيرها من الأسئلة التي تتمحور حول ما ستتمخض عنه اجتماعات الممضين على وثيقة قرطاج 2 من قرارات بشأن مستقبل الحكومة ومستقبل رئيس الحكومة في المستقبل القريب، هي تقريبا نفس الأسئلة التي كانت تطرح خلال الفترة التي كانت تطبخ فيها عملية «التخلص» من رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد. والأكيد أن وضع يوسف الشاهد ليس وضعا مريحا بالمرة فهو إن بقي على رأس الحكومة فإن بقاءه سيكون مشروطا وهو ما يقلص من هامش التصرف بالنسبة له، وهو هامش قليل بالأساس بسبب الوصاية المفروضة عليه باسم وثيقة قرطاج 1 و2 التي تحدد أولويات سياسة الدولة التي هي من المفروض من صلاحيات رئيس الحكومة، وهو إن غادر الحكومة في هذه الظروف، فإن خروجه سيكون من الباب الصغير. والحقيقة، نحن في تونس ورغم أن الحكومات هي نظريا منبثقة عن صناديق الاقتراع، فإننا عمليا لم نشهد استقرارا سياسيا يذكر. فالحكومات تتعاقب بوتيرة مرتفعة حتى أننا صرنا إزاء مشهد كاريكاتوري فما إن يقع الاتفاق على تركيبة حكومية جديدة حتى يشرع في الحديث فورا عن ضرورة القيام بتحويرات وزارية ثم ننتهي -كما هو الحال اليوم- بتوافق حول إجراء تحويرات جوهرية والمطالبة صراحة بتغيير رئيس الفريق الحكومي. وهو ما حدث تماما مع حكومة الحبيب الصيد من قبل ومع أغلب الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ الثورة... صحيح أننا نظريا كذلك، نجحنا بعد الثورة في تنظيم الحياة السياسية وانخرطنا في عملية انتقال ديمقراطي انتهت بوضع أسس الديمقراطية في البلاد لكننا عمليا، لم نهتد بعد إلى طريقة أو إلى أسلوب في الحكم يؤمّن حدا أدنى من الاستقرار السياسي، بل كلما لاح أننا خرجنا بأمان من أزمة سياسية إلا ووجدنا أنفسنا نكرر نفس الأخطاء وننتج تجربة متشابهة تنتهي بنا إلى نفس المآلات. لكأنّنا محكومون بخوض تجربة سيزيف الذي كلما لاح له أنه بلغ الهدف ووصل إلى القمة حتى تتدحرج صخرته إلى الأسفل من جديد. ولا نعتقد أن هذا التردد وهذا الارتباك والعودة في كل مرة على بدأ (الاستنجاد بالتوافق والعودة إلى وثيقة قرطاج) سيساعد كثيرا على إقناع غالبية التونسيين على الخروج من صمتهم والاقتناع بضرورة المشاركة في الحياة السياسية لا سيّما وأننا على أبواب استحقاقات انتخابية مهمة ( التشريعية والرئاسية ). وإن كنا لا نعرف إلى متى سيستمر التذبذب والتردد والارتباك على مستوى ممارسة الحكم في تونس اليوم فإننا ندرك أن ذلك يصب آليا في مصلحة فئة معينة في تونس، قد لا تكون بالضرورة تعبّر عن أحلام وعن هواجس أغلبية الشعب التونسي...