بعد أن نجح أهله في إعادته إلى المشهد الثقافي وإنقاذه من غياهب النسيان والتهميش التي رزح تحتها لعقود ببعث مهرجان دولي خاص به وبعث وإعادة إحياء هياكل أخرى للنشاط، سيكون قطاع الرقص مشغلا عاما خلال الأيام القليلة القادمة وذلك من خلال احتضان بلادنا للدورة الأولى لمهرجان أيام قرطاج للكوريغرافيا الذي ينتظم من 26 جوان المقبل ويتواصل إلى غاية غرة جويلية. مديرة الدورة التأسيسية مريم قلوز التي تترأس فريقا نسائيا شابا، تحدثت ل«الصباح» عن هذا الموعد الهام وتطرقت إلى بعض تفاصيله معتبرة أن المهرجان سيحول الجسد الراقص إلى فضاء للتفكير والكفاح. نتابع تفاصيل ذلك في الحوار التالي: * على ماذا راهنت الدورة الأولى ل«قرطاج الرقص»؟ هذه دورة تأسيسية لقطاع ظل لسنوات يعاني التهميش. لذلك حرصنا في ضبطنا للخطوط العريضة للمهرجان على جعلها فضاء لتبادل التجارب على مستوى وطني خاصة أنه في السنوات الأخيرة حقق هذا القطاع مكاسب تمثلت في قرارات لفائدة الرقص أذكر من بينها عودة الروح إلى الفرقة الوطنية للفنون الشعبية وبعث بالي أوبيرالي فضلا عن التظاهرات والأنشطة التي انتظمت. أما على مستوى دولي ففقد اخترنا أن تكون الدورة التأسيسية موجهة لجنوب جنوب ولا يفوتني أن أذكر أن مهنة راقص تشكل مشكلا في المجتمع التونسي. والفضل يعود في ذلك إلى نضالات ومجهودات عدد كبير من الكوريغرافيين الغيورين على القطاع الذين تمسكوا بالمهنة وأعتقد أنهم أوصلوا القطاع إلى بر الأمان أذكر من بينهم عماد جمعة ونوال اسكندراني وإيمان السماوي وغيرهم. * هل تعني أن هناك أرضية للرقص قادرة على الدفع نحو مستقبل أفضل؟ نعم وبكل تأكيد، فتونس تزخر بالكفاءات من مختلف الأجيال وأعتبر من ذكرت أسماءهم سابقا هم مناضلون باتم ما في الكلمة من معنى. لأنه بفضل صمودهم أمام الهجمات والمحاولات الممنهجة للقضاء على القطاع بعد تهميشه، تسنى تكوين عديد المختصين في الرقص. لذلك ستكون الدورة الأولى للمهرجان مناسبة للاعتراف بجميل وفضل هؤلاء على الرقص ليس في تونس فحسب بل في بلدان افريقية وعربية. * ماذا تقصدين؟ سنكرم في الدورة الأولى للأيام ثلة من الأسماء ممكن أعطوا كثيرا لقطاع الرقص في تونس وكانوا وراء تكوين أجيال أذكر من بينهم نوال اسكندراني عماد جمعة على مستوى وطني إضافة إلى أسماء أخرى تنشط في الخارج على غرار حفيظ ضو وعائشة مبارك وهالة فطومي فضلا عن أسماء من بلدان أخرى أذكر من بينهم كل من توفيق عزالديو وخالد بن غريب من المغرب ونانسي ناعوس من لبنان وفؤاد بوصوف من فرنسا. * قلت إن توجه المهرجان ل»جنوب جنوب»، لِمَ الاقتصار على هذا الاختيار؟ صحيح أننا ركزنا على بلدان جنوب جنوب أي البلدان الإفريقية والعربية بشكا خاص لكن المهرجان يسجل مشاركة بلدان من قارات أخرى بما في ذلك أوروبا. فالهدف من هذا التوجه هو التعريف بالتجارب الموجودة من ناحية والتشجيع على التبادل على مستوى إقليمي من ناحية أخرى لاسيما في هذه المرحلة. لأن وضعية الكوريغرافيا متشابهة تقريبا في هذه البلدان إذ هناك عديد المواهب والكفاءات والطاقات ولكنها غير معروفة. وفي ظل مشكل»التأشيرة» المطروح اليوم على مستوى عالمي سيكون مهرجاننا مناسبة هامة للتعريف والتعرف على هؤلاء في تونس وذلك من خلال البرمجة الفنية الثرية بالعروض التي ستحتضنها عديد الفضاءات بالعاصمة على غرار مدينة الثقافة وقاعات»الريو» و»الحمراء» والفن الرابع». فالأهم في هذا المهرجان أننا سنكتب تاريخ الرقص ليكون منطلقا لاستشراف مستقبل أفضل. * وماذا عن البرمجة الثقافية باعتبار أن المهرجان سوف لن يتوقف على ما هو فني فقط؟ هذا أمر طبيعي فهناك برنامج ثقافي اكاديمي زاخر بالمواعيد والمواضيع يتضمن ندوات تنتظم طيلة صباحات المهرجان تتمحور في مجملها حول اشكالية الجسد والراقص واشكالية الحداثة في العالم العربي تحديدا وإشكالية جسد المرأة في الحرب وغيرها من المسائل الأخرى لتشريح الغوض وتقريب صورة واقع هذه المهنة اليوم باعتبارها مسائل تنتصر للجسد كمبنى ومحور وجودي. يشارك في طرحها مختصون فضلا عن المجتمع المدني. - نفهم من حديثك أن مهرجان «قرطاج للرقص»هو مناسبة لتناول الجسد من منظور فسلفي، ألا تخشين أن يسفر ذلك عن هروب عن واقع ومشاغل القطاع اليوم؟ لا أعتقد أن في تناول مثل هذه المسائله هروبا بل هو في صميم التأسيس لواقع افضل وتوسيع الرؤى وتقريب صورة الكوريغرافي للعام والخاص. فرأينا مثلا كفريق للمهرجان وناشطين في القطاع أن هناك أنواع من الهيمنة السياسية والذكورية والرأسمالية دائما تستعمل الجسد وتوظفه فهو العمود الفقري و»أداتها» و»آلتها» لذلك نراهن على الجسد الراقص لأنه كفيل ببلورة ذلك على نحو يكون المهرجان بمثابة فضاء حواري متسّع حول مختلف أنواع الإكراهات التي تحصر الأجساد و أشكال الإقصاء التي يعاني منها الأجانب و النساء و الأقليات. * بعيدا عن المهرجان، كيف تقمين واقع القطاع في تونس اليوم؟ أعترف أن هناك ديناميكية في الوسط اليوم. ونحن سنحاول أن نبني عليه من خلال المراهنة على توسيع قاعدة الجمهور والعمل على غرس ثقافة الكوريغرافيا بالمواظبة على النشاط والتكثيف من اللقاءات والندوات فضلا عن الحرص على أن تكون عروض الرقص والكوريغرافيا حاضرة في المهرجانات والتظاهرات الثقافية وسنستدعي القائمين على المهرجانات من أجل هذا الهدف لأن من أهدافنا أيضا خلق صناعة في الرقص في نطاق سوق الفن فالرقص موجود في عاداتنا وموروثنا ولكن يجب استثماره فنيا.