أعادت المظاهر الاحتجاجية في الاردن مشاهد مماثلة عاشت على وقعها عديد العواصم العربية منذ اندلاع شرارة الربيع العربي قبل نحو ثماني سنوات ولكن مع اختلاف مهم وهو أن ما يعيش على وقعه الاردن احتجاجا على قانون رفع ضريبة الدخل وارتفاع الأسعار يجب ألا يحجب الأنظار عن جملة من الحقائق المعلومة بشأن المشهد الاردني والاقتصاد الاردني في منطقة تتجه الى مزيد الازمات والصراعات وانعدام الاستقرار في ظل المشهد الراهن الغارق في الغموض وغياب البدائل.. اذ أنه معلوم أن الاردن ظل ومنذ عقود يحظى بدعم وبمساعدات خليجية وعربية وغربية مهمة يبدو أنها تراجعت في الفترة التي سبقت الازمة الراهنة التي يمر بها الاردن لأسباب قد لا تخفى على مراقب، وبعيدا عن قراءة النوايا فقد يكون لموقف الاردن من صفقة القرن ورفضه القرار الامريكي نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس وتعجيل العاهل الاردني بالمشاركة في القمة الاسلامية الطارئة بتركيا ما فاقم المتاعب أمام الاردن وجعل الازمة تتطور بشكل متسارع ومعقد وتجد طريقها الى الشارع. تماما كما أنه لا يمكن غض الطرف عن المعضلة الاخرى التي تفاقم معاناة الاردن والمتمثلة في وجود مئات الالاف من اللاجئين السوريين على الاراضي الاردنية والذين يبقون شهادة موثقة تروي فشل المجتمع الدولي وعجز منظومة العدالة الدولية في دفع العملية السياسية في سوريا وتهيئة المناخ لعودة اللاجئين الى ديارهم بما ضاعف اعباء السلطات الاردنية في بلد يشكو شح الامكانيات الاقتصادية ... ولاشك أن الاردن شأنه في ذلك شأن لبنان يتحمل ضريبة موقعه الجغرافي بما يجعله مقصد لاجئي دول الجوار في مختلف الازمات التي هزت المنطقة فكان على الاردن وفي مراحل مختلفة تحمل وجود اللاجئين العراقيين واللبنانيين والسوريين وقبلهم جميعا الفلسطينيين... على أن هذه الحقائق الجغرافية لا يمكن أيضا أن تلغي تعقيدات المشهد الراهن وتحدياته ا التي تجعل الاردن في مفترق طرق في انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع مستقبلا بعد تعيين عمر الرزاز وزير التعليم السابق والخبير لدى صندوق النقد الدولي على رأس الحكومة الاردنية بعد استقالة هاني الملقى .واذا كان الرزاز سارع بعد لقاء العاهل الاردني بالتأكيد على سحب مشروع قانون رفع ضريبة الدخل الذي كان بمثابة القطرة التي افاضت الكأس وأخرجت الاردنيين الى الشارع لإسقاط المشروع فلا شيء يؤكد أن الازمة تتجه الى نهايتها، فتغيير الاشخاص واستبدال المواقع قد يساعد في تسكين المشهد وتهدئة النفوس والخواطر الى حين ولكنه لا يعجل بالحلول... ولعله من المهم الاشارة الى أن الشباب الذي خرج ليحتج في الشوارع الاردنية كان في سن الحادية عشرة عند اندلاع موسم الربيع العربي وهو اليوم يجد نفسه ولأول مرة في مظاهرات احتجاجية شاملة في بلد تؤكد لغة الارقام أنه يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع ارتفاع نسبة الفقر الى عشرين بالمائة وارتفاع نسبة البطالة الى 18 بالمائة وتفاقم الديون الخارجية 37 مليارا... كل ذلك الى جانب املاءات صندوق النقد الدولي تجعل المشهد الاردني مرشح لمزيد التصعيد وهو ما استشعره العاهل الاردني الذي حذر مواطنيه من المجهول عندما صرح «بأن الاردن في مفترق طرق، فإما الخروج من الازمة والا الذهاب الى المجهول»... الحقيقة أن الاردن ليس وحده الذي يواجه المجهول فاغلب دول المنطقة التي اختارت التعامل مع أزماتها بسلبية مطلقة ما جعلها تتدحرج مثل كرة الثلج وتتحول من أزمات اقتصادية وبطالة وغياب للآفاق والاستثمارات والبدائل الى أزمة ثقة بين الحكام والشعوب المحكومين... أول أمس ورغم استجابة العاهل الاردني للشارع واقالة حكومة الملقي فقد واصل الشارع الاردني الحراك والتعبير عن غضبه وسخطه على مختلف مظاهر الفساد أساس الداء في مختلف المجتمعات وغياب الاصلاحات والتهميش والابتزاز التي أثقلت كاهله ما يعني أن مستقبل حكومة الرزاز قد لا يكون أفضل من سابقتها في ظل استمرار أسباب الازمة سواء الاسباب الخاصة بالأردن أو الاسباب المرتبطة بالمنطقة التي تجلس على سطح بركان..