يعتبر المتمسكون بحكومة يوسف الشاهد والداعون إلى مواصلة عملها إلى غاية الاستحقاقات الانتخابية القادمة، أن البلاد في حاجة إلى حد أدنى من الاستقرار السياسي بعد تتالي الحكومات في ظرف زمني قصير دون أن يثمر نتائج ملموسة تنعكس إيجابا على حياة التونسيين. لكن السؤال اليوم هل أن المشهد السياسي الحالي بما هو عليه، كفيل بتحقيق الاستقرار في هذا البلد؟ فخلافا لما يمكن أن تسوّقه لنا بعض الأطراف السياسية، فإن بقاء الأشخاص في مواقعهم بمن في ذلك رئيس الحكومة، لا يعني آليا ضمان الاستقرار، لأن المسألة ليست مرتبطة بالأشخاص بقدر ما هي مرتبطة بمناخ سياسي معيّن وبمدى استعداد الفاعلين السياسيين لدعم الحكومة على شكلها الحالي أو مع إدخال تحويرات عليها، وكذلك بوجود حد أدنى من الثقة داخل المجتمع في الحكومة وفي قدرتها على قيادة البلاد إلى غاية الاستحقاقات القادمة (2019) بأخف الأضرار.. هل أن كل هذه العناصر موجودة في تونس اليوم؟ علينا أن نتفق أولا، على أن المشهد السياسي وكما هو معروف في تونس هو مشهد مختل منذ البداية، فقد اجتمعت كل الأطراف السياسية ومن ورائهم الناخبون الذين كانوا في الموعد في الاستحقاقات الانتخابية التي تلت اسقاط النظام الديكتاتوري على أن صندوق الاقتراع هو الفيصل بين كل الفاعلين في الساحة السياسية. لكن سرعان ما تم التخلي عن هذا الاتفاق الضمني وتم استبداله بآلية أخرى هي آلية التوافق الوطني التي ربما كان لها ما يبررها في البداية لاسيما بعد الأزمات السياسية الحادة في عهد حكومة «الترويكا» (الأولى التي مسكت مقاليد السلطة بعد الثورة بقيادة حزب حركة النهضة) لكن مع مرور الوقت وتقدم بلادنا في مسارها الديمقراطي، تبين أن التوافق الوطني يجب أن يكون حول العملية الانتخابية والتعامل على أساس نتائجها وأنه،أي التوافق الوطني، لا يمكن ان يكون بديلا عن الديمقراطية. ومع ذلك فإن الفاعلين في الساحة السياسية استمروا في الدفاع عن فكرة التوافق الوطني الذي تتشكل على أساسه في كل مرة الحكومات وهو ما تسبب في قلب المعطيات تماما وسمح لأطراف من خارج اللعبة الانتخابية وكذلك لأطراف لم تتمكن من إقناع الناخب ببرامجها في أن تكون جزءا من منظومة الحكم، ولو كان ذلك على حساب إرادة الناخب وعلى حساب المنطق الذي يفرض على الجميع الامتثال إلى ما أفرزته صناديق الاقتراع، وهو ما جعلنا في كل مرة نجد أنفسنا في عملية عود على بدء، ننتج نفس التجارب ونكرر نفس الأخطاء. ويصعب اليوم على الملاحظ أن يجيب عن الأسئلة المحيرة التي يطرحها التونسيون يوميا على غرار: من يحكم بلدنا ومن يقرر ومن ينفّذ ومن يتحكم في مصير هذا الشعب، ذلك أن قواعد اللعبة السياسية متداخلة جدا حتى أنه صار ممكنا - وهي سابقة سياسية نعتقد أنها لا تليق إلا بتونس- أن نشهد عمليات تصفيات حساب تحدث مباشرة وعلى الملإ في أعلى هرم السلطة، بين نفس أبناء العائلة السياسية. فهل يمكن الحديث أصلا في مثل هذه الظروف عن استقرار سياسي في البلاد حتى نخشى ضياعه بين تحوير وتحوير آخر وبين تغيير وتغيير آخر للحكومات..