ناقش نواب الشعب أمس خلال جلستهم العامة المنعقدة بقصر باردو مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالقطاع العام المعروف بمشروع قانون «من أين لك هذا؟». وأجمعوا على أهمية سن هذا القانون في الحرب على الفساد، وطالب العديد منهم بتعديل بعض فصوله، ودعوا الحكومة الى توفير الظروف الملائمة لحسن تطبيقه من خلال دعم الموارد المالية المخصصة لهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد المعنية بتقبل التصاريح ومراقبة صحتها، وحذر المنتمون منهم الى المعارضة من وجود لوبيات تدفع نحو تعطيل تمريره. واختلف النواب حول مسألة نشر التصاريح وهناك منهم من طالبوا بالتنصيص في مشروع القانون على وجوبية النشر ودعوا الى حذف العقوبة المسلطة على من يتعمد كشف مضامين التصاريح وهناك من اعتبروا النشر متعارضا مع حماية المعطيات الشخصية ويمكن ان يكون سببا في التحريض على المسؤولين في الدولة. الحبيب خضر النائب عن النهضة بين أن هذا المشروع يدل على ان البلاد شهدت ثورة وأنها تريد ارساء دولة تكافح الفساد وتتصدى له وترغب في وضع نظام حقيقي للتصريح بالمكاسب والمصالح وترنو الى تنزيل احكام الدستور. ولاحظ ان النسخة التي انتهت اليها لجنة التشريع العام فيها نواقص يثير بعضها الاستغراب من قبيل عدم التعريف فيها بالمكاسب وبالمصالح، او اعتبار التصريح شرطا من شروط المباشرة والحال ان المباشرة مرتبطة بآجال دستورية، وعبر خضر عن رغبته في أن يصبح القانون نافذا في أقرب الآجال. وبين النائب عن نداء تونس شاكر العيادي ان مشروع القانون من الناحية التقنية يتعلق بالقطاع العام وقال انه استثنى القطاع الخاص وبالتالي فان غايته تختلف عن الاطر الاخرى المتعلقة بمكافحة الفساد والاثراء غير المشروع في القطاع الخاص وهو ما يعني ان ارادة المشرع هي التوقي من سوء استعمال السلطة وأضاف انه كان يجب التعريف فيه بمفهوم الفساد على أنه انحراف بالسلطة لتحقيق مصلحة خاصة والتأكيد على أنه يعني كوادر الدولة والمسؤولين فيها كبارا وصغارا. وذكر ان الفساد مثل الورم الذي ينخر أجهزة الدولة فهو اذا تمكن منها يجعلها كالهشيم لأنه يمس بالاقتصاد الوطني والتنمية، ودعا العيادي من يلقون بالتهم على الحزب الحاكم ان لا تكون ذاكرتهم قصيرة وان يقولوا متى تم سن القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد ومن الذين وقفوا مع رئيس الحكومة عندما شن حربا على الفساد ومن الذين وقفوا ضده. واضاف ان مواصلة استكمال الترسانة التشريعية المتعلقة بمكافحة الفساد تدل على ان البلاد تسير في الاتجاه الصحيح. أما حسونة الناصفي النائب عن الحرة لحركة مشروع تونس فأشار الى أن مشروع القانون يكتسي أهمية كبرى، وذكر انه كان بالإمكان الاستغناء عنه لو كان للأخلاق معنى ولو كان هناك مفهوم واضح للنزاهة والشفافية. وعبر عن أسفه لأن مكافحة الفساد أصبحت شعارا والحال أنها عقلية يجب أن تكون مكرسة فعليا في الممارسات اليومية. وأضاف الناصفي أن مشروع القانون لا يمكن أن يكون له جدوى دون هيئة دستورية قوية لمكافحة الفساد تكون منتخبة انتخابا نزيها شفافا. مخاوف أحمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية نبه من أن حجم المصالح واللوبيات التي تراكمت عبر السنين ليس من مصلحتها ان يقع اصدار هذا القانون او تنفيذه، وبين انه باستثناء الارادة الموجودة لدى المتضررين من الفساد ولدى الشرفاء الذين ارتفعت اصواتهم للتنديد بالفساد فان كتلة المصالح التي تتحكم في الائتلاف الحاكم عطلت مشروع القانون وستفعل كل ما في وسعها لتحول دون نفاذه. ويرى الصديق أن الفساد يتلازم عادة مع القمع والاستبداد لكنه ايضا يزدهر خلال فترات الانتقال الديمقراطي، واضاف انه يخشى ان تكون الديمقراطية والتداول على السلطة والحياة الحزبية واجهات للفساد. ولدى تطرقه لمضامين مشروع القانون قال انه يجب ان يعلم العموم بما يمتلكه مسؤول عند الالتحاق بالمنصب وبما يمتلكه بعد انتهاء فترة توليه المسؤولية وذلك حتى لا تكون المسؤولية سببا للثراء غير المشروع. وذكر ان الجبهة الشعبية مستعدة للتفاعل مع كل مقترحات تعديل المشروع لكنها ستتصدى لكل محاولات افراغه من محتواه ولخلق تعلات ومناخ من التصادم يحول دون اتمامه. وأضاف أن القانون يتطلب تركيز هيئة قوية لمكافحة الفساد فيها ادارة ناجزة وقادرة على مراقبة الكم الهائل من التصاريح كما يستعدي تمكينها من ميزانية كافية تساعدها على تطويق الفساد وقال انه في صورة النجاح في سن القانون ووضع اليات لتنفيذه تكون تونس قد حققت نجاحا هاما. وأشار غازي الشواشي النائب عن الديمقراطية إلى أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة رفضت سن هذا القانون رغم أنه يساهم في الحرب على الفساد والرشوة وتضارب المصالح. وذكر ان المشروع في صيغته المعدلة من قبل لجنة التشريع العام جيد ومقبول، وعبر عن أمله في أن يحصل توافق بين الكتل لتمريره وحذر الشواشي بدوره من وجود نويا لتعطيله. وأضاف أن سن قانون للتصريح بالمكاسب والمصالح وتجريم الاثراء غير المشروع لا يكفي بل يجب توفير الظروف الملائمة لتنفيذه من خلال ارساء الهيئة الدستورية لمكافحة الفساد وانتخاب اعضائها بعيدا عن التجاذبات السياسية كما يجب على الحكومة التسريع في اصدار الاوامر التطبيقية المتعلقة به، وعليها أيضا القيام بحملة تحسيسية تستهدف المسؤولين من أجل ارساء ثقافة جديدة لديهم وهي ثقافة التصريح بالمكاسب والمصالح ويجب تمكين المؤسسة القضائية من الامكانيات اللازمة لتطبيق القانون. ذئاب منفردة هاجر بن الشيخ احمد النائبة عن كتلة الولاء للوطن بينت أن هذا القانون هو أحد اركان سياسة مقاومة الفساد وارساء الشفافية والحوكمة الرشيدة في الحياة العامة. وذكرت ان أغلب الفاسدين لا يخالفون القانون بل يتحايلون عليه ويستغلون ثغراته، وفسرت ان القانون بطابعة الزجري يعزز الثقة في مؤسسات الدولة واكدت انه بفضله لن يستطيع اي انسان ان يفلت من سؤال من اين لك هذا؟ إذ يجب أن يكون قادرا على تبرير ممتلكاته، فالفساد على حد قول النائبة ليس دائما شبكات بل هو احيانا ذئاب منفردة تفترس المال العام وتعتدي على حقوق الناس ومن المفارقات ان هناك من ينددون بالفساد لكنهم بدورهم فيهم شبهات فساد ولهذا السبب تمت توسعة قائمة المطالبين بالتصريح لان هناك من يختفون وراء الأحزاب والمناصب لنهب المال العام وتراهم يشترون الذمم ويلمعون صورهم في الاعلام. وخلصت بن الشيخ أحمد الى تقديم جملة من الملاحظات التي تمخضت عن اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس نواب الشعب مؤخرا بمقر الاكاديمية البرلمانية حول مشروع القانون واهمها سحبه على القطاعين العام والخاص وتوسعة قائمة المعنيين بالتصريح وأن يكون التصريح ورقيا والكترونيا ويتم عند تسلم المهام وبعد انتهائها واضافت ان هناك من طالب بنشر التصاريح لكن هذا الامر يتعارض مع حماية المعطيات الشخصية ويمكن ان يتسبب في التشهير بالأشخاص والتحريض عليهم. وفي المقابل دعت بشرى بلحاج حميدة النائبة عن الوطنية الى تعديل مشروع القانون في اتجاه التنصيص على نشر التصاريح وقالت انه حان الوقت لكي يقع التفريق بين السارق والمرتشي وبين من يتعب ويشقى ويعمل من أجل جمع ثروة. وبينت أن تونس تأخرت في سن هذا القانون رغم انها قامت بثورة ضد الفساد. واضافت ان هذا القانون ضروري لاسترجاع ثقة المواطن في مؤسسات الدولة بما فيها مجلس نواب الشعب الذي اصبح موضع تساؤل لأن العديد من أعضائه لم يصرحوا بمكاسبهم الى غاية الان وهناك من يتعلل بعدم توفر المطبوعات. وترى بلحاج حميدة أن المشاكل المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد مردها الفساد الذي ينخرها. فساد في البرلمان النائب عن حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني أكد أن هناك لوبيات كلفت نواب شعب بتمرير قوانين غير دستورية من قبيل قانون جدولة ديون الاراضي الفلاحية وقانون تسوية وضعيات مقاطع الرخام.. وذكر ان القانون من المفروض ان يكون عاما ومجردا ويطبق على الجميع لكن مشروع القانون المعروض عليهم لن يطبق على نواب الشعب لان من يتمتع بحصانة لا يحاسب الا بعد الانتهاء من مهامه حتى وان كان لصا، فعند انتهاء المهام يمكنه ان ينظم ندوة صحفية في المطار ويقول فيها انه سرق ونهب وانه يتمتع بالحصانة ثم يغادر البلاد، وذكر ان هيئة شوقي الطبيب بدورها تحوم حولها شبهات وبالتالي فان الفساد عقلية وهو يبدأ بسرقة أصوات الفقراء وينتهي بسرقة أحلامهم وطموحاتهم. وأشار التبيني إلى أن الأحزاب الحاكمة حاليا فيها تضارب مصالح واثراء غير مشروع وقد وصلت للسلطة بمال فاسد و خلص الى أنه لا يمكن سن قانون يكافح الفساد في برلمان يحتوي على نواب فاسدين. ثورة تشريعية تعقيبا على مداخلات النواب بين الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب اياد الدهماني أنه بفضل هذا القانون سيكون من حق المواطن أن يسأل الوزير والنائب من أين لك هذا. ووصفه بأنه ثورة في التشريع التونسي، وأضاف أن أهمية القانون لا تكمن في تفاصيله بل في أهدافه الكبرى المتمثلة في تحصين الادارة التونسية وحماية الموظفين السامين من الصورة السيئة التي تلاحقهم بسبب ممارسات قلة منهم استغلوا نفوذهم وحصلوا على رشاوى وجمعوا ثروات بطرق غير مشروعة. ونفى الدهماني ان تكون الحكومة قدمت مشروع القانون تحت الضغط أو خوفا من تصنيف في قائمة سوداء.