لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها    جلسة عمل بين ممثلين عن هيئة الانتخابات ووزارة الخارجية حول الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية القادمة    حي التضامن: حجز 200 كلغ من لحوم الدواجن غير صالحة للاستهلاك (صور)    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    عاجل/ القبض على بحّار يروّج المخدرات بهذه الجهة    عدد ضحاياه بلغ 12 شخصا: القبض على متحيّل عبر "فيسبوك"    بنان / المنستير : الإحتفاظ ب 05 أشخاص من أجل "المشاركة في أحداث شغب    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    وزارة الإقتصاد الأفضل لتوجيه التمويل الخارجي.. رئيس جمعية المؤسسات الصغرى و المتوسطة يوضح    لقاء بين محمد المعز بلحسين و رئيس جامعة المطاعم السياحية ...تفاصيل    مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    وفد من الحماية المدنية في الجزائر لمتابعة نتائج اجتماع اللجنة المشتركة التقنية المنعقد في جانفي الماضي    مساندة متواصلة للفئات الضعيفة.. قريبا انطلاق معالجة مطالب التمويل    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    قرعة كأس تونس 2024.    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    فوز التونسي محمد خليل الجندوبي بجائزة افضل لاعب عربي    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة تونس.. بين الوثنيات الإيديولوجية والعصبيات الحزبية والطائفيات المهنية (10/12): الطائفية المهنية لأسلاك المهن الحرة: التهرب من تحمل الواجب الجبائي
نشر في الصباح يوم 03 - 07 - 2018

ليست مصالح القبائل الحزبية ولا المعارك الثقافية والإيديولوجية المبرّرة منها والمفتعلة، بالسبب الوحيد في تعطّل الإصلاحات وتفاقم مصاعب البلاد، فثمّة في البناء الاجتماعي والتركيبة الثقافية التونسية مصادر أخرى لتواصل الأوضاع المنخرمة بوسعنا أن نحصر أهمّها في ثلاث ظواهر:
1-اللاّعدالة الجبائية التي تستفيد منها أرستقراطية مهنية مدللّة وتحرم الدولة من موارد ضرورية للتنمية.
2-الامتيازات المشطّة والحماية المفرطة للعاملين بالمؤسسات العمومية على حساب المجموعة الوطنية.
3-انتشار ظاهرة تبرير القعود والاتكال على الدولة والسعي وراء أجور مضمونة دون مقابل من عمل فعلي.
يبدو لنا أن الظاهرتين الأخيرتين هما الأصعب علاجا لارتباطهما الوثيق بمسألة الذهنيات. وبالمقابل فإن المشكل الأول قابل للمعالجة على الأمد القصير إذا ما توفرت روح المسؤولية والإحساس العميق بواجب التضامن الوطني، فضلا عن أن علاجه سيوفر موارد آنية لميزانية الدولة.
ما يدفعنا لاستخدام هذه العبارات هو ما يعاينه أو بالأحرى ما يعانيه غالب التونسيين وممّا لا نكاد نجد له صدى فيما يناقش من قضايا العدالة الجبائية والاجتماعية. ثمّة سكوت رهيب ومشبوه عن وضعية مزمنة وكأن الأمر يتعلق بالمسّ من مقدسات. في الحقيقة هناك وجه شبه بين الإرهاب الإيديولوجي الذي يترصد كل من يتعرّض بالنقد لمكاسب الحداثة والحقوق الكونية والإرهاب الفئوي الذي يترصد كل من يتعرض بالنقد للطائفية المهنية سواء في صفوف أصحاب المهن الحرّة من أطباء ومحامين وخبراء محاسبين ومستشارين جبائيين ومهندسين معماريين، أو في صفوف إطارات وأعوان وعمّال المؤسسات العمومية.
كانت حكومة الشاهد سعت عند إعداد قانون المالية لسنة 2017 إلى تحميل أصحاب المهن الحرّة واجباتهم فاصطدمت بمقاومة شديدة لتحمّل هذا الواجب المواطني والوطني على الوجه المطلوب، بل ذهب الأمر بجمعيات المحامين وجمعيات أطباء الاختصاص إلى تنظيم الاحتجاجات أو التهديد «بالنضال» (؟!) ضد مشاريع قوانين لا هدف لها سوى تحميلهم مسؤولياتهم الجبائية. ومن المؤسف أن حكومة الشاهد تراجعت أمام هذه الضغوط والتهديدات كما يمكن معاينته في مشروع قانون المالية الذي اقترحته لسنة 2018.
أما عن الأسباب التي تفسّر غياب إرادة قوية لدى الدولة وحكوماتها المتعاقبة لمعالجة هذا الملف بالشجاعة المطلوبة، فتعود إلى فشل المحاولة الأولى التي بدرت من وزير المالية والتخطيط في مستهل الثمانينات، السيد منصور معلّى. فقد حاول عندما كان في حكومة مزالي إلزام قطاع المهن الحرّة بتحمّل واجبه في مجال الضريبة كاملا غير منقوص وذلك في إطار سياسة أعمّ لترشيد الجباية وترشيد سلوك أصحاب المال والأعمال. بيد أن الغلبة كانت لأصحاب المهن الحرة على الدولة. ومنذ ذلك التاريخ أي 1983 وجماعات المصالح هذه متحصنة بامتيازاتها تتذرّع بمبرّرات لا تصمد أمام المنطق للإفلات من الرقابة الجبائية على مداخيلها. لوبيات قوية تفرض علوية مصالحها الفئوية الأنانية وتعطي لنفسها مطلق الصلاحية لتحديد تعريفات الخدمات التي تؤديها، دون حسيب أو رقيب.
ولنأخذ مثال أطباء الممارسة الحرة، مع التنبيه إلى أننا نتكلم عن تنظيم المهنة لا عن الأشخاص، وأننا لا نشكك مطلقا في نبل مهمة الطبيب. فعمادات الأطباء عمدت طوال السنوات الأخيرة إلى الترفيع في تعريفات العيادات دون شفقة بالتونسيين المضطرين بحكم تدهور خدمات المستشفيات العمومية أو غياب الطبيب المختص أو طول الانتظار إلى التوجه لأطباء الممارسة الحرة الذين يقبضون على العيادة الواحدة، وقد لا تدوم سوى ربع ساعة، خمسين أو ستين دينارا، علما بأن الكثير من المرضى يطالبون بالعودة مرارا. كما أن منهم من يعاني من عدة أمراض أو لديه أفراد من العائلة في حاجة لخدمات الطبيب المختص، ممّا يكبّد العائلة مصاريف ثقيلة إذا اعتبرنا نفقات اقتناء الدواء وضعف سقف التغطية من قبل صندوق التأمين على المرض. وهذا دون أن نتحدث عن العمليات الجراحية وكلفتها الباهظة، كما لا ننسى أن رؤساء الأقسام بالمستشفيات العمومية يتمتعون بامتياز قبول الحرفاء بنفس الشروط المعمول بها في القطاع الخاص. ومع تقديرنا الكامل للوظيفة الجليلة التي يؤديها الأطباء وهم المؤتمنون على صحتنا وأملنا في الشفاء من أدوائنا، فإن ذلك لا يبرّر البتة الارتفاع المشطّ في المقابل المادي لخدماتهم على الأقل بالقياس إلى ضعف مداخيل الأغلبية الساحقة من التونسيين وتدهور وضع الطبقات الوسطى الأجيرة، فما بالكم إذا أضفنا إلى ذلك تمترس الأطباء وراء «السر المهني» لرفض العمل بنظام الفواتير حتى تكون قاعدة موثوقا بها لدفع الضريبة.
أما إذا تجاوزنا الحالة النموذجية للأطباء وطرحنا الموضوع على مستوى مجموع المهن الحرة، فإن بوسعنا الكلام عن تشكل جماعات مصالح قوية تجاوزت حق الدفاع المشروع عن الحقوق والمصالح المهنية والمادية إلى التمترس وراء امتيازاتها وتحولها إلى طوائف مهنية تقدم مصالحها الفئوية على مصلحة الوطن وتجد مدافعين أشداء عنها ومن صلبها في الكتل البرلمانية وقيادات الأحزاب وهيئات الدولة، في تنكر فادح للمجموعة الوطنية والدولة التي علمتهم ومكنتهم من الدراسة في كليات ومدارس عليا مرموقة ومن التخرّج بمؤهلات أتاحت لهم الارتقاء في المصعد الاجتماعي والتربّع في أعالي سلّم المداخيل.
الإقطاعيات الحديثة في المؤسسات العمومية
إذا كان رائدنا الصدق والنزاهة والموضوعية بما تقتضي من عدم الانحياز الأعمى لطرف اجتماعي دون آخر فلا بدّ من الإصداع بالحقيقة الاجتماعية التي مضمونها أن الأنانية الفئوية ليست حكرا على المهن الحرة والمؤسسات الخاصة على وجه العموم بل هي تعشش في صلب القطاع العام حيث شكّلت مع مر السنين نوعا من الإقطاعيات الحديثة أو ما يسميه البعض بالمقاطعات المهنية المستقلة بامتيازات لا يمكن القبول بها من منطلق المساواة في المواطنة ولا العدالة الاجتماعية. فالعديد من المؤسسات العمومية تتمتع بقانون أساسي خاص يوفر للعاملين بها من مشرفين وإطارات وأعوان حوافز مالية وعينية تكلّف المؤسسة من ورائها المجموعة الوطنية أعباء ثقيلة. ليس خافيا أن إطارات وأعوان عمّال الشركات والمؤسسات العمومية يحصلون إجمالا على أجور مرتفعة قياسا إلى نظرائهم بالوظيف العمومي وأخذا بالاعتبار نفس مستوى الشهادات والكفاءة المهنية، تنضاف إلى ذلك امتيازات مادية وخدمات وتسهيلات خاصة بكل قطاع أو مؤسسة أصبحت تمثل أمرا واقعا مع أنه لا مبرّر لها في ميزان العدل والقسطاس. يتساءل الكثير من التونسيين اليوم بأي مبرّر يتمتع أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز مثلا بما يضارع مجانية استهلاك الطاقة؟ وبأي مبرّر يعفى أعوان صناديق التقاعد والتأمين على المرض من دفع مساهماتهم الاجتماعية كسائر المواطنين؟ وبأي مبرّر تصرف البنوك العمومية لأعوانها علاوة من ثلاثة إلى ستة أشهر من المرتبات المرتفعة أصلا؟ ولا نتحدث عن الممارسات الزبائنية التي جعلت الانتداب أو تحمّل المسؤوليات بالعديد من المؤسسات العمومية حكرا على العائلات والشخصيات المتنفذة؟ هذا دون نسيان شبكات النهب والفساد التي تتمتع بمظلات حزبية أو نقابية أو جهوية أو قبلية وعائلية تغطي على ممارساتها وتتجند للدفاع عنها كلما افتضح أمرها.
هي إذن امتيازات مجحفة وأوضاع ريعية متوارثة ومتراكمة صلب القطاع العام، تمثل سببا أساسيا من أسباب العجز المالي المزمن لعشرات المؤسسات ومظهرا بارزا للحوكمة الفاشلة، ومع ذلك لم تجد لا النقابات ولا الأحزاب المعارضة ولا حتى السلطة السياسية نفسها الشجاعة لطرح مختلف جوانب هذا الملف الخطير والسبب بيّن، وهو الخوف من ردود الفعل العنيفة للنزعة الطائفية المهنية وللشرائح والمؤسسات المستفيدة.
ومن المهم كذلك الإشارة إلى مظهر سلبي آخر لهذه الطائفية المهنية وإن كان عاما ولا يختص به قطاع معيّن: عنينا ظاهرة الدفاع اللامشروط والانحياز الآلي من طرف السلك المهني أو الوظيفي إلى العون الذي ينتمي إليه في حالة ارتكابه خطأ مهنيا فادحا يستوجب التحقيق أو الإيقاف عن العمل: حيث يتجند «الزملاء» لحمايته وتجنيبه إجراءات المساءلة والمحاسبة، وقد بلغ الأمر في المؤسسات العامة درجة خطيرة مع تكرر الإضرابات المفاجئة والعشوائية عن أداء الخدمات العمومية والتي يتحمل وزرها أبناء الشعب المسكين على غرار ما حصل مرات في قطاعات النقل، خاصة في السكك الحديدية والمترو، وكذلك في قطاعات المالية والصحة وصناديق التقاعد، وحيث لم يصدر حتى مجرد اعتذار عن الأضرار الحاصلة للمواطنين وبينهم مرضى ومسنون، ممّا يشهد على تغلغل النزعة الأنانية وضعف روح المسؤولية ومفهوم الصالح العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.