عاجل/ وزير الشؤون الاجتماعية يعلن عن بشرى سارة للمتقاعدين في هذا القطاع..    اليوم..محاكم تونس الكبرى دون محامين..    وزير الشّؤون الاجتماعيّة: "التمديد في سنّ التّقاعد بالقطاع الخاص سيدخل حيّز التنفيذ قريبا"    تونس: في ظلّ تحقيق الاكتفاء الذاتي في مُنتجات الدواجن مساعي للتوجه نحو التصدير (فيديو)    مفزع: أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض بغزة..    تشاجرت مع زوجها فألقت بنفسها من الطابق الرابع..وهذا ما حل بمن تدخلوا لانقاذها..!!    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    حوادث/ 9 قتلى و341 جريح خلال يوم واحد..!!    شاب افريقي يقتحم محل حلاقة للنساء..وهذه التفاصيل..    لمن يهمّه الأمر: هكذا سيكون طقس ''الويكاند''    المرسى: القبض على شخصين و حجز أكثر من 130 قرصًا مخدرًا    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    بينهم ''تيك توكر''...عصابة لاغتصاب الأطفال في دولة عربية    البنك المركزي : نسبة الفائدة في السوق النقدية يبلغ مستوى 7.97 % خلال أفريل    حالة الطقس ليوم الخميس 02 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    ستيفانيا كراكسي ل"نوفا": البحر المتوسط مكان للسلام والتنمية وليس لصراع الحضارات    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    اليوم: وزارة التربية وجامعة التعليم الأساسي تمضيان اتفاقا هذه تفاصيله    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    اتفاقية تمويل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل سيطهر قانون المالية التكميلي المنظومة الجبائية من الاحكام المافيوية؟
الأسعد الذوادي
نشر في الصباح يوم 28 - 02 - 2012

بلغت ظاهرة الفساد الاداري ذروتها خلال السنوات الاخيرة، حيث أصبح بإمكان المخربين تمرير نصوص تشريعية وترتيبية لخدمة مهنة يباشرها أو يعتزم مباشرتها احد أقاربهم أو شركائهم في الفساد أو مجموعة من المناشدين والموالين أو أولياء نعمتهم...
ولا يجد هؤلاء حرجا في تقديم التبريرات التي لا تقنع إلا الدكتاتور الذي استمدوا منه نفوذهم معولين في ذلك على الشلل الذي أصاب المؤسسات الدستورية الصورية التي تحولت إلى مراكز للارتزاق لا غير.
ولإسكات أصوات الواقفين في وجه النصوص الجائرة يختبئ الفاسدون وراء التبرير الذي مفاده أن المسالة تتعلق بتجسيم قرار رئاسي.. في خضم طوفان الفساد الذي أتى على الاخضر واليابس، لم يسلم التشريع الجبائي حيث أصبح وسيلة ناجعة وفعالة في مجال تكريس المنافسة غير الشريفة والتمييز حتى لا نقول العنصرية واستيراد البطالة وتبييض الجرائم الجبائية وهدر المال العام من خلال الامتيازات التي لا زلنا نجهل مردوديتها الى حد الآن وغير ذلك من مظاهر الفساد التي حبست المبادرة الاقتصادية وحالت دون نمو المؤسسات وتطورها وحتى استمراريتها وساهمت بالتالي في استفحال البطالة والفقر. فقد تم إخضاع صنف من المؤسسات التجارية لخصم مشط من المورد قسط بنسبة 10% بعنوان عمليات الاستيراد المتعلقة بقائمة طويلة من الافصال وكذلك اجبارها على دفع الاداء على القيمة المضافة بنسبة مرتفعة بما قدره 25%، الشيء الذي أدى بها إلى تكديس فوائض اداءات نخرت سيولتها وأدت بالبعض منها إلى التوقف عن النشاط. هذه المؤسسات لا يمكنها في خضم المنافسة الشرسة تحقيق ربح يمكنها من امتصاص الخصم من المورد الذي خضعت له لتجد نفسها في وضعية دائن مزمن للدولة ومدين لدى المؤسسات المقرضة على حساب مردوديتها. هذه الوضعية التي ألحقت أضرارا جسيمة بهذا الصنف من المؤسسات لا تعيشها الاصناف الاخرى من المؤسسات التي لا تخضع لهذه النسبة المشطة من الخصم من المورد، الشيء الذي يدل على ان تلك الاحكام خلقت حالة من التمييز بين المطالبين بالضريبة ولم تراع الواقع الاقتصادي لهذا الصنف من المؤسسات دون الحديث عن الصعوبات الجمة التي تواجهها عند مطالبتها باسترجاع الفوائض التي تكدست لديها.

اعتداء صارخ

الأتعس من ذلك أن يتم الاعتداء بصفة صارخة على حق الملكية المكرس نظريا بالفصل 5 من الدستور المعطل بمقتضى الفصل 28 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية الذي يحرم المؤسسة من استرجاع فائض الاداء الذي لم تقدم بشأنه مطلبا في الاسترجاع في اجل ثلاث سنوات من التاريخ الذي أصبح فيه قابلا للاسترجاع.
هذا الفصل تضمن تناقضا صارخا حيث يسمح للمؤسسة بتحويل الفائض غير القابل للاسترجاع الذي لا يمكن استرجاعه إلا بطريق المقاصة. اما المنافسة غير الشريفة، فقد تم تكريسها بمقتضى نص تشريعي من خلال الفصل 21 من قانون المالية لسنة 2011 الذي خول للمؤسسات، التي لا يتجاوز رقم معاملاتها 150 ألف دينار بالنسبة الى انشطة الخدمات و300 ألف دينار بالنسبة إلى الانشطة الاخرى، التي تعهد مسك محاسبتها واعداد تصاريحها الجبائية لمراكز التصرف المندمجة، الانتفاع بطرح 20% من المداخيل والارباح الخاضعة للضريبة وذلك خلال الخمس سنوات الاولى التي تم فيها التعاقد مع المركز.
مراكز التصرف المندمجة هي مؤسسات مدنية مهنية للمساعدة على القيام بالواجبات المحاسبية والجبائية واعتماد وسائل التصرف الحديثة في المؤسسات وخاصة الاحاطة بالمؤسسات الصغرى خلال السنوات الاولى لنشاطها على معنى الصياغة الرديئة والركيكة للفصل 24 من قانون حفز المبادرة الاقتصادية الذي سن لتلبية الرغبات المافوية والفئوية والذي حبس في الحقيقة المبادرة الاقتصادية خلافا لما طبل له مناشدو الفساد والانحطاط.
هذا الفصل كرس منافسة غير شريفة تجاه المهنيين الذين لا يعملون في إطار تلك المراكز التي يحكمها كراس شروط غير شرعي، ضرورة انه ادخل تغييرات على عدد من النصوص التشريعية المتعلقة بعديد المهن كالمحاماة والمستشارين الجبائيين وغير ذلك من المهن المنظمة وغير المنظمة.
إن كراس الشروط المتعلق بتلك المراكز يطرح اشكالات عميقة من أهمها مسالة الحفاظ على السر المهني حيث أن الملفات التي قد يتعهد بها يمكن الاطلاع عليها من قبل مهنيين لا ينتمون لنفس المهنة وللتغطية على هذه المسالة الخطيرة، تم تناولها صلب كراس الشروط والحال أن مثل هذه المسائل وجب تناولها صلب النصوص التشريعية وليس الترتيبية. فالسؤال الذي يطرح نفسه هل يحق لصاحب مهنة اخرى ان يطلع على ملف يرجع بالنظر لمحام على سبيل المثال.

سماسرة ومناشدون..

فكراس الشروط الذي جاء خاليا من الشروط الموضوعية المتعارف عليها داخل البلدان المتطورة يتضارب مع عديد النصوص التشريعية فضلا عن انه يسمح لعديد المهن غير المنظمة بالانخراط في المركز لتسدي خدماتها والحال انه كان من المفروض أن يهتم الفاسدون الذين اقترحوا هذه المهزلة، خدمة للمناشدين الذين يسعون بمختلف الطرق والوسائل للاستحواذ على مهام المستشار الجبائي والمحامي والتلبس بعديد الالقاب مثلما هو الشأن الآن، بالاولويات كتنظيم المهن قبل كل شيء ومن ضمنها المهن الحساسة كالمستشار المالي والمستشار في التصرف او في التسويق والمستشار الاجتماعي ومهندس الفضاءات الخضراء ومخطط المدن ومهندس الفضاءات الداخلية ومكاتب الدراسات التي لا يؤطرها أي قانون، عوض أن تبادر بتنمية الفوضى في إطار مراكز تصرف مندمجة وعد من كانوا وراء بعثها كذبا بتشغيل عشرات الآلاف من حاملي الشهادات العليا مثلما اتضح ذلك جليا اليوم.
ان امتصاص بطالة حاملي الشهادات العليا يمر أساسا عبر الضرب على أيادي السماسرة والمتلبسين من مختلف المواقع من التونسيين وحتى الاجانب الذين يصولون ويجولون داخل إدارة الاداءات والسجل التجاري ووكالة النهوض بالصناعة او بالاحرى بالبطالة ومصالح الديوانة والمحاكم وصندوق الضمان الاجتماعي وغير ذلك ويمسكون محاسبة الغير ويعدون ويودعون التصاريح الجبائية على مرأى ومسمع من الجميع دون رادع بعد أن حصلوا على معرفات جبائية من الشباك الموحد بوكالة النهوض بالصناعة على ضوء تصاريح بالاستثمار مغشوشة لمباشرة أنشطة لا تعرف حدودها ومجال تدخلها من قبيل استشارات وخدمات إدارية ومرافقة المستثمرين وتدقيق قانوني واجتماعي واقتصادي وغير ذلك من الانشطة الواردة بالامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الذي أحدث فوضى لا مثيل لها ونمى بصفة خطيرة ظاهرة استيراد البطالة قبل التفاوض والتحرير وتكريس المعاملة بالمثل والذي رفضت كل المصالح التي تتحدث باسم التشغيل إدخال تغييرات عليه حماية لسوق الشغل.
ويتضح التمييز والفساد الاداري من خلال عدد هام من شركات التجارة الدولية المصدرة كليا خاصة غير المقيمة التي ترجع ملكيتها لتونسيين وأجانب والتي لا تعرف من تصدير المنتوجات التونسية إلا الاسم. فالغاية من منح الاعفاء الكلي بهذا الخصوص تبقى تصدير المنتوجات التونسية وتشغيل اليد العاملة وليس تبييض المداخيل التي لا علاقة لها بالتصدير وعدم تشغيل اليد العاملة باعتبار ان اغلبها تم بعثه في شكل صندوق بريد وذلك على شاكلة الجنات الضريبية التي تسهل عمليات تبييض المداخيل الاجرامية. نفس الشيء قام به عدد هام جدا من الشركات الاجنبية الناشطة في مجال الخدمات والتي ليس لها بتونس أي نشاط سوى ملفها القانوني الذي تم توطينه لدى مراكز "لعمايل" التي تحولت إلى أوكار للفساد.

المهزلة متواصلة!!

لا ننسى أيضا الشروط التمييزية التي تضمنها الفصل 5 من قانون المالية التكميلي عدد 40 لسنة 2009 بخصوص إعفاء صنف من المؤسسات التي تواجه صعوبات من دفع الاقساط الاحتياطية وبالاخص تلك المتعلقة بالنشاط في إطار مجلة التشجيع على الاستثمارات دون سواها من المؤسسات المتضررة في إطار الازمة المالية العالمية وتقديم مطلب في الغرض مؤشر عليه من قبل مراقب حسابات والمصادقة على حسابات 2008 التي تم اعتمادها لضبط نسبة تقلص رقم معاملات 2009.
فالمدافعون على تلك المقتضيات التمييزية الفاسدة يبررون ذلك بضمان مراقب الحسابات لصحة المحاسبة والحال أن التدقيق المالي يعتمد حسب المعايير الدولية على تقنية السبر والعينات وأن ضمان صحة الوضعية الجبائية يستلزم القيام بتدقيق جبائي شامل لكل العمليات التي تقوم بها المؤسسة.
والغريب في الامر أن تتواصل نفس المهزلة من خلال الفصل 9 من المرسوم عدد 28 لسنة 2011 متعلق باجراءات جبائية ومالية لمساندة الاقتصاد الوطني التي كرست تمييزا مقيتا من خلال تمكين الاشخاص المعنويين المصادق على محاسبتهم دون احتراز له مساس باساس الاداء دون سواهم من استرجاع 50 او 100 بالمائة حسب الحالة من فائض الضريبة على الشركات في اجل 30 يوما وقبل اجراء مراجعة جبائية معمقة. هذا يثبت مرة اخرى ان دار لقمان لا زالت على حالها.
وتتضح الصورة أكثر حين نعلم ان مراقبة الحسابات بامريكا وبريطانيا ليست اجبارية الا بالنسبة للمؤسسات المدرجة بالبورصة. اما بفرنسا، فالشركة محدودة المسؤولية لا تلزم بتعيين مراقب حسابات الا اذا توفر شرطان من بين الشروط التالية: عدد العمال 50، رقم المعاملات يقارب 6 ملايين دينار، مجموع الموازنة يقارب 3 ملايين دينار. اما بتونس فان تلك الشروط تم ضبطها كالتالي: عدد العمال 10، رقم المعاملات يعادل 300 ألف دينار، مجموع الموازنة يعادل 100 ألف دينار.
فالمفروض ان يبادر المجلس التاسيسي بمراجعة الاحكام المافيوية المضمنة بالفصول 13 وما بعد من مجلة الشركات التجارية وامرها التطبيقي الفاسد عدد 1546 لسنة 2006 التي حولت المؤسسة الى بقرة حلوب. فقد اتضحت أهمية مراقبة الحسابات من خلال المؤسسات العمومية المنهوبة وبالاخص من بين المؤسسات البنكية والمفروض ان يتم تحميل المسؤولية المدنية والجزائية لمن صادق على حساباتها. كما على المجلس التاسيسي ان يفكر جديا في مراجعة محاسبة تلك المؤسسات من قبل هيكل عمومي مستقل باعتبار ان ذلك سيمكننا من امتصاص بطالة عدد هام من حاملي الشهادات العليا. اما الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2011، فقد احدث محكمة خارج المنظومة القضائية لتخلف اللجنة الاستشارية المكلفة بالنظر في عرائض المطالبين بالضريبة، غير المنصوص عليها بالقانون، التي تولت شطب الديون الجبائية طيلة اكثر من عشر سنوات في خرق للفصل 25 من مجلة المحاسبة العمومية وذلك بحضور خبيرين محاسبين من بين المقربين من منظومة الفساد في خرق ايضا لواجب الحفاظ على السر المهني. كما ان تركيبة لجان تاطير اعمال المراقبة الواردة بنفس الفصل من شانها تطوير اعمال السمسرة في الملفات الجبائية بصفة خطيرة باعتبار انها لن تاخذ بعين الاعتبار مسالة تضارب المصالح مثلما هو الشان بالتشريع المغربي على سبيل المثال لا الحصر. لا ننسى ايضا الاحكام المافيوية التي تضمنتها ما يسمى بمجلة التشجيع على الاستثمارات التي ساعدت على نهب الاراضي الدولية بالدينار الرمزي والامتيازات المالية والجبائية محولة بذلك البلاد الى جنة ضريبية وعدلية.

استيراد البطالة

وقد زادت الطين بلة احكام الفصل 3 من مجلة التشجيع على الاستثمارات، او بالأحرى الجريمة ونهب المال العام والتحيل، التي نمّت ظاهرة استيراد البطالة والتحيل وتبييض كل انواع الجريمة. هل يعقل ان يتم تحرير قطاع الخدمات المهمش اصلا من قبل الفاسدين المتحصنين بالإدارة بطريقة وحشية قبل التفاوض والتحرير وتكريس مبدا المعاملة بالمثل، وذلك على حساب المؤسسات التونسية والعاطلين عن العمل.
هل يعقل ان يتم ايداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة لدى وكالة النهوض بالصناعة او بالأحرى بالبطالة لمباشرة انشطة تجارية في خرق للمرسوم عدد 14 لسنة 1960 متعلق بمباشرة التجارة من قبل الاجانب. هل يعقل ان يتم الالتفاف على الفصل 18 من مجلة التشجيع على الاستثمارات والفصل 258 من مجلة الشغل من خلال ايداع الاجير لتصريح بالاستثمار تحت عنوان الدراسات والاستشارات وغيرها من الانشطة التي ابتدعها الفاسدون صلب الامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 ليتحولوا الى مستثمرين صوريين ويفلتوا من دفع الضريبة بعنوان الاجور التي سيحصلون عليها.
فالمفروض ان يتم تحوير الفصل 3 في اطار قانون المالية التكميلي لكي لا يسمح للأجانب المقيمين وغير المقيمين بالاستثمار في قطاع الخدمات الا في اطار مؤسسات مصدرة كليا لا يحق لها اسداء خدماتها بتونس مع ضبط قائمة تلك الانشطة صلب امر ومراعاة مصلحة المؤسسات التونسية.

تبييض الجرائم الجبائية

الأتعس من كل ذلك ان يتضمن قانون المالية لسنة 2012 احكاما تمييزية لا نجد لها مثيلا بالتشاريع الاجنبية، تنص على منح تسبقة بعنوان الضريبة على الشركات المصادق على حساباتها بدون تحفظ وذلك بما قدره 35% و15% في الحالات الاخرى دون الحديث عن الاحكام الاخرى الهزيلة التي من شانها اهدار المال العام عوض وضع اطار قانوني يسمح بمكافحة التهرب الجبائي وتبييض الجرائم الجبائية وتحويل وجهة الامتيازات الجبائية الذي يكلف الخزينة العامة آلاف المليارات سنويا.
فالواضح ان الشبكة العنكبوتية الفاسدة المكلفة بصياغة النصوص لا زالت تفعل فعلها وما على المجلس التاسيسي الا ان يبادر بتفكيكها وتحديد الاطراف التي تعمل لفائدتها سواء من بين المنظمات المناشدة او الضالعة في الفساد والتبييض. كيف يمكن لشبكة صاغت الفصل 40 من القانون عدد 69 لسنة 2007 متعلق بالفضاءات المينائية المتعلقة بسياحة العبور على مقاس بن علي واحكاما اخرى لفائدة الاقارب والمناشدين واولياء النعمة والمتهربين ان يؤتمن جانبها. فعوض ان تنكب على حذف الفقرة الاخيرة من الفصل 16 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية التي طورت بصفة خطيرة صناعة تبييض الجرائم الجبائية والامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الذي طور ظاهرة استيراد البطالة، نراها تواصل الاستخفاف بعقول دافعي الضرائب من خلال الاحكام التافهة والمافيوية. ثم هل يعقل ان يتم منح تسبقة بعنوان فائض اداء دون مراقبة. فالمفروض ان يفتح تحقيق بخصوص التسبقات التي منحت بهذا العنوان واتضح فيما بعد عدم مسك المطالب بالضريبة لمحاسبة تبرر ذلك.
يتضح من خلال العدد القليل جدا من الاحكام الفاسدة التي تضمنتها المنظومة الجبائية أن الفساد الاداري حوّل المؤسسة إلى بقرة حلوب وحال دون نموها وتطورها منميا بذلك البطالة والفقر والتحيل والجريمة. فالإجراءات التي تتخذ من حين لآخر بدعوى دفع نسق التنمية ودعم القدرات التنافسية للمؤسسة تبقى عديمة الجدوى اذا لم نشخص محيط الاستثمار ونقيم مردودية القرارات السابقة المشابهة التي كلفت المجموعة مئات الاف المليارات ونضع استراتيجية واضحة المعالم لمكافحة الفساد وبالأخص الاداري الذي نمّى البطالة والفقر من خلال القضاء على روح المبادرة.
إن تكريس التمييز وخرق مبدأي المساواة والحياد اللذين وجب أن يتصف بهما التشريع الجبائي داخل البلدان المتطورة، من خلال اشتراط طرح الانتفاع بحق مراقبة حسابات المؤسسة وغير ذلك بمقتضى نصوص تشريعية لا نجد لها مثيلا بتشاريع البلدان المتطورة التي لا تسمح مجالسها الدستورية بتمرير مثل تلك الاحكام التمييزية، يعد من اخطر مظاهر الفساد الاداري الذي أشارت إليه اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادقنا عليها بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 والتي لا زال البعض يصر على عدم احترامها من خلال عدم ملاءمة تشريعنا مع أحكامها وتجريم الفساد الاداري والاهمال صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية حتى لا يشعر الفاسدون بالحصانة مثلما هو الشأن اليوم.
٭ هذا النص قدمه السيد لسعد الذوادي الى وزير الاصلاح الاداري قبل بضعة أيام..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.