باشرت أمس الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بالكاف النظر في جلسة أولى في قضية الشهيد نبيل البركاتي الذي توفي تحت التعذيب بمركز الأمن بقعفور سنة 1987 بعد أن أحالتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة وشملت الأبحاث فيها سبعة متهمين بينهم اطارات أمنية وطبيب ووزير وجهت اليهم تهم القتل العمد والتعذيب الناجم عنه الموت والاختفاء القسري وتعد هذه القضية الثالثة التي يتم النظر فيها في اطار العدالة الانتقالية بعد قضية الشهيدين كمال المطماطي ورشيد الشماخي كما أنه من المنتظر ان يتم غدا النظر في قضية الشهيد فيصل بركات. وشهدت جلسة أمس حضورعدد هام من المنظمات والجمعيات الحقوقية وكذلك عائلة الشهيد البركاتي فيما حضرمتهمان فقط وهما عونا أمن وتم تأجيل القضية الى جلسة لاحقة لتسخير محام لأحد المتهمين الحاضرين بالجلسة. وفي هذا السياق ذكررضا البركاتي شقيق الشهيد ل»الصباح» ان انطلاق أولى جلسات المحاكمة في قضية شقيقه تعد خطوة هامة تم تحقيقها رغم التعطيلات التي اعترضت مسار العدالة الانتقالية ورغم العقبات وحملات التشكيك في هذا الاطار لذلك اعتبر ان ما حصل يمثل انتصارا وخطوة الى الأمام وأكد انهم حضروا لمواكبة قضية شقيقهم ليس من منطلق الانتقام او التشفي بل من منطلق مناهضة التعذيب كما ان العدالة الانتقالية لها محطات يجب ان تقف عندها فيجب ان نمر بالمحاسبة قبل امكانية المصالحة لوضع حد لظاهرة الافلات من العقاب اضافة الى ضرورة التثقيف حول مبادىء حقوق الانسان وثقافة التعذيب. وصية أم الشهيد وأكد ان طلبات العائلة تتلخص في وصية أم الشهيد البركاتي وهو ان يتحول اليوم الوطني لمناهضة التعذيب الى يوم رسمي وتحويل مركز الشرطة بقعفور الذي كان مسرحا لجريمة اغتيال الشهيد البركاتي والعشرات من شباب قعفور من نقابيين تابعين للحركة النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل ومناضلي حزب العمال ومناضلي الاتجاه الاسلامي الى متحف لمناهضة التعذيب ومكتبة لعائلة الشهيد ومقر للجمعيات الحقوقية كرابطة الدفاع عن حقوق الانسان والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب ومنظمة «ذكرى ووفاء» للشهيد نبيل البركاتي واعتبر انها مطالب ملحة قدموا للمطالبة بها وليس للانتقام من قتلة الشهيد في اطار الدفاع عن مسار العدالة الانتقالية. وأضاف رضا البركاتي أنه تم أمس سماع شهادته في قضية شقيقه وكذلك شهادة شاب ثان تم ايقافه في نفس الفترة مع الشهيد البركاتي وسجن وحوكم وعذب معه كما تم سماع شهادة عون أمن. شهادات صادمة من جهتها ذكرت الأستاذة ليلى الحداد محامية عائلة الشهيد البركاتي ل»الصباح» انه تم في جلسة أمس سماع الشهود ومن بينهم شقيق الشهيد الذي سرد تفاصيل ايقاف شقيقه نتيجة الخلفية الفكرية له في اطار السياسة التي كان يمارسها النظام البائد حينها بايقاف كل المعارضين السياسيين من بينهم حزب العمال الشيوعي، كما تم سماع شهادة أحد الموقوفين حينها مع الشهيد البركاتي والذي ذكر انه كان في غرفة الايقاف المجاورة لغرفة الشهيد البركاتي وقد سمع عملية التعذيب كما تم سماع شاهد ثالث وهو أمني وصاحب السلاح الذي تم التمويه بأن الشهيد انتحر بواسطته وذكر ان العملية غير صحيحة وانه سلم سلاحه لرئيس المركز بكامل خراطيشه واضاف ان نبيل البركاتي توفي في غرفة الايقاف ثم تم نقله الى مكان مهجور تم القاؤه فيه وأوهموا بانتحاره بسلاحه. وأضافت الحداد أنه كان من المفترض ان يتم سماع أقوال المتهم الرئيسي في القضية الذي حضر بحالة سراح ولكنه رفض حضور أي محام معه مما أدى الى تدخل محاميي عائلة الشهيد وأكدوا انه لا يمكن استنطاق اي متهم دون حضور محاميه وعلى المحكمة ان تكلف له محام للدفاع عنه طبقا لما جاء بمجلة الاجراءات الجزائية فاستجابت المحكمة لطلبهم وتم تأجيل القضية الى موعد لاحق. ولد نبيل البركاتي بتاريخ 30 ماي 1961 بمدينة قعفور بولاية سليانة ودرس بالمدرسة الوطنية للمهندسين وقد اعتقلته قوات الأمن بتاريخ 28 أفريل1987 وتم اقتياده إلى مركز الأمن بقعفور حيث تعّرض لتعذيب وحشي طيلة 11 يوما حتى وجدوه جثّة هامدة بتاريخ 9 ماي1987 داخل قناة تصريف المياه مصابًا برصاصة على مستوى الرأس وقد وجده قاضي التحقيق المباشر للقضية ممدًدا على بطنه ورجلاه ممددتان إلى الوراء بداخل القناة ويداه إلى الوراء عاري الجسم إلا من تبان وكان منكًبا على وجهه والدماء تكسو وجهه وبركة من الدماء أسفل رأسه ولا أثر للدم على بقية جسمه وقد تم استعمال المفك لقطع أظافره وأضراسه وبالتفتيش قرب الضحية تم العثور على ظرف خرطوشة مستعمل على مستوى الرأس وعلى مسّدس أيضا أسفل رجله وقد صرح أعوان الأمن لقاضي التحقيق عند سماعهم بأن البركاتي كان مربوطً وفر عبر الغرفة الأولى ثم ولج للغرفة الثانية واستحوذ على مسدس أحد الأعوان ثم عاد الى المطبخ وخرج الى الحديقة ومنها الى الخارج عبر السور مرورا بالسكة الحديدية وتمت «فبركة» سيناريو لتبرير مقتله وكشف حينها قاضي التحقيق أن بركاتي توفي نتيجة طلقة رصاصة مع استبعاد فرضية الانتحار لأن اختراق الرصاصة للمخ يؤدي للوفاة الحينية وينجر عنه شلل تام لجسم الهالك ويبقى تبًعا لذلك المسدس بيد الهالك مع وجود اثار دم بالإبهام والسبابة كما إن قطر دخول الرصاصة ليس كبيًرا بما يعكس فرضية عدم الانتحار أيضا.