من تونس.. إعلان قرطاج للصحة الواحدة يرسم خريطة طريق لمجابهة التحديات الصحية والبيئية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا    نور الدين الطبوبي يعلن جلسة تفاوض جديدة لعمال القطاع الخاص الأسبوع المقبل    شركة النقل بباجة تطلق الاثنين 16 جوان 2025 سفرة تجارية ثانية بين تونس وباجة عبر الطريق السيارة    عاجل: دعوات تونسية لوقفات حاشدة اليوم دعماً لقافلة الصمود وكسر الحصار عن غزة    عاجل: مصر تمنع دخول قافلة ''الصمود'' وتحذّر من تهديدات للأمن القومي    شبيبة العمران: محمد العرعوري مدربا جديدا للفريق    للمشاهدة المجانية : تعرف على تردد قناة DAZN لمباريات كأس العالم للأندية 2025    رسميا: لسعد الدريدي مدربا جديدا للنجم الساحلي    مداهمات أمنية بين باردو وخزندار تطيح بعناصر إجرامية خطيرة وحجز مخدرات وأسلحة بيضاء    تناقلها رواد التواصل الاجتماعي: عملية "براكاج" تكشف عن تضرر عشرات المواطنين    الجيش الإيراني يعلن إسقاط مقاتلة F-35 إسرائيلية لكن مصير طيارها لا يزال مجهولا    عاجل/ تحديد موعد محاكمة مهدي بن غربية في هذه القضية    عاجل/ وفاة شاب دهسا تحت عجلات القطار بهذه الجهة    مبادرة تشريعية جديدة لتنقيح القانون التوجيهي المتعلّق بالنهوض بذوي الإعاقة    هذا السبت, العالم يحتفي باليوم العالمي للتبرع بالدم    الصين وإفريقيا تصدران "إعلان تشانغشا" لتعزيز التضامن بين دول الجنوب    طاقم حكام آسيوي يدير المباراة الافتتاحية في كأس العالم للأندية 2025    كأس العالم للأندية: تشكيلة الأهلي المصري في مواجهة إنتر ميامي الأمريكي    غدا.. انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق بسوسة والمنستير    عاجل/ إيران: إعتقالات في صفوف عملاء لإسرائيل    قابس: الحاجة ملحة لتحسين وضعية العديد من الطرقات المرقمة بالجهة (رئيس الجمعية الوطنية للسلامة والأخلاق المرورية)    وزارة الأسرة تدعو إلى تكثيف جهود التربية على ثقافة احترام حقوق كبار السن ومناهضة العنف المسلط عليهم    بالأرقام والأسماء.. خسائر إسرائيل وإيران في يومين من المواجهة الساخنة    عاجل/ كان بصدد الفرار: الإطاحة برجل أعمال معروف محكوم بالسجن في قضية التآمر    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    دورة النرويج الدولية للشبان لكرة الطاولة: التونسي وسيم الصيد يحرز فضية مسابقة الزوجي مختلط    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    القيروان: جلسة توعوية للإحاطة بالمترشحين لمناظرتي "السيزيام و"النوفيام "    احتجاجات أمريكا : رئيس الفيفا يدلي بهذا التصريح قبل انطلاق كأس الأندية    الأسبوع البورصي : تراجع في أداء توننداكس    تسجيل خمس حالات وفاة بين الحجيج التونسيين حتى الان    عاجل/ "خرج عن السيطرة": نداء استغاثة بعد انتشار مرض الجلد العقدي بين الابقار بهذه الجهة    مساء اليوم : المالوف التونسي ....يشدو في باريس    انتر ميامي يفقد خدمات نجمه أمام الأهلي المصري    عاجل/ وقع منذ اكثر من شهر: وفاة أستاذ جرّاء حادث عقارب    صفاقس : تزويد السوق بالمواد الإستهلاكية مرضي.. وتسجيل 1934 عملية رقابية من غرة ماي إلى 12 جوان الجاري (الإدارة الجهوية للتجارة)    وزير التشغيل : 2000 منتفعا بنظام المبادر الذّاتي قد تسلموا بطاقاتهم    الحرارة تصل 41 درجة اليوم السبت.. #خبر_عاجل    إيران تعلن إسقاط مسيرات إسرائيلية في مهمة "تجسّس"    عاجل : الأردن يعيد فتح مجاله الجوي صباح اليوم السبت    الصواريخ الايرانية تضرب مقر هيئة الأركان الإسرائيلية في تل أبيب    الخطوط التونسية تعلن عن تغييرات في رحلاتها نحو باريس    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    وزارة الشؤون الثقافية تنعى المخرج والممثل محمد علي بالحارث    صمود الأوضاع المالية على الرغم منحالة عدم اليقين الناتجة عن الحروب التجارية    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    الدورة الأولى من الصالون الوطني للفنون التشكيلية من 14 جوان إلى 5 جويلية بمشاركة 64 فنانا من مختلف الولايات    إعادة تهيئة المقر القديم لبلدية رادس مدرجة ضمن برنامج احياء المراكز العمرانية القديمة باعتباره معلما تاريخيا (المكلف بتسيير البلدية)    الصحة العالمية تحذر من طرق الترويج للسجائر    من قلب الصحراء التونسية : حليب الجمل يتحول الى الذهب الأبيض...روبرتاج يكشف التفاصيل    افتتاح الدورة الثامنة من المهرجان الدولي لفنون السيرك    ميناء جرجيس يستعد لاستقبال اولى رحلات عودة ابناء تونس المقيمين بالخارج    نحو نفس جديد للسينما التونسية : البرلمان يدرس مشروع قانون لإصلاح القطاع    انطلاق خدمة التكفّل عن بعد بالجلطات الدماغية في جندوبة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    









أزمة الصلاحيات الدستورية تطفو على السطح.. جبّة «الوزير الأول» قبل بها الصيد وتمرد الشاهد داخلها
نشر في الصباح يوم 17 - 07 - 2018

لا يفوّت رئيس الدولة الباجي قائد السبسي فرصة للتذكير بمحدودية صلاحياته الدستورية التي منحها له دستور الجمهورية الثانية وفرضتها طبيعة النظام السياسي «البرلماني» القائم والذي يمنح صلاحيات تنفيذية واسعة لرئيس الحكومة على حساب صلاحيات رئيس الدولة الذي فقد في مرحلة الانتقال الديمقراطي وبمقتضى دستور 27 جانفي تلك الصلاحيات الواسعة الذي مكّنته لعقود من أحكام قبضته على كل السلط وكل مؤسسات الدولة. «يُشهر» رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي صلاحياته المحدودة أمام خصومه السياسيين أو لمواجهة استياء الرأي العام من تدهور الأوضاع اقتصاديا واجتماعيا وتأزّمها سياسيا، لأسباب تختلف باختلاف السياقات فأحيانا يستعمل قائد السبسي ورقة «الصلاحيات المحدودة» للتنصّل من مسؤولية الفشل الراهن في إدارة الشأن العام وفي تجاوز الأزمات المتتالية وعلى جميع الأصعدة، ولكن أحيانا يكون استعمال «الصلاحيات المحدودة» للتعبير عن تذّمر «خفّي» من هذه الصلاحيات التي قيّدت حضوره في السلطة وهو السياسي القادم من مدرسة سياسية تاريخية قائمة على فكرة «الزعيم الأوحد» الذي لا يحتمل شركاء له في الحكم وفي السلطة ولا يجد حرجا في فرض «وصايته الأبوية» على الشعب وعلى مؤسسات الدولة.
وقد تكون جملة «أنا نُحكم وحدي» التي ردّدها الباجي قائد السبسي في أكثر من مناسبة وفي سياقات مختلفة خاصّة قبل الانتخابات الرئاسية في 2014، تلخّص بشكل عميق فلسفة ونظرته للحكم والسلطة، لكن فكرة «أنا نُحكم وحدي» عجز رئيس الدولة المنتخب على ترجمتها عندما وصل إلى الحكم ووجد نفسه مجبرا على احترام المؤسسات الدستورية وعلى تقاسم السلطة مع رئيس الحكومة الذي منحه الدستور صلاحيات واسعة وضمانات قوّية لممارسة مهامه.
وكان لزاما على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المسكون بصورة الزعيم الأوحد وبصورة الأب المنقذ أن يتأقلم ويتعايش ديمقراطيا مع هذه «الاكراهات» الدستورية وأن يقبل عن طواعية بجزء من السلطة وليست كل السلطة ولكن مع ذلك لم يستسلم قائد السبسي لقواعد اللعبة الديمقراطية كما فرضها الدستور بل حاول أن «يتحايل» على هذه القواعد من خلال محاولة «تحجيم» دور رئيس الحكومة بالدفع نحو اختيار شخصيات على مقاس ومزاج الرئيس لتشغل هذا المنصب من الحبيب الصيد إلى يوسف الشاهد..
ويبدو أن رئيس الدولة لم يضع في حسبانه أن السلطة لها بريقها ولها أطماعها وحساباتها أيضا وأن قواعد اللعبة إذا ما تعلّقت بالحكم تصبح غير «مضمونة».. وأن الشجاعة التي خانت الحبيب الصيد فقبل أن يغادر بصمت خوفا من «التمرميد» تحوّلت مع يوسف الشاهد إلى نوع من «التهوّر» بلغ حدّ المواجهة المعلنة التي دفعت بالصراع على السلطة إلى ذروته.. صراع غايته إثبات من الأقوى في سلطة لم تعد تحتمل أكثر من رجل واحد...
نظام سياسي.. «شاذ»
وصف رئيس الدولة الباجي قائد السبسي في أحد حواراته الصحفية النظام السياسي القائم حاليا بأنه نظام «شاذّ» في إشارة واضحة إلى كون هذا النظام الذي يتأرّجح بين النظام الرئاسي في علاقة بشخصية وطبيعة الباجي قائد السبسي الذي يرفض أن يلتزم ب»الصلاحيات المحدودة» ويبقى على هامش الأحداث، وبين نظام برلماني يستلهم روحه وفلسفته من دستور البلاد.
في ذات الحوار أشار قائد السبسي أنه التزم بالمهام والصلاحيات وأن «المهام التنفيذية الأساسية تبقى من اختصاص الحكومة وأنه حان الوقت لتقييم المنظومة الدستورية الحالية وتدارك نقائصها وتجاوز المطبّات التي تضمّنها الدستور» في تعبير واضح عن «انزعاجه» من محدودية الصلاحيات الممنوحة، هذه الصلاحيات التي نجح في «تمطيطها» مستفيدا من «ليونة» رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، ولكن يبدو أنه لم يجد نفس «المرونة» و»اللوينة» مع يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الشاب والطموح الذي بدأ يحاول أكثر من ذي قبل الاستفادة من وضعه الدستوري ولعلّ اعتراف رئيس الدولة في حواره الأخير أنه لم يكن موافقا على إقالة وزير الداخلية لطفي براهم ورغم ذلك أقاله يوسف الشاهد و»تحمّل مسؤوليته» يثبت أن القصبة لم تعد تكتفي بتطبيق تعليمات قصر قرطاج !
السلطة لا تحتمل تعدّد الرؤساء
ساعدت شخصية الحبيب الصيد في بناء علاقة منسجمة مع «مزاج» رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، فالصيد الذي يفتقد لل»كاريزما» السياسية وللقدرات الاتصالية ظلّ وفيا لدوره ككفاءة تقنية في جهاز الدولة وليس كرجل سياسية له قدرة التأثير والإقناع وصياغة المواقف والآراء التي تترك انطباعا لدى الرأي العام وكان في إداراته للدولة يتصرّف من موقع «وزير أوّل» مهمته تصريف أعمال الدولة وليس من موقع رئيس حكومة له صلاحيات التغيير ورسم السياسات العامّة بعيدا عن مشورة رئيس الدولة وتوجيهاته.
وبناء على ذلك لم يجد رئيس الدولة صعوبة في تغييره أو في إقناعه بتقديم استقالته، رغم محاولات الحبيب الصيد المتأخّرة للدفاع عن حكومته وعلى بقائه على رأس الحكومة، لكن الموقف كان حاسما «تُخرج أو نمرمدوك» كما قال له أحد مستشاري الرئيس واعترف بذلك، وقد فضّل الحبيب الصيد الشخصية الخجولة و»غير الصدامية» أن يغادر في القصبة صمت قبل «أن يمردموده»..
لكن الأمر اليوم بدا مختلفا مع يوسف الشاهد، الشخصية الطموحة التي راهن عليها يوما الباجي قائد السبسي ورأى فيه قدرات خارقة تؤهّلها لتولّي منصب رئيس الحكومة في مرحلة حرجة اقتصاديا وسياسيا رغم نقص الخبرة والتجربة السياسية، وقد رأى أغلب الملاحظين وقتها أن اختيار الشاب يوسف الشاهد ينبع من رغبة الباجي قائد السبسي في البحث عن شخصية «طيّعة» و»مرنة» لتنفيذ تعليماته وتوجيهاته..
غير أن الأزمة السياسية الأخيرة وانقسام المواقف حول مصير يوسف الشاهد بين مطالب برحيله وفي المقدّمة حزب نداء تونس بقيادة نجل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي وبين مصرّا على الاستقرار الحكومي والإبقاء على الشاهد خاصّة من طرف حركة النهضة ،عجّلت بالمواجهة بين «الرئيسين» ،الباجي قائد السبسي الذي يرفض أن تخرج خيوط اللعبة من يديه وبين يوسف الشاهد الذي ما زال له هامش كبير للمناورة وتسجيل النقاط ضدّ خصومه وأولهم المدير التنفيذي لحزبه حافظ قائد السبسي والذي استطاع أن يعزله داخل النداء ويهزّ الأرض تحت أقدامه، بعد أن هاجمه علنا ووصفه بأنه من «دمّر حزب نداء تونس».
وفي خطابه الأخير كان اصطفاف رئيس الدولة خلف نجله واضحا ولا يحتمل التأويل كما كان موقفه من يوسف الشاهد لا لبس فيه حيث طلب منه الاستقالة أو التوجه للبرلمان لتجديد الثقة وكأنّه يحمّله لوحده أوزار الأزمة الراهنة.
وبذلك يكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد خسر دعم ومساندة رئيس الدولة ولكن خسارته للدعم والمساندة لن تدفعه للاستقالة كما فعل الحبيب الصيد ولكن يتوقّع أن تدفعه أكثر إلى التمرد.. والى خوض «معركته الأخيرة» مع «الأب الروحي».. معركة «الكلّ ضدّ الكلّ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.