البنك المركزي التونسي يقرّر الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسية دون تغيير..    دراسة: نصف سكان العالم واجهوا 'شهرا إضافيا' من الصيف    كأس تونس لكرة السلة: الاتحاد المنستيري يحرز اللقب للمرة السادسة في تاريخه    "نيويورك تايمز" تفجر مفاجأة عما فعله تعاطي المخدرات بإيلون ماسك    المتبسطة في قلب الانتقال الطاقي: محطة شمسية بقدرة 100 ميغاواط تقترب من الإنجاز    تونس: تسليم 41 حافلة طبية و12 شاحنة مبردة و133 سيارة خدمات لمؤسسات صحية عمومية    بشرى لأهالي الزهروني: نقل محكمة الناحية تونس 2    عاجل: وزارة الفلاحة تعلن عن توفير قروض ميسّرة لفائدة منتجي الأعلاف الخشنة ومربي الماشية    ساقية سيدي يوسف.. مركز الإختبارات الكتابية لإمتحان الباكالوريا سوره من بقايا الاسرة الحديدية    طارق العربي طرقان.. أيقونة أغاني الطفولة يروي قصة نجاحه وكواليس الرسوم المتحركة    النفطي يشارك في القاهرة في اجتماع تشاوري حول ليبيا بحضور نظيريه المصري والجزائري    تدشين خط جوي مباشر يربط مطار الحبيب بورقيبة الدولي بمطار العاصمة السويسريّة    النجم الساحلي: تأجيل الجلسة العامة الانتخابية    السلطات الامريكية تعتقل متخصصا في تكنولوجيا المعلومات لتعامله مع حكومة أجنبية    هبوط اضطراري لطائرة بريطانية بسبب''حفلة عزوبية فوضوية''    كيف يؤثر تناول السكر على معدة فارغة على صحتك؟ نصائح مهمة للتونسيين    انطلاق فعاليات الدورة الرابعة لمختبر السينماء بمركز التخييم والتربصات بدوز    دعاء الجمعة الأولى من ذي الحجة    مودريتش يقترب من وداع ريال مدريد... وجهته المقبلة قد تكون مفاجئة!    مائدة حوارية تسلط الضوء على سبل الحد من التدخين في تونس    حماية للأطفال: فرنسا تمنع التدخين في جميع الأماكن العامة    الغضب خطر صامت على الصحة: تعرّف على طرق الوقاية منه بخطوات بسيطة    عاجل : منشور وزاري مشترك يُقرّ تسهيلات في سداد ديون مستغلي أراضي الدولة    117 كاتبا و 22 طفلا يتنافسون على الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    سيدي بوزيد: تخصيص 4 مراكز لتجميع الحبوب بطاقة تخزين جملية تناهز 73500 قنطار    حشيش داخل حلوى: شركة حلويات معروفة تسحب منتجاتها من السوق    تونس: 5تلاميذ من أطفال القمر يجتازون امتحانات الباكالوريا    توصيات هامّة من الحماية المدنية من اجل سباحة آمنة.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية تطلق عرضًا استثنائيًا نحو إسطنبول    يوم 4 جوان.. لقاء حواريّ حول التّغطية الاجتماعيّة للفنّانين والمبدعين    صادرات تونس نحو البرازيل تزيد وتصل قيمتها إلى 137 مليون دينار في 2024    قفصة: دخول قسم الأطفال بالمستشفى الجهوي بالمتلوي حيز الاستغلال الفعلي    ملتقى الحرية للسباحة بفرنسا: جميلة بولكباش تفوز بذهبية سباق 1500 متر سباحة حرة وتحطم الرقم القياسي الوطني    أكثر من 64 ألف تلميذ يترشحون لمناظرة "السيزيام" لسنة 2025    بكالوريا 2025: شعبة الاقتصاد والتصرف تستحوذ على أعلى نسبة من المترشحين    رسميا: آرنولد في ريال مدريد لست سنوات    تصعيد جديد.. الجزائر تهاجم باريس بسبب "تجميد أصول مسؤولين"    غزوة السفارة: أحكام سجنية ب 8 سنوات في حق 20 متهما مع النفاذ    عاجل/ متحور جديد من كورونا ينتشر في بعض دول العالم.. والصحة العالمية تحذر..    جامعة النزل:ملتزمون بتطبيق قانون الشغل الجديد    مهرجان دقة الدولي يعلن عن تنظيم الدورة 49 من 28 جوان إلى 8 جويلية    رحيل مفاجئ للفنانة المعتزلة سارة الغامدي    ملتقى تولوز الدولي لالعاب القوى بفرنسا: عبد السلام العيوني يحل رابعا في سباق 800 متر    أسماء أولاد وبنات عذبة بمعاني السعادة والفرح: دليلك لاختيار اسم يُشع بهجة لحياة طفلك    الجامعة التونسية لكرة القدم: 18 جويلية جلسة عامة عادية واخرى لانتخاب اللجان المستقلة    السوشيال ميديا والحياة الحقيقية: كيف تفرّق بينهما؟    جوان رولينغ توافق على الممثلين الرئيسيين لمسلسل "هاري بوتر" الجديد    رويترز: السعودية حذرت إيران.. "إما الاتفاق مع ترامب وإما الحرب مع إسرائيل"    رولان غاروس : ديوكوفيتش يفوز على موتيه ليواصل مشواره نحو رقم قياسي في البطولات الكبرى    وزير الشؤون الدينية: الحجيج التونسيون يؤدون مناسكهم على أحسن وجه    تحذير من ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة خلال عطلة العيد    قيس سعيد يدعو إلى التقليص من عدد المؤسسات التي استنزفت أموال المجموعة الوطنية    رئيس الجمهورية يتبادل التهاني مع نظيره الموريتاني اثر فوز مرشح موريتانيا برئاسة البنك الافريقي للتنمية    طقس اليوم: سحب قليلة والحرارة تصل إلى 34 درجة    نقابة الفلاحين: تسعيرة 21.900 لبيع الأضاحي لم تُطبّق بسبب منطق السوق وآليات العرض والطلب    خطبة الجمعة .. من معاني شهر ذي الحجة.. قصة إبراهيم وابنه    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    ملف الأسبوع ...العشر الأوائل من شهر ذي الحجة .. اغتنموا هذه الأَيَّامَ المباركة    









أزمة الصلاحيات الدستورية تطفو على السطح.. جبّة «الوزير الأول» قبل بها الصيد وتمرد الشاهد داخلها
نشر في الصباح يوم 17 - 07 - 2018

لا يفوّت رئيس الدولة الباجي قائد السبسي فرصة للتذكير بمحدودية صلاحياته الدستورية التي منحها له دستور الجمهورية الثانية وفرضتها طبيعة النظام السياسي «البرلماني» القائم والذي يمنح صلاحيات تنفيذية واسعة لرئيس الحكومة على حساب صلاحيات رئيس الدولة الذي فقد في مرحلة الانتقال الديمقراطي وبمقتضى دستور 27 جانفي تلك الصلاحيات الواسعة الذي مكّنته لعقود من أحكام قبضته على كل السلط وكل مؤسسات الدولة. «يُشهر» رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي صلاحياته المحدودة أمام خصومه السياسيين أو لمواجهة استياء الرأي العام من تدهور الأوضاع اقتصاديا واجتماعيا وتأزّمها سياسيا، لأسباب تختلف باختلاف السياقات فأحيانا يستعمل قائد السبسي ورقة «الصلاحيات المحدودة» للتنصّل من مسؤولية الفشل الراهن في إدارة الشأن العام وفي تجاوز الأزمات المتتالية وعلى جميع الأصعدة، ولكن أحيانا يكون استعمال «الصلاحيات المحدودة» للتعبير عن تذّمر «خفّي» من هذه الصلاحيات التي قيّدت حضوره في السلطة وهو السياسي القادم من مدرسة سياسية تاريخية قائمة على فكرة «الزعيم الأوحد» الذي لا يحتمل شركاء له في الحكم وفي السلطة ولا يجد حرجا في فرض «وصايته الأبوية» على الشعب وعلى مؤسسات الدولة.
وقد تكون جملة «أنا نُحكم وحدي» التي ردّدها الباجي قائد السبسي في أكثر من مناسبة وفي سياقات مختلفة خاصّة قبل الانتخابات الرئاسية في 2014، تلخّص بشكل عميق فلسفة ونظرته للحكم والسلطة، لكن فكرة «أنا نُحكم وحدي» عجز رئيس الدولة المنتخب على ترجمتها عندما وصل إلى الحكم ووجد نفسه مجبرا على احترام المؤسسات الدستورية وعلى تقاسم السلطة مع رئيس الحكومة الذي منحه الدستور صلاحيات واسعة وضمانات قوّية لممارسة مهامه.
وكان لزاما على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المسكون بصورة الزعيم الأوحد وبصورة الأب المنقذ أن يتأقلم ويتعايش ديمقراطيا مع هذه «الاكراهات» الدستورية وأن يقبل عن طواعية بجزء من السلطة وليست كل السلطة ولكن مع ذلك لم يستسلم قائد السبسي لقواعد اللعبة الديمقراطية كما فرضها الدستور بل حاول أن «يتحايل» على هذه القواعد من خلال محاولة «تحجيم» دور رئيس الحكومة بالدفع نحو اختيار شخصيات على مقاس ومزاج الرئيس لتشغل هذا المنصب من الحبيب الصيد إلى يوسف الشاهد..
ويبدو أن رئيس الدولة لم يضع في حسبانه أن السلطة لها بريقها ولها أطماعها وحساباتها أيضا وأن قواعد اللعبة إذا ما تعلّقت بالحكم تصبح غير «مضمونة».. وأن الشجاعة التي خانت الحبيب الصيد فقبل أن يغادر بصمت خوفا من «التمرميد» تحوّلت مع يوسف الشاهد إلى نوع من «التهوّر» بلغ حدّ المواجهة المعلنة التي دفعت بالصراع على السلطة إلى ذروته.. صراع غايته إثبات من الأقوى في سلطة لم تعد تحتمل أكثر من رجل واحد...
نظام سياسي.. «شاذ»
وصف رئيس الدولة الباجي قائد السبسي في أحد حواراته الصحفية النظام السياسي القائم حاليا بأنه نظام «شاذّ» في إشارة واضحة إلى كون هذا النظام الذي يتأرّجح بين النظام الرئاسي في علاقة بشخصية وطبيعة الباجي قائد السبسي الذي يرفض أن يلتزم ب»الصلاحيات المحدودة» ويبقى على هامش الأحداث، وبين نظام برلماني يستلهم روحه وفلسفته من دستور البلاد.
في ذات الحوار أشار قائد السبسي أنه التزم بالمهام والصلاحيات وأن «المهام التنفيذية الأساسية تبقى من اختصاص الحكومة وأنه حان الوقت لتقييم المنظومة الدستورية الحالية وتدارك نقائصها وتجاوز المطبّات التي تضمّنها الدستور» في تعبير واضح عن «انزعاجه» من محدودية الصلاحيات الممنوحة، هذه الصلاحيات التي نجح في «تمطيطها» مستفيدا من «ليونة» رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، ولكن يبدو أنه لم يجد نفس «المرونة» و»اللوينة» مع يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الشاب والطموح الذي بدأ يحاول أكثر من ذي قبل الاستفادة من وضعه الدستوري ولعلّ اعتراف رئيس الدولة في حواره الأخير أنه لم يكن موافقا على إقالة وزير الداخلية لطفي براهم ورغم ذلك أقاله يوسف الشاهد و»تحمّل مسؤوليته» يثبت أن القصبة لم تعد تكتفي بتطبيق تعليمات قصر قرطاج !
السلطة لا تحتمل تعدّد الرؤساء
ساعدت شخصية الحبيب الصيد في بناء علاقة منسجمة مع «مزاج» رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، فالصيد الذي يفتقد لل»كاريزما» السياسية وللقدرات الاتصالية ظلّ وفيا لدوره ككفاءة تقنية في جهاز الدولة وليس كرجل سياسية له قدرة التأثير والإقناع وصياغة المواقف والآراء التي تترك انطباعا لدى الرأي العام وكان في إداراته للدولة يتصرّف من موقع «وزير أوّل» مهمته تصريف أعمال الدولة وليس من موقع رئيس حكومة له صلاحيات التغيير ورسم السياسات العامّة بعيدا عن مشورة رئيس الدولة وتوجيهاته.
وبناء على ذلك لم يجد رئيس الدولة صعوبة في تغييره أو في إقناعه بتقديم استقالته، رغم محاولات الحبيب الصيد المتأخّرة للدفاع عن حكومته وعلى بقائه على رأس الحكومة، لكن الموقف كان حاسما «تُخرج أو نمرمدوك» كما قال له أحد مستشاري الرئيس واعترف بذلك، وقد فضّل الحبيب الصيد الشخصية الخجولة و»غير الصدامية» أن يغادر في القصبة صمت قبل «أن يمردموده»..
لكن الأمر اليوم بدا مختلفا مع يوسف الشاهد، الشخصية الطموحة التي راهن عليها يوما الباجي قائد السبسي ورأى فيه قدرات خارقة تؤهّلها لتولّي منصب رئيس الحكومة في مرحلة حرجة اقتصاديا وسياسيا رغم نقص الخبرة والتجربة السياسية، وقد رأى أغلب الملاحظين وقتها أن اختيار الشاب يوسف الشاهد ينبع من رغبة الباجي قائد السبسي في البحث عن شخصية «طيّعة» و»مرنة» لتنفيذ تعليماته وتوجيهاته..
غير أن الأزمة السياسية الأخيرة وانقسام المواقف حول مصير يوسف الشاهد بين مطالب برحيله وفي المقدّمة حزب نداء تونس بقيادة نجل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي وبين مصرّا على الاستقرار الحكومي والإبقاء على الشاهد خاصّة من طرف حركة النهضة ،عجّلت بالمواجهة بين «الرئيسين» ،الباجي قائد السبسي الذي يرفض أن تخرج خيوط اللعبة من يديه وبين يوسف الشاهد الذي ما زال له هامش كبير للمناورة وتسجيل النقاط ضدّ خصومه وأولهم المدير التنفيذي لحزبه حافظ قائد السبسي والذي استطاع أن يعزله داخل النداء ويهزّ الأرض تحت أقدامه، بعد أن هاجمه علنا ووصفه بأنه من «دمّر حزب نداء تونس».
وفي خطابه الأخير كان اصطفاف رئيس الدولة خلف نجله واضحا ولا يحتمل التأويل كما كان موقفه من يوسف الشاهد لا لبس فيه حيث طلب منه الاستقالة أو التوجه للبرلمان لتجديد الثقة وكأنّه يحمّله لوحده أوزار الأزمة الراهنة.
وبذلك يكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد خسر دعم ومساندة رئيس الدولة ولكن خسارته للدعم والمساندة لن تدفعه للاستقالة كما فعل الحبيب الصيد ولكن يتوقّع أن تدفعه أكثر إلى التمرد.. والى خوض «معركته الأخيرة» مع «الأب الروحي».. معركة «الكلّ ضدّ الكلّ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.