صادق مجلس نواب الشعب أمس خلال جلسته العامة بقصر باردو على مشروع القانون عدد 89 لسنة 2017 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح المعروف بقانون «من أين لك هذا؟» برمته. ويهدف هذا المشروع إلى دعم الشفافية وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد والمساءلة ومكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العامّ وهو يضبط شروط وإجراءات التصريح بالمكاسب والمصالح كما يضبط كيفيّة التوقي من حالات تضارب المصالح وآليات مكافحة الإثراء غير المشروع. واستكمل النواب تمرير مقترحات التعديل التوافقية على التصويت، وصادقوا عليها بمنتهى السلاسة لكن المقترحات الخلافية تم إسقاطها تباعا وهي مقدمة من قبل نواب الكتلة الديمقراطية، ورغم استماتة النائبة سامية عبو في الدفاع عنها فإنها لم تتمكن من إقناع الأغلبية البرلمانية بوجهة نظرها. ولم تفوت عبو الفرصة دون توجيه سهامها الحادة نحو الحكومة والأحزاب الحاكمة وقالت انهم يرفضون سد الثغرات الموجودة في مشروع القانون الأمر الذي استفز نواب النهضة. وقبل المصادقة على المشروع برمته عاد النواب الى الفصل الثالث الذي أسقطوه سابقا نظرا لوجود خلافات حول مضامينه. وحاول اياد الدهماني الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب تقريب وجهات النظر بين الكتل البرلمانية من اجل التوصل الى صيغة تحظى بقبولهم جميعا لكن رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق والنائبة سامية عبو ممثلة الكتلة الديمقراطية ابديا اعتراضهما الشديد عليها. ورغم ذلك تم تمريرها على التصويت، ونظرا لأن مشروع القانون هو مشروع قانون عادي وليس مشروع قانون اساسي فقد تمكنت الأغلبية البرلمانية من توفير العدد المطلوب من الأصوات وبذلك مر الفصل الثالث بسلام، وهو ينص على أن قانون التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح يخضع لأحكامه كل الأشخاص الواردين في الفصل الخامس الذي سبق ل «الصباح» ان أورته في عدد سابق والذي ينص على قائمة طويلة في الاشخاص المعنيين بالتصريح بمصالحهم ومكاسبهم. كما يخضع لنفس القانون كل شخص طبيعي سواء كان معينا او منتخبا بصفة دائمة او مؤقتة تعهد اليه صلاحيات السلطة العمومية او يعمل لدى الدولة او جماعة محلية او مؤسسة او هيئة او منشأة عمومية سواء كان ذلك بمقابل او دون مقابل وكل من له صفة مأمور عمومي او من يعينه القضاء للقيام بمأمورية قضائية. كما تخضع الجمعيات والأحزاب السياسية والذوات المعنوية المتعاقدة مع الدولة باي وجه كان للتتبع والعقوبات الخاصة بجريمة الإثراء غير المشروع المنصوص عليها بهذا القانون في صورة استفادتها من هذه الجريمة. وبذلك تم في مشروع القانون اعتماد قائمة الأشخاص الخاضعين لواجب التصريح بالمكاسب والمصالح المنصوص عليها في الفصل 11 من الدستور وتوسعتها لتشمل المهن الأخرى التي فيها عرضة للفساد على غرار اعضاء الجماعات المحلية والجباية والديوانة وقوات الامن الداخلي ومنهن التفقد كما شملت مهنا اخرى بغاية حماية هذه المهن من الفساد وفي هذا السياق تمت اضافة الصحفيين والإعلاميين وأصحاب المؤسسات الإعلامية لهذه القائمة. وتقدم التصاريح بالمكاسب والمصالح لهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وتتولى الهيئة التقصي فيها والتحقق منها لكن مشروع القانون ميز بين كيفية التعامل مع التصاريح: فالهيئة مطالبة وجوبا بالتثبت من صحة التصاريح المقدمة لها من الأشخاص الذين نص عليهم الدستور اما بقية الأشخاص الواردين في قائمة المشمولين بواجب التصريح فانها تقوم بمراقبة عينات منها. وبمقتضى الصيغة التي صادق عليها نواب الشعب يقع تجديد التصاريح كل ثلاث سنوات. ولحماية المعطيات الشخصية والحيلولة دون التسريبات صادق النواب امس على فصل يعاقب بمقتضاه بالسجن مدّة عام و بخطيّة ماليّة من مائة إلى ألف دينار، كل من تعمّد دون موجب بأي وسيلة كانت وبشكل مباشر أو غير مباشر، كشف مضمون التصاريح، جزئيّا أو كليّا، بشكل يتعارض مع أحكام القانون. ولا يحول ذلك دون تسليط العقوبات التأديبية إذا كان موظفا عموميا ويكون العقاب بالسّجن مدّة عام في صورة العود، والمحاولة موجبة للعقاب. وتضمن مشروع القانون عقوبات تسلط على من لا يحترمون واجب التصريح وإجراءاته وهي تختلف حسب الصنف فهناك من تسط عليهم خطية مالية من الف الى عشرة الاف دينار وهناك من يتم اقتطاع ثلثي مرتبه او المنحة المسندة اليه عن كل شهر تأخير.. فالعقوبات قدرت حسب طبيعة الوظيفة. وعلى سبيل الذكر نص مشروع القانون في صيغته النهائية على ان يعاقب بخطية ب300 د عن كل شهر تأخير كل من يمتنع عن التصريح بمكاسبه ومصالحه إثر انتهاء مهامه. وإذا تواصل التأخير لمدة 6 أشهر يكون العقاب بالسجن لمدة سنة وبخطية بعشرين ألف دينار، ويعد الامتناع عن التصريح قرينة على توفر شبهة إثراء غير مشروع ويتعيّن على هيئة مكافحة الفساد مباشرة إجراءات التقصي والتحقق بشأنها. وإذا كان الممتنع من المنتخبين يضاف إلى العقوبات المذكورة عقوبة الحرمان من الترشح للوظائف العامة لمدة خمس سنوات. كما يعاقب كل من يتعمد تقديم تصريح مغلوط بإخفاء حقيقة مكاسبه أو مكاسب قرينه أو أبنائه القصر أو مصالحه بخطية مالية تساوي عشرة أضعاف المكاسب التي تم إخفاؤها ويعد ذلك قرينة على توفر شبهة إثراء غير مشروع الذي يخول للهيئة مباشرة إجراءات التقصي والتحقق بشأنها. تضارب المصالح لتلافي تضارب المصالح، عرف مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب بموافقة مائة وستة وعشرين نائبا ودون اعتراض واحتفاظ وحيد هذا المصلح على اساس انه الوضعية التي يكون فيها للشخص الخاضع لأحكام القانون مصلحة خاصة مباشرة أو غير مباشرة يستخلصها لنفسه أو لغيره تؤثر أو من شأنها أن تؤثر على أدائه الموضوعي والنزيه والمحايد لواجباته المهنية. وضبط المشروع اليات للتوقي من تضارب المصالح وذلك بمنع اشخاص معينين من اخذ قرارات او حضور مداولات او مشاركة في التصويت بالنسبة للنواب على مسائل لهم فيها مصالح شخصية كما اوجب القانون على اصناف معينة في صورة امتلاكهم اسهم او حصص في شركات بتكليف جهة أخرى بالتصرف فيها ومنع بعض الأشخاص من تقديم استشارات لشركات تعمل في مجالات تحت إشرافهم. وللتوقي من «الاموال التي تعطى للبعض تحت الطاولة»، نظم مشروع القانون كيفية التعامل مع الهدايا. وعرف الهدية على انها كل مال، منقول أو عقار، أو فائدة أخرى مهما كانت طبيعتها، يتحصل عليه الشخص الخاضع لقانون التصريح بالمكاسب والمصالح، في إطار ممارسة مهامه، دون مقابل أو بمقابل أقل من قيمته الحقيقية. وسمح مشروع القانون بقبول هدايا من جهة عمومية او خاصة في الحالات التالية: الهدايا الرمزية التي لا تتجاوز قيمتها التقديرية حدا يضبط بمقتضى امر حكومي بعد اخذ راي الهيئة. الهدايا التي تقدم لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واعضائها ورئيس واعضاء مجلس نواب الشعب ورؤساء واعضاء الهيئات الدستورية المستقلة والسفراء والقناصل العامين في مناسبات رسمية وفقا للأعراف الجارية واعتبارات المجاملة. وباستثناء الهدية التي لا تتجاوز قيمتها التقديرية الحد اللازم يجب على الاشخاص الخاضعين لقانون التصريح بالمكاسب والمصالح اعلام الهيكل العمومي الراجعين اليه بالنظر بكل هدية يتلقونها وبالجهة المانحة. ويتولى الهيكل العمومي تسجيل الهدية بدفتر خاص يمسك للغرض. ويعاقب من يقبل هدية بخلاف ما نص عليه القانون بخطية تعادل مقدار الهدية وذلك مع مصادرة الهدية. الإثراء غير المشروع تضمن مشروع القانون في صيغته النهائية أحكاما خاصة بالإثراء غير المشروع وعرفه على انه كل زيادة هامة في مكاسب الشخص الخاضع لأحكام قانون التصريح بالمكاسب والمصالح تحصّل عليها لفائدته أو لفائدة من تربطه به صلة أو زيادة ملحوظة في حجم إنفاقه تكونان غير متناسبتين مع موارده ولا يستطيع إثبات مشروعية مصدرهما. وبناء على مضامين الفصول التي صادق عليها النواب خلال جلستهم العامة يمكن الإشارة الى انه تم التنصيص على ان يعاقب بالسّجن مدّة ستّ سنوات وبخطيّة تساوي قيمة المكاسب غير المشروعة كلّ مرتكب لجريمة الإثراء غير المشروع. كما تحكم المحكمة في نفس الحكم بمصادرة جميع المكاسب المنقولة أو العقارية والأرصدة المالية أو بعضها للمحكوم عليه المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جريمة الإثراء غير المشروع ولو انتقلت إلى ذمة مالية أخرى، سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو تم تحويلها الى مكاسب أخرى، مع مراعاة حقوق الغير حسن النيّة. وتحكم المحكمة بحرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف العامة ومن حق الانتخاب والترشح لمدة عشر سنوات. وتقوم هيئة مكافحة الفساد بمهمة التقصي والتحقق في شبهات الإثراء غير المشروع ولم يتم الاقتصار على ذلك بل تم التنصيص على ان تتعهد النيابة العمومية بالنظر في دعوى الإثراء غير المشروع، بناء على إحالة من الهيئة أو بكل وسيلة من وسائل إثارة الدعوى العمومية المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية. وأعفى مشروع القانون كل من يبادر بالتبليغ عن جرائم اثراء غير مشروع من العقوبة باستثناء مصادرة المكاسب غير المشروع وجاء هذا الإجراء للتشجيع على التبليغ عن جرائم الإثراء غير المشروع. وبالمصادقة على مشروع قانون «من أين لك هذا؟» تم استكمال الترسانة التشريعية المتعلقة بمكافحة الفساد. لكن يبق الأهم من إصدار القوانين تطبيقها وإيجاد الآليات الضامنة لنفاذها العاجل من قبيل التسريع في إصدار النصوص التطبيقية حتى لا تبق التشريعات حبرا على ورق.