بعد بضعة أيام تمر خمس سنوات على اغتيال الشهيد محمد البراهمي فيما مرت خمس أخرى على اغتيال الشهيد شكري بلعيد دون التوصل إلى كشف كل الحقائق ذات العلاقة بالجريمتين بما يجلي الغموض الذي يبدو أن المدبرين بصدد النجاح في بقائه أبديا ما دامت القضيتان المعروضتان على القضاء تراوحان مكانهما. ولقد كشفت الندوات التي تعقد بين الفينة والأخرى لتسليط الضوء على سير القضيتين عن أن الطريق إلى الحقيقة مازال طويلا لتستمر معاناة عائلتي الشهيدين فيما تتعدد علامات الاستفهام وتكثر التساؤلات عن لغز الجريمتين المثير للجدل بالنظر إلى كل ما قيل ويقال خارج المجال القضائي. إن بقاء القضيتين في الدائرة السياسية لا يعود إلى الصبغة السياسية لعملتي الاغتيال بل أيضا لأن عديد الأصوات مازالت تؤكد على وجوب وجود إرادة سياسية واضحة لكشف الحقيقة خاصة أن الأمين العام لحزب حركة الشعب زهير حمدي اعتبر أمس أن حقيقة اغتيال البراهمي "لم تكشف بعد ولن تكشف طالما هناك توافق بين حزبي النهضة والنداء". والحقيقة التائهة، على ما يبدو، لن تكون قدر قضيتي الشهيدين بلعيد والبراهمي فقط فحتى قضية اغتيال الشهيد محمد الزواري تشهد هي الأخرى عسرا في التوصل إلى تحديد هوية مدبري الجريمة والجهة الرسمية التي تقف وراءها رغم الإعلان منذ فترة عن التعرف على هويتي قاتلين والقبض على أحدهما في كرواتيا. والإقرار بأن لكل قضية خصوصياتها وظروفها وسياقاتها لا يعفي من المطالبة المتواصلة بالكشف عن كل الحقائق بناء على جملة من الاعتبارات أهمها أن تونس ليست أرض جرائم سياسية ولن تصبح كذلك وأن بقاء ملفات تلك القضايا مفتوحة من شأنه خلق جملة من الإشكاليات المؤثرة على الاستقرار السياسي الداخلي ومستقبل البلاد في علاقة بالقوى الإقليمية في المنطقة العربية. سلسلة من الطلقات النارية تنهي حياة ثلاث شخصيات تونسية في وضح النهار ليس بالأمر الهين على مختلف الأصعدة لكن المطالبة بالكشف عن الحقيقة لن تتوقف مهما كان سير الملفات ومآلاتها فما حدث ما كان أن يحدث والخسائر كثيرة تتجاوز، بالتأكيد، أرواح الشهداء الثلاثة.