استكمال لصفقة القرن أم استمرار في الاستهانة بالعرب؟... "الديموقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، أو هذا على الاقل ما ظل الغرب يتباهى به في دفاعه المستميت عن كيان الاحتلال الإسرائيلي... هذا الكيان الذي تبنى بالأمس قانون القومية العنصري وبذلك يدوس على حق المواطنين الاصليين وأصحاب الارض الذين فرض عليهم أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في دولة القومية اليهودية المنبثقة من الاسطورة الدينية اليهودية على حساب حق الشعب الفلسطيني في الوجود والبقاء والحرية... انها الخطوة المتبقية لاكتمال صفقة القرن التي مهد لها الرئيس الامريكي دونالد ترامب بإقراره منح ما لا يملك لمن لا يستحق أسوة بوعد بلفور اللئيم، وإصراره على الاستخفاف بما بقي من شرعية دولية ونقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدسالمحتلة الخاضعة للتدويل منذ عقود، وهو القرار الذي شجع كيان الاحتلال ومنحه الضوء الأخضر لمواصلة سياسة الاستخفاف بالعدالة الدولية وإقرار قانون القومية العنصري بعد عقود من التأجيل... طبعا لا معنى بعد هذا القرار لاستعراض بيانات التنديد والاستنكار التي لن تغير من الامر الواقع، ولكن لا مجال أيضا للاستخفاف بدور عرب الداخل أو فلسطيني ال48 الذين يمثلون اكثر من مليون ونصف فلسطيني داخل الخط الأخضر، ودور النواب العرب في الكنيست الاسرائيلي الذين لم يدخروا جهدا في رفض القرار العنصري والتنديد به وقد وقفوا يمزقون نصه أمام النواب الاسرائيليين المتصهينين.. هذا القرار الذي يعني تطبيق رؤية هرتزل يهدف، الى جانب اقرار دولة قومية يهودية، الى فرض الخناق على عرب الداخل الذين تمسكوا بحق البقاء وظلوا شوكة في حلق الاحتلال الاسرائيلي وسدا منيعا أمام محاولات تفريغ القدس وتهويدها. وبعد أن كان عدد عرب الداخل لا يتعدى ال160 ألفا، تجاوزوا خلال العقود الماضي المليون ونصف فلسطيني بحيث باتوا يمثلون سلاحا ديموغرافيا يحتم على الكيان الاسرائيلي المحتل أن يحسب لهم ألف حساب وحساب. سيكون من الغباء الاعتقاد أن قرار الدولة القومية لا يهدف بالدرجة الاولى الى سحق الوجود العربي الفلسطيني واعلان دولة قومية للشعب اليهودي... ولهذا استهدف القضاء على اللغة العربية كلغة رسمية الى جانب العبرية منذ نشأة هذا الكيان من رحم الاممالمتحدة التي سيتمرد ويتطاول عليها قادة اسرائيل... الاكيد أن قانون ناتنياهو بإعلان دولة قومية يهودية، وعلى عكس ما يذهب اليه الكثير من الفلسطينيين، لم يكشف الوجه الحقيقي للكيان الاسرائيلي القبيح، فهذه مسألة واضحة وضوح الشمس منذ نشأة هذا الكيان على وقع جرائم الابادة الجماعية من قبية الى القدس والخليل... ولكنه جاء ليعزز القناعة بهذه الحقيقة ويسقط بقية من أوهام بشأن رغبة حكام اسرائيل المتعاقبين بتحقيق السلام ووعودهم العبثية بإعلان دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل وهي الوعود التي لا يمكن أن يكون لها موقع في ظل دولة الابرتييد العنصرية... والحقيقة اليوم أيضا أنه مع هذا القرار يتضح الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الفلسطينيون ومعهم كل الذين صوتوا لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379 الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية بدعم امريكي اسرائيلي تمهيدا لمفاوضات السلام التي نهبت الارض وفرضت سياسة الامر الواقع وجعلت القضية الفلسطينية مجرد رقم وعنوان لقضية انسانية تتسول المساعدات الغذائية والملجأ للمهجرين والمشردين... وحتى ندرك خطورة القرار الاسرائيلي العنصري فقد وجب الاشارة إلى أنه ينص على أن "دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي"، وأن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة التي تؤدي الى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط، و"القدس الكبرى والموحدة عاصمة إسرائيل"، ما يعني صراحة فتح أبواب الهجرة لليهود من كل انحاء العالم والاستعداد لطرد ة تهجير السكان الفلسطينيين الاصليين العرب مسلمين ومسيحيين... فتلك هي أسس "الديمقراطية الصهيونية" التي تحظى بدعم وتأييد وحماية لامشروطة من الغرب وتعزز محرقة القرن القادمة... كيف سترد السلطة الفلسطينية؟ وأي بديل لحركة "فتح" ولجامعة الدول العربية والمنظمات الحقوقية الدولية؟... تلك مسألة لا تستحق الاجتهاد لاستقراء الجواب والذي يجب انتظاره من أبناء الشعب الفلسطيني المتمسك بما بقي من الأرض، وتلك الفئة التي ترفض القاء المنديل وتصر على مواصلة المعركة سواء من خلال مسيرات العودة أو من داخل الكنيست الاسرائيلي رغم كل القيود والضغوط ومحاولات الالغاء وكل الجرائم التي تسعى لشطبهم من التاريخ، لكنها ما انفكت في كل مرة تجعلهم العنوان الأبرز وخيط الأمل المتبقي الذي ينير تاريخ العرب الغارق في القتامة والانهيار...