عقدت لجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال أمس بمقر مجلس نواب الشعب لقاء مع ناجي جلول المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية. وقدم جلول بمعية الفريق المصاحب له للنواب، نتائج الدراسة التي أعدها المعهد تحت عنوان « الإرهابيون العائدون من بؤر التوتر في السجون التونسية» وشملت ألف وستين من المحكومين في قضايا ارهابية. وذكر أن هذه الدراسة كشفت أن الشباب المعنيين بها كانوا في بيئة مهيأة ثقافيا واجتماعيا وحضاريا للارهاب، وأن جزءا كبيرا منهم شاركوا في الثورة ثم اقتنعوا فيما بعد بفشلها وساهمت خيبة أملهم تلك في استقطابهم من قبل الجماعات الارهابية، كما أنهم يعتقدون أن تونس ليست دولة مسلمة بل دولة تحارب الاسلام والمسلمين وقد تأثروا بأحداث 11 سبتمبر وبغزو العراق. وأضاف جلول ان الدراسة كشفت عدم ثقة هؤلاء في الدولة فهم يعيشون علاقة صدامية معها كما بينت انهم متخرجون من عالم مهمش وهناك 88 بالمائة منهم انصاف متعلمين و43 بالمائة انقطعوا عن الدراسة في مرحلة الثانوي و24 بالمائة انقطعوا في مرحلة الابتدائي و42 بالمائة غادروا الدراسة بسبب الفشل و13 بالمائة انقطعوا لاعتقادهم بعدم جدوى الدراسة و14 بالمائة غاروا لعجز في توفير المستلزمات المدرسية. وذكر جلول ان ستة واربعين بالمائة من المستجوبين لديهم سوابق في استهلاك المواد المخدرة ويرغب العديد منهم في الحرقة. وعن نظرتهم الى المستقبل قال المدير العام للمعهد انهم متخوفون منه أما نظرتهم للمرأة فهي نظرة دونية فهم يعتبرون ان المكان الطبيعي للمرأة هو في البيت. وإضافة إلى ذلك فإن إحساسهم بالمواطنة ضعيف ولديهم ولاء ديني أكثر منه الى الوطن ولاحظ جلول ان علاقات هؤلاء بعائلاتهم وطيدة وهذا يمكن أن يشكل خطرا، كما انهم يحملون مفاهيم خاطئة عن السياسة والدين ولعبت الفضائيات التلفزية دورا كبيرا في تحويل هذا الشباب من شباب محافظ الى شباب متطرف. دراسة علمية قدمت الباحثة آمنة بن عرب بسطة ضافية حول مضامين الدراسة، وأكدت أنها دراسة عملية في منهجيتها وأهدافها وليست لها اهداف سياسية وكل أعضاء فريق البحث ليس لهم أي انتماء سياسي طيلة فترة البحث. وترمي الدراسة الى تقييم مخاطر العائدين من بؤر التوتر وانطلقت من تساؤل مفاده لماذا تونس هي التي انتجت هذا العدد المهول من الشباب الذي تحول الى بؤر التوتر رغم انها بلد التعليم والتفتح. وقدرت السلطات حسب قول بن عرب أن عدد الارهابيين في بؤر التوتر في حدود ثلاثة الاف لكن هناك دراسات اخرى تقول إن عددهم يصل إلى ستة آلاف، وهو رقم صادم يطرح العديد من التحديات اهمها تحدي عودة الارهابيين وفي علاقة بهذا التحدي هناك ثلاثة سيناريوات مطروحة اولها السيناريو الذي تريده روسا وايران وسوريا ويتمثل في القضاء عليهم تماما، وهناك سيناريو آخر تدعو اليه الولاياتالمتحدة ويتمثل في توجيههم الى بلدان اخرى خاصة ليبيا اما السيناريو الذي تروج له الأممالمتحدة فيتمثل في رجوع المقاتلين الى بلدانهم ويعد هذا السيناريو الاكثر خطرا على تونس لان المقتلتين اكسبهم وجودهم في بؤر التوتر قدرات قتالية عالية وقدرة على التفاعل مع الخلايا الارهابية النائمة. وذكرت بن عرب أن الهدف من الدراسة هو معرفة اسباب تحول هؤلاء الارهابيين الى بؤر التوتر والجهات التي انتدبتهم هل تعرضوا الى عمليات غسل دماغ وهل هناك تواطؤ من جهات سياسية لتسفيرهم. واضافت ان القانون لا يسمح لهم كفريق بحث الا باستجواب من تم الحكم عليهم حكما باتا وبينت أنه تم اعتماد الاستجوابات الفردية ل 82 سجين ارهابيا كما تم القيام بمحادثات جماعية لهم في اطار فرق وتم اعتماد محاضر استنطاق لعائدين من سوريا. وذكرت ان المعطيات التي تم جمعها مكنتهم من تبين أن خمسة واربعين من المجندين ينتمون الى فئة الشباب و74 بالمائة غير متزوجين و88 بالمائة من انصاف المتعلمين واغلبهم ينتمون الى الفئات الاجتماعية الاضعف وهم يقطنون في احياء مهمشة وأثرت الهشاشة الاجتماعية التي يعيشونها على نفسياتهم. وفسرت بن عرب أن المقاتلين يعملون في السجون على فرض نمط أخلاقوي معين على بقية السجناء برفضهم برامج تلفزية والتدخين والكلام البذيء. ولاحظت ان المساجين في قضايا ارهاب لهم ارتباط كبير بعائلاتهم فهذه الأخيرة تؤدي زيارات منتظمة لهم، اما الاحياء التي يقطنون فيها فإنها تحتفي بهم وتذبح لمن يعودون منهم الخرفان وتقيم «زردة» وهو ما يبين وجود حاضنة شعبية لهؤلاء. ندم لاحظت بن عرب ان العديد من الارهابيين قالوا انهم نادمون وإنه تم التغرير بهم لكن الفكر المتطرف متغلل فيهم. وأضافت أن علاقتهم بالوطن هي علاقة صدامية لكن عائلاتهم توفر لهم الدعم وهي ملاذهم الاخير اما نظرتهم للمستقبل فتتراوح بين رغبة في الاستقرار وبين تخوف من المعاملات الامنية والاجتماعية السيئة لاحقا فهم يخشون من المراقبة الامنية اللصيقة بعد الخروج من السجن. وذكرت بن عرب ان الارهابيين يتفقون على ان الاسلام دين تسامح لكنهم في المقابل يقولون ان عنف داعش والجماعات الارهابية واجب لكف الاذى عن الاخوة في الاسلام كما انهم يبررون الهجوم على المدنيين بأن المدنيين يدفعون الضرائب لتمويل حكومات فاسدة. وبخصوص نظرتهم للمرأة قالت الباحثة انهم يريدونها في البيت ولإنجاب جيل جديد من المجاهدين ويريدون اللباس الشرعي وهناك من يربطون المشاكل الاقتصادية للبلاد بخروج المرأة للعمل وجميعهم يؤيدون تأييدا تاما تعدد الزوجات. وأضافت انهم يعتبرون فترة 2012 فترة العصر الذهبي للحرية لكن اثر 2013 وبعد منع تنظيم انصار الشريعة تم ضرب حرياتهم لذلك التجأ العديد من إخوتهم للسفر الى ليبيا وسوريا لممارسة معتقداتهم. وهم يرون الغرب كافر وهو المتسبب في المشاكل التي يعانيها العالم الاسلامي ويقولون ان الولاياتالمتحدة تقود المؤامرة ضد الاسلام. وذكرت بن عرب ان الارهابيين تم استقطابهم في المساجد وهم من المتابعين للقنوات التلفزية ذات النفس الديني ويرون ان ما فعلوه غير خارق للقانون لان الحكومة قطعت العلاقات مع بشار الاسد ولأنه تم عقد مؤتمرا لأصدقاء سوريا في تونس ، اما المرحلة الموالية بعد الاستقطاب فهي مرحلة التحول الى بؤر التوتر التي تنطلق بتمكينهم من ارقام هواتف الاطراف التي ستحتضنهم وبمساعدتهم على اقتناء وثائق السفر وتمكينهم من الاموال وهم يتحولون الى تركيا ويتوجهون عبر الحدود البرية الى سوريا. وتحدثت بن عرب أمام نواب اللجنة عن مخاطر عودة الارهابيين، وقالت ان هؤلاء لهم قدرات قتالية هائلة وقدرات على التفاعل مع الخلايا النائمة وأضافت أن الخطر لا يقتصر على الجانب الامني فهذا الجانب مقدور عليه لكن اهم خطر هو مأسسة الفكر المتطرف وتجذره في المجتمع. وخلصت بن عرب الى تقديم توصيات الدراسة وذكرت ان هناك منها ما يدخل في اطار الوقاية وهو يهم الجانب الاستباقي والاستخباراتي وهناك اجراءات تتعلق بالتربية والثقافة والتثقيف الديني ومتابعة تجارة الكتب الدينية ومراقبة مواقع الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي التي يستعملها هؤلاء كما يجب دعم اجراءات المراقبة والمتابعة بالتنسيق مع عائلاتهم.. وهناك على حد قولها اجراءات اقتصادية يجب القيام به في اطار خطة شاملة لمكافحة البطالة.