مازال الدينار التونسي يتعرض لضربات قاصمة مع تواصل انزلاقه مقابل العملات الأجنبية المرجعية ليصل حتى يوم أمس إلى حدود ال3.140 د مقابل الأورو و2.658 د مقابل الدولار الأمريكي، واثأر هذا الانزلاق المتواصل الذي وصف بالتاريخي مخاوف العديد من المختصين في الشأن الاقتصادي والمالي. من ذلك، بين عز الدين سعيدان الخبير الاقتصادي والمالي أنّ هذا الوضع سيؤدي إلى اختلال التوازن بين قيمة الواردات والصادرات مما سيؤثر على الميزان التجاري الذي سيشهد تفاقما كبيرا في العجز. وأشار سعيدان إلى أن انزلاق الدينار سيزيد من كلفة الدين الأجنبي الذي بلغ حدود ال56 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وسيرفع أكثر في قيمة التضخم المالي، مبينا أن هذه الوضعية ستضع البلاد في دوامة خطيرة خاصة إذا ما تواصل هذا الهبوط مقابل صعود قيمة العملات الأجنبية. كما سيعكس تواصل انهيار الدينار ضعف عملتنا المحلية وبالتالي استمرار الأزمة الاقتصادية الهيكلية التي أصبحت آثارها واضحة للعيان من أهمها ارتفاع نسبة التضخم التي ناهزت ال7.7 بالمائة، وارتفاع نسبة الفائدة إلى حدود ال6.7 بالمائة، والأخطر هو تفاقم توسع العجز التجاري الذي بلغ في الفترة الأخيرة حدود ال16 مليار دينار. كما أن تدهور الدينار سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة المقدرة حاليا بنسبة 15.6 بالمائة بعد قرار إغلاق باب الانتدابات كليا لسنتي 2018 و2019 وحتى إلى ما بعد، فضلا عن ضعف الاستثمار الخاص الذي بينه التقرير الأخير الصادر عن وكالة النهوض بالصناعة والتجديد خلال الثلاثية الأولى من السنة الجارية وفيه تقلص الاستثمار الصناعي بنسبة 35 بالمائة وبنسبة 55 بالمائة في الاستثمار في الخدمات. وفي ما يتعلق بأسباب هذا الهبوط الخطير للعملة المحلية، علّل عدد هام من المتدخلين في سوق الصرف هذه الوضعية الحرجة بأن الدينار التونسي يشهد انتكاسة غير مسبوقة وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في تونس في عدة مستويات لاسيما من خلال انخفاض نسبة النمو خاصة أن مداخيل البلاد من العملة الصعبة في تناقص ومصاريفها من هذه العملة في تزايد. إلى جانب وجود مؤشرات خطيرة ومشاكل هيكلية في الاقتصاد كالتضخم المالي الذي انعكس بالسلب على مستوى العرض والطلب في السوق، فضلا عن تواصل تراجع التوازنات الخارجية المرتبطة بارتفاع العجز التجاري نتيجة ضعف نمو الصادرات في بلادنا وتراجع نمو شريكنا الاستراتيجي الاتحاد الأوروبي وضعف طلبه على صادراتنا. وأمام التوقعات الكبيرة بتواصل تدني سعر الدينار، تبقى أهم الحلول هي ضرورة الاهتمام بالقطاعات المدرة للعملة الأجنبية على غرار قطاع الفسفاط والمناجم والعمل على تحسين نسق الصادرات خاصة في منتجات التمور وزيت الزيتون واستقطاب أكثر ما يمكن من موارد جديدة من العملة الصعبة من خلال الاستثمار الخارجي وتحسين مردودية القطاع السياحي حتى لا تفقد عملتنا المحلية قيمتها النقدية في سوق الصرف.