مازالت تأثيرات انزلاق الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية تلقي بظلالها على مسارات الاقتصاد في البلاد، لاسيما تلك التي ترتبط بالعملة الصعبة وعلى رأسها المبادلات التجارية فيما يتعلق بأنشطة التوريد خاصة. وقد سجل سعر صرف الدينار التونسي مؤخرا تراجعا تاريخيا، حيث وصل سعره مقارنة بالأورُو إلى 2.2989 دينار تونسي وإلى 1,6733 دينارا تونسيا مقارنة بالدّولار الى غاية العاشر من الشهر الجاري. ومن ابرز المسارات التي تأثرت جرّاء هذا الانزلاق هي الواردات التونسية التي تعاني منذ مدة من صعوبات كبرى ومن المنتظر أن يغذيها الانهيار المتواصل للدينار. ويذكر أن الواردات التونسية عرفت ارتفاعا ملحوظا بزيادة تقدر بنسبة 4.7 % خلال السنة الحالية مقابل -1.8 % في السنة الفارطة. وهذه الزيادة ناتجة عن ارتفاع في حجم واردات عديد القطاعات وخاصة منها المواد الغذائية بنسبة تناهز ال 11.5 % وواردات المواد الاستهلاكية غير الغذائية بنسبة تصل الى 12.1 % نذكر منها المواد الصيدلية بنسبة 23.5 % والمصنوعات البلاستيكية بنسبة 13.4%. كما سجلت الواردات تطورا في قطاع الطاقة بنسبة 3.3 % وقطاع المواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 2.1 % في حين يتواصل التراجع على مستوى واردات مواد التجهيز بنسبة 2.2%. أما على مستوى المبادلات التونسية مع الاتحاد الأوروبي فقد بلغت الواردات ما قيمته 2088.9 مليون دينار مسجلة بذلك تطورا إيجابيا بنسبة 8.0 % مقابل 4.9 % في نفس الفترة من السنة الماضية. وقد سجلت الواردات مع فرنسا تطورا بنسبة 17 % وإيطاليا بنسبة 5.2 % وألمانيا بنسبة 9.1%. وأرجع مراد الحطاب، الخبير في المخاطر الاقتصادية، اسباب الانزلاق الحاد الذي يعرفه الدينار التونسي اليوم الى العجز الكبير في الميزان التجاري وضعف موارد الدولة الى جانب الحوكمة الاستثنائية المعتمدة بالخصوص الموارد الخارجية وتفاقم عجز تسديد فائض الدين، بالإضافة الى الإخلالات الهيكلية الموروثة منذ سنوات فيما يتعلق بالتصرف وبتسيير الدينار. غير ان انحدار العملة في الدورة الاقتصادية وضعف الإيرادات وانخفاض التدفق التصديري وتدهور المؤشرات المالية قد أدى الى تطور الطلب على الدينار للإيفاء بالحاجيات الأساسية. وهذه الوضعية حسب الحطاب سوف تؤدي الى الوقوع في مشكلتين أساسيتين: الاولى تتعلق بارتفاع فائض خدمة الدين باعتبار ان تونس تقترض وتستورد بالعملات الأجنبية وهو ما سيؤثر بالتالي على المقدرة الشرائية، وكذلك على جيب المواطن خاصة ان تونس تحتل المراتب الأخيرة في الترقيمات العالمية، كما انها على "وشك الإعلان عن عدم قدرتها على إيفائها بالتزاماتها على مدى الثلاث سنوات القادمة". واضاف الحطاب ان هذا الوضع سوف يؤثر بصفة آلية على النسيج المؤسساتي في البلاد خاصة ان العديد من المؤسسات التونسية تعتمد على الاقتراض بالعملة الصعبة، الى جانب القوانين التي أدرجت في مجلة الاستثمار والتي تفرض على أصحاب المؤسسات والمستثمرين بالاقتراض بالعملة الصعبة الشيء الذي سيؤدي الى ارتفاع الطلب على العملة الصعبة في سوق الصرف. والمشكلة الثانية تتعلق بالتحاق جحافل من المعطلين عن العمل بصفوف العاطلين في البلاد، لأن غلق العديد من المؤسسات الاقتصادية يسبّب الى تعميق أزمة البطالة. وحول التأثيرات المباشرة لهذا الانزلاق، أفاد مراد الحطاب بأن اسعار المواد الأولية سوف تشهد ارتفاعا ملحوظا عند البيع وعند الشراء وكذلك على مستوى الاستهلاك، وهو ما سيؤدي الى ارتفاع نسبة التضخم. وبين الحطاب فيما يخص المواد الاستهلاكية ان تونس بلد مورّد بامتياز ويشمل التوريد تقريبا أغلب المواد الاستهلاكية والأولية على اختلافها على غرار الأدوية والملابس الجاهزة والمواد الغذائية والمواد الأولية في قطاعات النسيج والالكترونيات... ومع انزلاق الدينارالتونسي من المؤكد أن ترتفع أسعار جلّ المواد وبالتالي سترتفع نسبة الفقرفي تونس التي تناهزاليوم ال 30 بالمائة لتصل الى 40 بالمائة وسوف يؤثرهذا الوضع بصفة مباشرة على المقدرة الشرائية للمواطن... ومن أبرز القطاعات التي سوف تتأثر من هذا الانزلاق الحاد للدينار التونسي حسب محدثنا هو قطاع السياحة الذي سوف يتعرّض الى المزيد من الضغوطات من قبل وحدات الاستقطاب العالمية باعتبارهم يتعاملون بعملة الدينار. وبالنظرإلى هذه الأرقام التي تخص الواردات والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعملة الصعبة وبالنزول الحاد الذي يعرفه الدينار التونسي اليوم، من المنتظر ان يشهد سوق الصرف اضطرابا وترتفع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية والاوليّة، خاصة أن كل التوقعّات تتنبأ بوصول هذا الانحدار الى غاية ال 2.5 مقابل الأورُو في الأيام القليلة القادمة.. جريدة "الصباح" الصادرة يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2013