لم تفقد أمينة فاخت شيئا من طاقتها الصوتية ولا من حضورها الركحي بل زادت نضجا رغم طول الفترة التي انقطعت خلالها عن الظهور والتي امتدت نحو عقد من الأعوام. ذلك هو الانطباع الذي تركته لدى جمهور مهرجان قفصة الدولي الذي انتشى أيما نشوة بما ردٌدته من أنغام طوال ساعة ونصف الساعة. التقت اذن ابنة قفصة بجمهورها الذي احتضنها بكل حب ليكون لقاء حميميا بأتم معنى الكلمة الشيء الذي ترجمته العواطف الجياشة والأحاسيس الفياضة النابعة من مشاغل أبناء البلد ومعاناتهم الدائمة من شحّ المياه وانعدامها في أغلب الأحيان رغم أن قفصة كان يطلق عليها اسم مدينة المياه حيث اعربت عن أسفها واستغرابها أثناء حفلها عما آلت اليه أوضاع «الترميل» و»وادي الباي « والعيون الجارية التي كانت تضخ الامل وتسكب الحياة في شرايين هذه المدينة الأزلية حيث لم تتردد في الاعراب عن جزعها الشديد حيال هذا الواقع البائس حين توجهت بالقول «أين المسؤولون .. لماذا الصمت ازاء ما يحدث في هذا البلد.. أين العلاج ولماذا تأخرت الحلول؟..» اذن لاح التجاوب مطلقا بين الفنانة امينة فاخت وجمهورها وذلك عبر ما رددته من اغان وما عبرت عنه من «قضايا» تمس مشاغل الجماهير الواسعة التي تدفقت على مسرح البرج الاثري مقلصة بذلك المسافة التي تفصلها عن جمهورها ومزيحة كل النواميس التي يتبعها بقية الفنانين ما جعلها تختص بأسلوب قل ان يضاهيها فيه أحد.. انطلق العرض بمقوطعة «عودة الروح» من اداء الفرقة الموسيقية التي قادها المايسترو محمد الاسود وهي من تلحينه أيضا لتليها الأغنية الوطنية المعروفة، «موعدنا أرضك يا بلدنا» وذلك تزامنا مع ذكرى عيد الجمهورية كما اردفتها بأغنية جديدة «يا بلادي» ثم العودة الى البدايات عبر اغنية «و لا مرة» و «سلطان حبك» و «على الله». الاغنية الاخيرة راقصت خلال ادائها عازف الناي ما الهب حماسة الجمهور الذي تمايل بدوره مع الأنغام وتماوج على المدارح. ملك عويج في الموعد وكانت الفنانة مُلك عويج (كريمة النجمة أمينة فاخت) قد اعتلت الركح وسط السهرة حيث استقبلها الجمهور بحفاوة ليستمتع بنغم فرنسي بعنوان l›hymne de l›amour قبل ان تعود امينة مجددا الى الركح لتواصل باقة اغانيها المقترحة حيث ادت - بطلب من الجمهور اغنية «على الجبين عصابة» ثم اغنية اخرى جديدة بعنوان «سلطانة الغرام» فعودة الى الاغاني القديمة التي تعد من التراث القفصي «ع الماشينة» فأغنية «اسألوا قلبي و عيني». أسلوب أمينة، الذي كما أسلفنا باتت تختص به عن سائر المطربين، تجسد من خلال حضورها الركحي حيث فاجأت الحضور بنزع حذائها بداعي الحرارة المفرطة لتفترش الارض ثم الجلوس على أحد الصناديق المعدة لحمل الآلات الموسيقية ومواصلة الغناء بكل ما لديها من طاقة لتلهب الاجواء حتى باتت المدارج كالمرجل حيث تمايل الجمهور ورقص على انغام «آه يا لالي» و «بجاه الله يا حب اسمعني» كما ردد معها اغلب اغانيها خلال ردهات الحفل فضلا عن الزغاريد التي اطلقتها النسوة والبنات فكانت بحق أجواء صاخبة امتزجت بالموسيقى وبالانغام. وفي الاثناء لاطفت امينة فاخت جمهورها وسألتهم مباشرة ان كانوا يريدون منها الزواج وامتلاك نصف دينها وذلك في تعقيبها على الزغاريد التي تعالت من المدارج واصفة اياها بالفأل الطيب الذي يحمل معه بشائر الافراح.. فهل نرى امينة فاخت مجددا في القفص الذهبي.. على كل حال شق الحفل أدراجه على ايقاع متسارع التحفت خلاله أمينة بعباءة سلاطين الطرب والتربع على عرش الأغنية التونسية..