شهد مخزوننا الوطني من العملة الصعبة مجددا تراجعا ملحوظا حتى بلغ أمس الأول حدود ال 10742 مليون دينار أي ما يعادل 70 يوم توريد، وبقي معدل تغطية الواردات يتأرجح بين ال 70 و71 يوم توريد في اليومين الأخيرين، مما يعكس من جديد أزمة النقص التي تعرفها مدخراتنا من العملة الأجنبية منذ ما يزيد عن الأربع سنوات. ومقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية، تراجعت قدرة بلادنا على تغطية وارداتها بالعملة الصعبة بوتيرة واضحة من 101 يوم خلال الفترة نفسها من سنة 2017، إلى عتبة 70 يوما حاليا وهي عتبة جديدة تشهدها بلادنا في ظرف وصف ب "الحرج" على جميع المستويات أهمها الاقتصادي. كما بلغت الأوراق النقدية والمسكوكات المتداولة في السوق يوم 30 جويلية الماضي حدود ال 12200 مليون دينار في حين بلغ الحجم الجملي لإعادة التمويل، بتاريخ يوم الجمعة 15901 مليون دينار. ويتزامن هذا النقص الكبير في العملة الصعبة مع تواصل انهيار الدينار التونسي الذي لم يتعاف بعد من الضربات المتتالية التي يتلقاها بين الفينة والأخرى حتى بلغ مؤخرا حدود ال 3.148 د مقابل اليورو و2.692 د مقابل الدولار الأمريكي، مما أثار مخاوف العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي حول التداعيات التي ستنجر عن هذا الانزلاق التاريخي للعملة المحلية والنزيف المتواصل لمدخراتنا الوطنية من العملة الأجنبية. ويُعد بلوغ احتياطي تونس من العملة الصعبة عتبة 70 يوم توريد أدنى معدل يسجله منذ بداية السنة الجارية بعد أن سجل الاحتياطي لأول مرة منذ عقود انهيارا تاريخيا وقياسيا منذ شهر ديسمبر 2017 بعد أن تجاوز خط ال90 يوما وهو المعدل العالمي لاحتياطي أي دولة يضمن لها استقرارا ماليا وقدرة على سداد الديون والتوريد والاقتراض.. وفسر خبراء المال والأعمال الانهيار المتواصل لمخزون العملة الصعبة بعجز البنك المركزي من خلال سياسته النقدية عن التحكم في نزيف العملة الأجنبية، كما لم تأت الإجراءات الحمائية التي أطلقتها الحكومة مؤخرا أكلها، تلك الإجراءات التي تهدف أساسا إلى ترشيد التوريد باعتباره السبب الرئيسي وراء تراجع المخزون، حتى اقترح العديد من المتدخلين في الشأن المالي أنه من الضروري توقيف التوريد نهائيا مع معظم المواد الكمالية والسماح فقط بتوريد الأدوية والمواد الأساسية والمحروقات . كذلك، لم تساهم التمويلات الخارجية الممنوحة لبلادنا من إنعاش خزينة الاحتياطي من العملة الصعبة، والذي كان آخرها القسط الثالث من القرض الممد من صندوق النقد الدولي بتاريخ 6 جويلية المنقضي. وأمام التوقعات الكبيرة بتواصل تدني سعر الدينار وتواصل نزيف العملة الأجنبية، تبقى الآمال معلقة على ما سيحققه الموسم السياحي الحالي من مداخيل بالعملة الصعبة، هذا القطاع الذي يعد من أهم القطاعات المدرة للعملة الأجنبية، خاصة أن عائدات السياحة ارتفعت بما يناهز ال 37 بالمائة بالدينار التونسي مقارنة بالسنة المنقضية بعد أن وفر موسم 2017 عائدات بقيمة 2.8 مليار دينار تونسي. كما يُنتظر أن تساهم العائدات المتوقعة من الصادرات التونسية في إنعاش المخزون الوطني من العملة الأجنبية بعد أن سجلت أرقاما قياسية مقارنة بالسنوات الأخيرة في مادتي التمور وزيت الزيتون.. كذلك من الضروري مزيد الاهتمام بالقطاعات الحيوية المدرة للعملة الأجنبية على غرار قطاع الفسفاط والمناجم والعمل على استقطاب أكثر ما يمكن من موارد جديدة من العملة الصعبة من خلال الاستثمار الخارجي والضغط على الواردات للتقليص من حدة الظرف الصعب الذي تعيشه سوق الصرف في البلاد. وفاء بن محمد