فقدت الساحة الثقافية التونسية الممثلة القديرة خديجة جرمود السويسي ليلة أول أمس بأحد المستشفيات بتونس العاصمة عن عمر يناهز 74 عاما بعد صراع طويل مع المرض كان سببا لتغيبها عن التمثيل والمشهد السمعي البصري. لتلتحق برفيق دربها في الحياة والفن الراحل المنصف السويسي بعد سنتين من وفاته. وتجدر الإشارة إلى أن انطلاقة الراحلة الحقيقية مع التمثيل كانت في قطاع الفن الرابع بالكاف وتحديدا منذ التحاقها بفرقة الكاف سنة 1961 أين قضت ثلاث سنوات هناك وهي مدة كانت كفيلة لتتلقى التكوين اللازم والكفيل بنيل شهادتي التخصص والاحتراف في المسرح لتلتحق إثرها بفرقة تونس للتمثيل وتدخل المشهد الثقافي والسمعي البصري من الباب الكبير بتقدم التجربة. وهي أصيلة مدينة جرجيس بالجنوب التونسي، وحبها للفن والتمثيل لم يمنعها من تحقيق مبتغاها في بداية الستينات من القرن الماضي. وتعد من بين الأسماء الفنية البارزة التي تصدرت قائمة الممثلين في المجال المسرحي والدرامي والسينمائي. ويعود لها الفضل في التعريف ب"شخصية" المرأة التونسية من خلال تقمص أدوار لشخصيات مختلفة من المجتمع التونسي خلال مسيرتها الطويلة والزاخرة بالأعمال. فاستطاعت أن تشد انتباه الجميع منذ بدايتها في الأعمال المسرحية التي قدمتها مع فرقة الكاف للمسرح لتصبح بفضل ذلك من الوجوه التلفزية وتدخل عالم الشاشة الصغيرة من الباب الكبير من خلال المشاركة في المسلسلات والأشرطة التلفزية التي أنتجتها التلفزة التونسية في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي ولتحافظ على موقعها لا بل تعززه في التسعينات باعتبارها الفترة التي شهدت نقلة نوعية في مستوى الانتاج الدرامي والسينمائي بشكل خاص. كما شاركت في بعض الأفلام العالمية، فضلا عن حضورها القوي في المسرح وتعاملها مع مختلف الأجيال والأنماط المسرحية التي ظلت راسخة في المشهد الثقافي. رصيد زاخر وما يحسب للراحلة أيضا أن جل الأعمال المسرحية التي شاركت فيها كانت من إخراج الراحل المنصف السويسي من بينها "مولاي الحسن الحفصي إضافة إلى أعمال مسرحية عديدة تصنف كمراجع وذاكرة لتاريخ المسرح في تونس على غرار "راشمون" و"قبل حين" للمخرج أنور الشعافي و"حال وأحوال" و"السندباد" و"الخادمات" و"الزير سالم" و"النساء في خطر" و"كل فول لاهي في نوارو" وغيرها من المسرحيات الأخرى. أما في الدرامية فقد شاركت خديجة الفقيدة في مسلسلين للمخرج حمادي عرافة الأول "للناس حكاية" في بداية التسعينات والثاني "ريحانة" في بداية الألفية الثانية و"الدوار" للمخرج عبدالقادر الجربي و"أمواج" لصلاح الصيد و"غالية" للمنصف الكاتب و"شمس وظلال" لحبيب الصيد والسلسلة الكوميدية "شوفلي حل" لصلاح الصيد فضلا عن رصيدها من الأعمال السينمائية في أفلام قصيرة أو طويلة على غرار الفيلم البريطاني الشهير "القراصنة" و"دار جواد" و"كان يا مكان". كما شاركت خديجة السويسي في عديد الأعمال الفرجوية والمسرحية الضخمة التي أنتجت خصيصا لافتتاح المهرجانات والتظاهرات الثقافية والمهرجانات الكبرى على غرار مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين. وبرزت الراحلة بغيابها على المشهد الثقافي والسمعي البصري في السنوات الأخيرة خاصة بعد رحيل رفيق دربها منذ سنتين وتدهور حالتها الصحية. وآخر عمل تلفزي شاركت فيه الراحلة كان سيتكوم "فاميليا لول" للمخرج نجيب مناصرية والمنتج محمد الحناشي تم تصويره سنة 2015 ولكن خلاف قائم بين المخرج والمنتج حال دون عرضه في تلك الفترة وتم عرضه في رمضان الماضي على التلفزة التونسية بعد التوصل إلى فض هذا الخلاف. لكن تقمصها دور "دوجة" في سلسلة شوفلي حل" من الأعمال التي قربت صورتها وشخصيتها للمشاهد التونسي.