يٌفترض أن التعليم مجاني فضلا عن كونه حق يكفله الدستور غير أن هذا الحق أضحى اليوم في الميزان جراء عوامل وظروف قاهرة تضرب عرض الحائط مبدأ مجانية التعليم، وتتمثل أساسا في الارتفاع المشط في أسعار مستلزمات العودة المدرسية التي دفعت ببعض الأولياء قسرا إلى إجبار أبنائهم على ترك مقاعد الدراسة نظرا لضيق الحال . وضعية تستوجب من جميع المتداخلين والقائمين على المنظومة التربوية من سلطة إشراف ونقابات ومنظمات مجتمع مدني إيجاد حلول عاجلة حتى يتسنّى تطويق المعضلة في ظل الارتفاع «الجنوني» لمستلزمات الدراسة. ذكر المستجوبون في نتائج المسح الوطني حول نظرة المواطن إلى الأمن والحريات والحوكمة المحلية لسنة 2017 -الذي نشره معهد الإحصاء على موقعه الرسمي يوم 24 أوت الجاري – ممّن لديهم أبناء ذكور لم يذهبوا قطّ إلى المدرسة (وجلهم من سكان الوسط غير البلدي) «أن السبب يعود أساسا إلى عدم قدرة الأسرة على تحمل مصاريف الدراسة بنسبة 32 بالمائة أما بالنسبة للأسر التي لديها بنات لم يذهبن قط إلى المدرسة فأكدت أن الأسباب تعود أساسا إلى عدم قدرة الأسرة على تحمل المصاريف بنسبة 51 بالمائة. وبالتوازي مع هذا المسح فقد كشفت منظمة إرشاد المستهلك أن أسعار المستلزمات المدرسية قد شهدت هذه السنة ارتفاعا بنسبة 30 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية . أرقام مفزعة تدفع إلى التفكير جديا في إيجاد حلول عاجلة للمصاريف المشطّة للعودة المدرسية التي أضحت فعلا عبئا يثقل كاهل الأولياء وكابوسا يقض مضاجعهم. من هذا المنطلق يرى كثير من الأولياء أن مستلزمات العودة المدرسية قد تجاوزت أسعارها الخطوط الحمراء لاسيما الكراسات اللولبية كبيرة الحجم والتي يبلغ سعرها 16 د للكراس الواحد داعين في هذا الصدد الإطارات التربوية إلى مراعاة تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين من خلال تجنب استعمال مثل هذه الكراسات. في تفاعله مع المسألة لا سيما المقترحات والحلول التي يراها ضرورية لتجاوز هذه المعضلة أورد رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرّياحي في تصريح ل»الصّباح» أن تكاليف العودة المدرسية هذه السنة حققت زيادة مٌشطّة قدّرت ب30 بالمائة مشيرا في السياق ذاته إلى أن المدرسة التونسية تٌسجّل كل سنة مغادرة ما يقارب 100 ألف تلميذ اقل من 16 سنة من مقاعد الدراسة . إلغاء الكراسات اللولبية وحول الحلول التي يراها المتحدث ضرورية حتى يتسنّى للولي تأمين مٌستلزمات العودة المدرسية اقترح الرّياحي أن تسن وزارة التربية قرارا يفضي بإلغاء استعمال الكراسات اللولبية كبيرة الحجم بالنظر إلى أن أسعارها مشطة فضلا على ضرورة التخلي عن اعتماد الأغلفة البلاستيكية للكراسات والتي يقدر ثمنها ب600 مليم للغلاف الواحد وتعويضها بالأغلفة البنية المعروفة بورق «كرافت» بالنظر إلى أن ثمنها يقدر ب30 مليما فقط. كما تساءل الرياحي من جانب آخر: لماذا يطلب بعض المربين من التلاميذ اعتماد كراسات كبيرة الحجم من نوع 72 في بعض المواد والحال أن التلميذ لا يستعمل إلا ثلثها داعيا في هذا السياق وزارة التربية والمربين إلى اخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار في ظل الغلاء الفاحش لأسعار الكراسات . من جهة أخرى أورد نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أكرم الباروني في تصريح ل"الصباح" أن المنظمة ستصدر قريبا دراسة تتعلق بتكاليف العودة المدرسية مشيرا إلى أن مصاريف العودة هذه السنة قد ارتفعت مقارنة بنتائج الدراسة التي أجرتها المنظمة السنة الماضية (والتي كشفت أن معدل تكلفة العودة المدرسية للتلميذ الواحد تفوق الأجر الأدنى المضمون «السميغ» الذي يقدر ب357 دينارا). وفسر المتحدث أن الارتفاع يشمل أساسا الأدوات المدرسية من محفظة وأقلام وكراسات موضحا انه طالما أن الأسعار حرة فانه يفترض أن تلعب المنافسة دورها من خلال إقرار زيادات معقولة دون أن تثقل من ميزانية المواطن. لا زيادة في أسعار الكتب تجدر الإشارة إلى أن وزير التربية حاتم بن سالم قد نفى في معرض تصريحاته الإعلامية ما راج مؤخّرا حول الزيادة في أسعار الكتاب المدرسي قائلا: «لم تقع أية زيادة في سعر الكتاب المدرسي»، مشيرا إلى أنه ستتم رقمنة البرامج والكتب المدرسية الخاصة بالمرحلة الابتدائية بداية من الموسم الدراسي 2021-2022 كما أنّه سيقع قريبا إحداث لجنة في الغرض.