تدفع مختلف المؤشرات المرافقة للتحولات في المشهد السياسي في بلادنا إلى تعزيز القناعة بأن لعنة الانقسامات باتت بمثابة الوباء الذي ينخر وان كان ذلك بدرجات متفاوتة، صورة ومصداقية النخب والأحزاب السياسية سواء منها الشريكة في السلطة أو التي في صفوف المعارضة، وقد جاء الإعلان عن ولادة الائتلاف الوطني بالتزامن مع انقضاء سنتين على فوز حكومة الشاهد أمام مجلس نواب الشعب بالثقة ليؤكد أن هذه اللعنة مرشحة للاستفحال طالما بقيت أسباب وجذور الوباء ذاتها قائمة. طبعا ربما يرى البعض أن في ولادة هذا التحالف السياسي الجديد الذي يجمع حتى الآن خمسة وثلاثين نائبا من المستقلين والمستقيلين من نواب كتل نداء تونس ومشروع تونس والوطني الحر بمثابة التكتل الجديد للأحزاب الحداثية التي تسعى إلى فرض التوازن المفقود في المشهد السياسي الراهن، وربما ذهب البعض إلى اعتبار هذا التكتل قادرا على إنقاذ المشهد الراهن وتجنيب الرأي العام الكثير من الاهتزازات والتجاذبات السياسية الحاصلة وارتداداتها الاجتماعية التي بلغت درجة الفوضى في أحيان كثيرة.. والأمر لا يتوقف عند حدود ما يحدث في بنقردان من تمرد على هيبة الدولة وسلطة القانون ممن احترفوا التهريب والعبث بمصالح البلاد الاقتصادية والأمنية، أو عند حدود فظاعات الإجرام ومنها جريمة قبلاط التي هزت الرأي العام. ولكن وهذا الأخطر عند ما نشهده من تدمير ممنهج للبلاد وللمؤسسات.. وربما وجب الإشارة أن عديد المساعي السابقة لتوحيد القوى الديموقراطية والحداثية التي جمعتها الدكتاتورية وفرقتها الديموقراطية لم يكتب لها الاستمرار وأجهضت قبل حتى أن يجف الحبر الذي دون خبر ولادتها، وفي ذلك ما يكفي لعدم استباق الأمور وتحميل الحدث أكثر مما يحتمل والتعويل على قدرة هذا الائتلاف في تغيير المشهد.. وبعيدا عن السقوط في فخ البحث عن الأسباب التي رافقت فشل تجارب الماضي لجمع صفوف القوى والأحزاب الحداثية، فان الواضح أن إغراءات الزعامة وهيمنة المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية تظل السبب الأبرز لهذا الفشل ولاستمرار حالة المراهقة السياسية التي ترفض أن تغيب عن العقلية المتنافسة في الساحة اليوم. وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأنها أحد أسباب أزمة الثقة والإحباط المستمر.. ولاشك أنه سيكون من السابق لأوانه أيضا التسليم بأن هذا الائتلاف سيكون بمثابة الحزام السياسي لتطلعات يوسف الشاهد الانتخابية المستقبلية. وفي انتظار خروج رئيس الحكومة عن صمته ومراوغاته وهو الذي يصر على اعتماد الإثارة والتشويق في كشف نواياه إزاء سباق الانتخابات القادمة فان الأرجح أن المشهد قد لا يتضح قبل 15 أكتوبر القادم بعد تقديم مشروع قانون المالية.. حتى الآن يعود التوافق بين حركتي النهضة والنداء بشأن ضرورة تحديد يوسف الشاهد خياره النهائي بين الحفاظ على منصبه في رئاسة الحكومة والتخلي عن خوض سباق الانتخابات القادمة وهو ما يجعل طموحات الشاهد في قبضة حسابات الشيخين. ومن المتناقضات الحاصلة أن يجد الشاهد نفسه في هذه المرحلة خارج عباءة النداء الذي جاء به إلى الحكومة لخلافة الحبيب الصيد ولكن أيضا خارج عباءة النهضة التي تعمدت إظهار الشاهد في وضع البيدق قبل إعلان مجلس شورى الحركة موقفه النهائي من ترشح الشاهد.. خلاصة المشهد اليوم، أنه سيكون لزاما على يوسف الشاهد أن يكون واضحا في تحديد خياره في الترشح للانتخابات الرئاسية، وهو حق يكفله الدستور لكل تونسي يستجيب لشروط الترشح ولكن سيتعين على الشاهد في هذه الحال مراجعة حساباته جديا والاعتراف أنه لم يأت من كوكب آخر بمعنى أنه نتاج وخيار نداء تونس في نهاية المطاف وأن بقاءه واستمراره يحتاج إلى وجود آلة دعائية حزبية تتبناه وتدعمه وتكون قادرة على خوض المعركة حتى النهاية ولا نخال الشاهد يتجاهل ذلك.. بمعنى أن ولادة ائتلاف وطني بالحجم المعلن لن يمنحه الدعم الذي يبحث عنه وأنه ربما آن الأوان لنداء تونس وللأحزاب والحركات التي انشقت عنه أن تسعى للاستفادة من أخطائها وتعيد ترتيب أولوياتها وأنه على كل الأحزاب والحركات الحداثية أن تدرك أنها لن تحقق الكثير في ظل استمرار هذا الانشقاق وأن المرحلة تحتم عليها جمع الصفوف والاستعداد للمرحلة القادمة وعدا ذلك فان الأسوأ قادم...