كما كان متوقعا تحولت إقالة وزير الطاقة أحمد قدور وطاقم المسؤولين معه بعد الإعلان عن إلغاء الوزارة إلى مزايدات علنية حولت وجهة القضية من شبهات فساد في واحدة من أخطر وأعقد قضايا الفساد المتعلقة بقطاع الطاقة الحيوي في اقتصاد البلاد ومصالح الأجيال المتعاقبة، إلى سوق للمساومات داخل الحكومة بكل ما يعنيه ذلك من استهداف لهيبة الدولة ومؤسساتها ولكن أيضا لرجالات الدولة ومسؤوليها . ... طبعا الأمر لا يتعلق بالتستر على الفساد والمفسدين ولا بالاستهانة أو تجاهل المتورطين مهما كانت مسؤولياتهم ومراتبهم، فالقاعدة في مثل هذه القضايا أن القانون يعلو ولا يعلى عليه. إلا أن الملاحظ أن ما حدث منذ الإعلان عن إعفاء وزير الطاقة والفريق الذي يفترض أنه تحت مسؤوليته أن التعتيم والبحث عن الإثارة كان سيد المشهد وقد زادت تدخلات الناطق باسم رئاسة الحكومة الطين بلة وهي التي افتقرت للإقناع والحجج وبدت اقرب إلى مشهد كاريكاتوري تحت شعار كلمة حق لا يراد به حق حتى لا نقول غير ذلك. بقية الفصول، وقد اتضحت للعيان، تحولت إلى معركة مواقع ولعبة مصالح علنية بدافع إغراءات السلطة.. والنتيجة أن أسرار الدولة ومصالح البلاد تعرض على قارعة الطريق بعد انتهاك ما يعرف بحرمة وأمانة المجالس. قد يكون الوزير المقال أحمد قدور اندفع نتيجة الإحساس بالضيم إلى الكشف عما يفترض أنه من أسرار الدولة ووقع بذلك في المحظور ولكن الأكيد أيضا أن خطيئة يوسف الشاهد كانت أكبر . الأكيد أن رئيس الحكومة لم يجانب الصواب في إعلانه الحرب على الفساد والإرهاب منذ تدشينه القصبة قبل سنتين ولكنه أخطأ حتما عندما جعل المزاجية والانتقائية إستراتيجيته لتحقيق هذا الهدف وبدل أن يستند إلى أهل الذكر وخبراء القانون والمتمرسين بالسياسة جعل العاطفة تقوده واختار تفجير العاصفة التي لا يمكن ألا تطاله تداعياتها وهو قائد السفينة ورئيس الحكومة المسؤول عن الفريق الذي يقوده في بلد تغزوه المزابل ويمكن للقطار أن يسير دون سائق ويمكن للصيدلية المركزية وللمؤسسات الاستشفائية ان تكون في حالة إفلاس ويمكن للمتقاعدين ألا يحصلوا على حقوقهم ويمكن للرحلات البحرية أن تتأخر دون مساءلة أو محاسبة ... لسنا في إطار محاكمة النوايا، ولكن التجربة أظهرت في أكثر من مناسبة كيف بدد الشاهد حجم التعاطف والتأييد الشعبي الذي حظي به منذ أعلن شن الحرب على الفساد وتجرأ على إعلاء دولة القانون وملاحقة بعض رموز الفساد ممن كانوا يعتبرون أن يد القانون لا تطالهم. إلا أن تلك الخطوة ظلت يتيمة حيث عاد الشاهد للتقوقع ليعود مجددا ولكن ليعلن الحرب على غريمه الذي جاء به إلى رئاسة الحكومة المدير التنفيذي لنداء تونس ويحمله مسؤولية الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. ومرة أخرى نجح في كسب تعاطف الكثيرين ولكن ليس بسبب انجازاته ونجاحاته في إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية العالقة بل وهذا الأهم بسبب الاستياء المتفاقم من دور نجل رئيس الدولة وتراجع حزب نداء تونس عن وعوده الانتخابية وموقعه في المشهد السياسي في مرحلة لا تخلو من الحساسية .. وعندما خرج يوسف الشاهد قبل أيام معلنا إعفاء وزير الطاقة وفريق المسؤولين معه بدعوى فضيحة ما بات يعرف بحقل المنزل، فان الأمر لم يخرج من إطار السباق الانتخابي السابق لأوانه والحرب المعلنة بين قرطاج والقصبة ومونبليزير وساحة محمد علي ... وفي انتظار ما ستحمله الساعات القادمة بعد لقاء الشيخين أول أمس والعودة لإحياء وثيقة قرطاج والتلويح بالتوافق الأبدي للنداء والنهضة، يبقى الأكيد أن الموسم السياسي المرتقب لن يكون من دون مفاجآت قد يكون يوسف الشاهد استعد لها وهو عائد من المنتدى الإفريقي الصيني في بيكين بمزيد الملفات التي قد تمكنه من مقايضة مصيره السياسي.. وبين الخطأ والخطيئة تستمر معاناة التونسي مع غلاء المعيشة وانهيار الدينار وتفاقم البطالة وغياب الآفاق في ظل نخبة سياسية لم تدرك بعد خطورة المشهد ...