"لا توجد خطوط حمراء في الحرب على الفساد، ولا أحد يتمتع بالحصانة في هذه الحرب.. نريد دولة قانون وشفافية"، هذا ما قاله رئيس الحكومة يوسف الشاهد على اثر قراره الجمعة إعفاء وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة وكاتب الدولة للمناجم من مهامهما، إضافة إلى عدد من الإطارات السامية في الوزارة. كلام يوسف الشاهد يمكن وصفه بالجميل ومعانيه يمكن أن تعيد الروح لكل من فقد الأمل في هذه البلاد التي تدحرجت أرقامها ومؤشراتها وصيتها وسمعتها إلى ادنى الدرجات وباتت تحتل المراتب الأخيرة لدى المنظمات والجمعيات المراقبة فيما يتعلق بمؤشرات الاقتصاد والتنمية والشفافية خاصة في ظل استشراء الفساد وضربه لمفاصل الدولة ومؤسساتها وهياكلها... كلام يمكن وصفه بالجميل والجدي لو أن هذه "الخطوط الحمراء" في الحرب على الفساد ليست موجودة فعلا.. ولو أن الحصانة مرفوعة فعلا.. ولو أن دولة القانون والشفافية قائمة فعلا... لكن العكس هو الصحيح، فالحرب على الفساد ظهر أنها حرب مزاجية وان ملفاتها المخزنة في مكاتب القصبة وقرطاج تفتح حسب الطلب وحسب الحاجة وحسب التوقيت.. فالجميع من خاصة وعامة يعلم جيدا أن عددا من النافذين السياسيين بمن في ذلك عدد من وزراء الشاهد أنفسهم وعدد من مستشاريه فاحت رائحة فسادهم ونفس الشيء بالنسبة لعدد كبير من النواب الذين جنبتهم الحصانة البرلمانية المثول أمام القضاء.. ليظهر بعد الثورة "فاسدون جدد" حولوا تونس إلى شبه "دولة مافيا". ما قاله الشاهد كلام جميل لكن الأكيد انه أول من يعرف ويدرك أن الخطوط الحمراء قائمة والحصانة ضد الفساد موجودة وان دولة القانون مفقودة وان الخوض في ملفات الفساد بعيد عن الحسابات السياسية أمر صعب أمام العلاقة الوثيقة بين السياسة والسلطة والحكم من جهة والمال الفاسد من جهة أخرى.. المال الفاسد الذي دخل عدد من أصحابه المجال السياسي بغاية توفير الضمانة والأمان والحصانة من التتبع القضائي بل ان عددا من هؤلاء دخلوا على الخط الحكومي بصفة علنية ورسمية وأصبحوا من الفاعلين السياسيين وأصحاب القرار وحتى جزءا من تركيبة الحكومة. فالشاهد يعلم جيدا أنه وبعد تفكيك منظومة الفساد السابقة، هناك من قفز على هذه المنظومة، التي أصبحت برؤوس متعددة بعد أن كانت ذات رأس واحدة لتبرز مراكز نفوذ وفساد جديدة في ظل ضعف وصمت الدولة إن لم نقل تورطها. أمام هذا الواقع، لا يمكننا سوى القول أن حدث أول أمس لا يعدو أن يكون سوى حركة استعراضية من رئيس الحكومة تندرج في إطار "صراع الوجود"... حركة استعراضية يمكن أن نصفق لها ونساند صاحبها بكل قوة لو اندرجت فعلا في نطاق حرب مفتوحة على الفساد وليست في إطار عملية محسوبة سياسيا واتصاليا شعارها الخفي وغير المعلن"أكون أو لا أكون"..