عاشت تونس نهاية الأسبوع الماضي على وقع ملف وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة وما شاب هذا الملف من اتهامات وتلميح بوجود شبهات فساد وتداخل الخاطئ بالصحيح والجهل بالمعرفة.. هذا الملف يمكن أن يتجدد قريبا لكن في وزارة أخرى ألا وهي وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بسبب ملف صفقتي سد العروسية وسد بوهرتمة واللذان فازت بهما شركات صينية تحوم حولها عديد الشكوك على المستوى الدولي حيث اتهمت بالفساد وتعرضت لعقوبات من قبل عدد من الدول والبنوك العالمية بالنسبة للأولى ومجمع صيني مكون من شركتي «سوماك» و«زاد بي سي سي» الصينيتين. وبالعودة إلى موضوع الصفقتين العموميتين (سد العروسية بطبربة من ولاية منوبة صفقة عدد 07/2018A وسد بوهرتمة شمال شرقي مدينة بوسالم في ولاية جندوبة صفقة عدد 10/2018)، فقد شاركت فيهما عدد من الشركات التونسية والأجنبية وتم فتح العروض بتاريخ 19 جويلية 2018 بالنسبة للأولى و24 اوت 2018 بالنسبة للثانية. وأسفر فتح العروض عن فوز شركة «سينوهيدرو» الصينية (المتقدمة بشكل منفرد دون شراكة مع طرف تونسي) بصفقة سد العروسية بعرض قيمته 54.447.895.828 دينارا وهو عرض ضعيف جدا. وفوز المجمع الصيني (سوماك وزاد بي سي سي) بالصفقة الثانية. بالنسبة لصفقة سد العروسية، كان يمكن اعتبار الأمر عاديا، لكن بالتثبت في أصل شركة «سينو هيدرو» وتاريخها ثبت أن سيرتها ومعاملاتها مشوبة ببعض المشاكل والقضايا أدت إلى إدراجها في القائمة السوداء للشركات التي تم استثناؤها من مشاريع في بعض الدول كما منعت من المشاركة في عدد من الصفقات من قبل بعض البنوك الدولية على غرار البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي.. عديد الاخلالات والشبهات رافقت عمل ونشاط شركة «سينوهيدرو» على المستوى الدولي من ذلك: - فتح البنك الإفريقي للتنمية تحقيق بشأنها فيما يتعلق بشبهة فساد في مشاريع بأوغندا. -إقصاء الشركة من المشاركة في كل المشاريع الخاصة بالبنك الإفريقي للتنمية لمدة عام على اقل تقدير. - فشل الشركة الصينية في المشاريع التي بدأت بتنفيذها بالجزائر مما أدى إلى تعطلها وسحب العديد منها وفسخ عقودها مع الوكالة الوطنية لتطوير السكن وتحسينه وحظر التعامل معها بالجزائر حيث تم إدراج الشركة الصينية في القائمة السوداء للشركات التي تم استثناؤها من مشاريع السكن بالجزائر. - منع البنك الدولي التعامل مع هذه الشركة في كل مشاريعه وذلك بسبب إثبات تورطها في تلاعب في مشاريع بكينيا وزمبيا وأوغندا والزمبابوي. - إثبات انتهاكات في حق العملة في مشاريع كبرى بالمغرب وفتح تحقيقات عدلية في الموضوع. -سحب الحكومة الصينية نفسها لصفقة أشغال مشروع للطاقة الهوائية في مقاطعة هينان فازت بها «سينوهيدرو» بسبب خرق قواعد السلامة. - ثبات فساد في الصفقات والمشاريع المنجزة في الفيليبين. جملة هذه الاخلالات والعقوبات الدولية التي تعرضت لها هذه الشركة الصينية يجعل من القبول بعروضها والسماح لها بالمشاركة في الصفقات العمومية في تونس بالأمر المريب. وما يؤكد هذه الريبة هو قيمة العرض المقدم من قبلها في صفقة سد العروسية والذي كان عرضها ضعيفا مقارنة بالشركات الأخرى المشاركة والتي كانت عروضها متقاربة من حيث القيمة وهو ما يعني جدية هذه الشركات وعدم جدية الشركة الصينية التي علمنا أنها لن تعتمد سوى على العنصر البشري الصيني لانجاز المشروع في حين ستتولى تسويغ المعدات وكل حاجياتها من تونس وهو ما يمكن أن يساعد الشركة على الخروج من البلاد بسهولة في حال عدم الالتزام بتعهداتها.. أما بالنسبة لصفقة سد بوهرتمة، فان الفارق الكبير في العرض المالي المقدم من قبل المجمع الصيني (بقيمة 42044194.870 د اي حوالي 23 مليار بينه وبين العرض الثاني) وهو عرض ضعيف جدا لا يرتقي حتى الى نسبة 60 بالمائة من توقعات الدولة للعرض ويثير الاستغراب لأنه قد يترتب عليه عدم التزامه بتعهداته وعدم الإيفاء بالتزاماته وعدم احترام الجودة والسلامة المطلوبتين عند الانجاز. وحتى لا تقع تونس في بعض الإشكاليات التي وقعت فيها دول أخرى جراء تلاعب بعض الشركات الصينية المختصة في المقاولات والأشغال العامة وغيرها، المطلوب من الهيئة العليا للصفقات العمومية التثبت من مآل الصفقتين والسهر على حسن تطبيق مجلة الصفقات العمومية وخاصة الفصل 13 منها حتى تضمن تونس تطبيق كراس الشروط والاتفاقيات وتضمن سلامة مشاريعها وجودتها.