لا أعتقد أن مقطع الفيديو المتداول مؤخرا حول حادثة اعتداء شاب على عون أمن مرور بجرزونة مر مرور الكرام في أذهان من شاهدوه كما تمر بقية حوادث العنف والاعتداءات اليومية التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي وتعكس واقعا اجتماعيا مختل التوازن. فالواقعة التي حملت ذلك المشهد المحزن مركب الأبعاد والدلالات تبعث عن القلق وتفجر حقيقة عمق الأزمة الجاثمة على المشهد العام على امتداد السنوات الأخيرة. أو لعلها نتيجة طبيعية لجملة من الأسباب والأخطاء استفحلت وتكررت وسط استهانة جماعية بخطورة تداعياتها المستقبلية واليوم وصلنا جميعا للأسف إلى مرحلة «الحصاد المر». لقد عرت حادثة الاعتداء على عون امن المرور بتلك الشاكلة والحيثيات عن أزمتين على الأقل تتخبط فيهما البلاد، وهما تلاشي هيبة الدولة واستفحال السقوط الأخلاقي والقيمي أمام صمت الجميع أو ربما بمشاركتهم أيضا. إن حصاد كل تلك السنوات من استباحة مؤسسات الدولة ورموزها والإمعان في تجاوز القانون تحت أعذار ومسميات عديدة لن تكون نتيجته مغايرة لمشهد الاعتداء على عون امن بما يعنيه من تدنيس للزي الرسمي كرمز للجمهورية ولهيبة الدولة الضائعة. وتعددت أشكال الاعتداء على هيبة الدولة من إهانة لرموزها وتعد على صلاحياتها ومؤسساتها وعلى قوانينها المانعة للتعدي على الملك العام والمحجرة للإضرابات العشوائية ولإيقاف الإنتاج .. والمحزن أن رافعي شعار استرجاع هيبة الدولة شعارا انتخابيا تجدهم اليوم في مقدمة الممعنين في استضعاف مؤسسات السلطة والسيادة لحسابات حزبية وسياسية وشخصية عائلية أحيانا.. إذا فلا غرابة أن ينسج أحدهم على منوال نخبته ف«الناس على دين ملوكهم». تختزل أيضا صورة اعتداء شاب على عون امن كهل دون تدخل أي كان من الحضور وكأنهم في حضرة عرض فرجوي عمق الأزمة الأخلاقية والقيمية التي تتجسد في أكثر من مثال وموضع ويتحدث عنها المختصون والباحثون والسياسيون دون أية بوادر جدية لدراستها والوقوف عند أسبابها ومسبباتها للتصدي لها. وما نعيش على وقعه من تنام للجريمة وتفشي الفساد والتحيل والارتشاء والغش وتراجع لقيمة العمل والاجتهاد إلا «حصاد مر» آخر لتتواصل الضبابية والعبث وانسداد الأفق.. فهل من صحوة قبل فوات الأوان؟