المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    هذه الدولة الافريقية تستبدل الفرنسية بالعربية كلغة رسمية    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    بنزرت: النيابة العمومية تستأنف قرار الافراج عن المتّهمين في قضية مصنع الفولاذ    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    عاجل : تأجيل قضية رضا شرف الدين    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من "جمهورية الموز" إلى أرض الجهاد وعربدة المليشيات.."انهيار" الدولة ؟
ملف الاسبوعي..لم يبق من الهيبة إلا العلم والنشيد الوطني
نشر في الصباح يوم 24 - 12 - 2012

ملف من إعداد: منية العرفاوي - من موقعة "المنقالة",الى موقعة السفارة مرورا بموقعة تنكيس العلم في رحاب جامعة منوبة ,الى هجوم رابطات حماية الثورة على النقابيين في بطحاء محمد علي يوم احياء ذكرى الزعيم الخالد فرحات حشّاد وصولا الى موقعة المنصة غداة الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة الكرامة بسيدي بوزيد حيث وقع رشق الرئيسين المرزوقي وبن جعفر بالحجارة دون أدنى اعتبار لقيمتهما الرمزية على رأس الدولة..
وبعد أيام يفاجأ الرأي العام أوّل أمس "بموقعة الحصان" حيث كالعادة تنتصب مليشيات تتخفّى خلف شعار "حماية الثورة" وتحصينها من عودة التجمعيين, لتمنع اجتماع شعبي لحزب سياسي حاصل على تأشيرة العمل القانوني في محاولة لإحياء الصراع البورقيبي اليوسفي، وسعي محموم للعب على الفتن والتفرقة..
هذا المشهد السياسي المرتبك والمحكوم بالتجاذب والصراع الحزبي ,والذي وصفه في السابق أحد النواب في المجلس التأسيسي بوضع "جمهورية الموز" حيث يصبح القرار السياسي هزيلا ودون المأمول.. تزيده مؤشرات الانهيار الاقتصادي الملموسة تأزّما وسوادا ناهيك وأن المديونية ارتفعت وبتنا "نقترض لنأكل" حسب رأي عدد من الخبراء.. وفي ظل غياب الدستور الضامن الأساسي للحقوق والحريات وهشاشة الأجهزة الرسمية للدولة وضعف المؤسسات ..وهو ما دفعنا لتناول ملف ما تواجهه الدولة اليوم بكل مقوماتها الأساسية والفرعية من مخاطر وصعوبات وضعت هيبتها على المحكّ وهدّدت السلم الاجتماعية خاصّة مع تنامي العنف وتسلّل الارهاب والمجموعات الجهادية الى تونس..
وذلك من منطلق أكاديمي-نقدي هدفه الحرص على الدولة واستمراريتها وديدنه الايمان بقدرة النخب وخاصّة السياسية على رأب التصدّعات وتتويج الثورة بدولة مدنية حقيقية ترتكز على المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون..

الشعب.. الإقليم.. السلطة :هل تكفي .."لصنع" دولة؟
تعرّف الدولة في العلوم السياسية على أنها مجموعة من البشر يرتبطون فيما بينهم بروابط معيّنة .. ويقيمون على إقليم معين ويخضعون لنظام وسلطة معينين..وبالتالي ترتكز الدولة في مقوّماتها الأساسية على الشعب,الاقليم,السلطة..
ويمكن أن يكون هناك اختلاف في هذه العناصر والمكونات من حيث الحجم او المساحة .. ويذهب عدد من الباحثين إلى التأكيد أنه لكي تكون الدولة قوية يجب ان تتوفر فيها ثلاثة شروط أسياسية:قيادة سياسية جيدة ,اقتصاد قوي ,إعلام مؤثر.. وفي الفكر السياسي الحديث فان الدولة لا تعتبر دولة إلا بنظام سياسي ديمقراطي، ليس دكتاتوريا ولا وراثياإذ أن هذه الأشكال من الحكم تحوّل الدول إلى ملكيات خاصة، وليست دولا.
كما أنه من المهام المؤكدة للدولة أن تكون راعية وضامنة للحريات وأن ألاّ تكون صاحبة "أيديولوجية" ، لأنها عندئذ ستكون خصماً للمؤسسات التي تخالفها في مرجعياتها وستسعى لكبت الحرّيات التي لا تناسب خطها بدل أن تعززها.
وتمثل الدساتير روح الدول الحديثة وشريان حياتها لأن الدستور في عمومه هو القانون الأعلى الذي يحدّد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.

المرزوقي "تحطيم" الصورة النمطية للسياسي.. له تكاليفه!
لم تكف الحلوى التي نثرها أبناء توزر على الرئيس المؤقت منصف المرزوقي..لمحو واقعة المنصة حيث انهالت البطاطا والحجارة على الرئيسين بن جعفر والمرزوقي من أهالي سيدي بوزيد الذين استبدّ بهم الغضب بعد أن تيقنوا أن الثورة التي صنعوا شرارتها الأولى..لم يكن نصيبهم منها الاّ تلك الرصاصات التي استقرت في أجساد أبنائهم وأردتهم شهداء وذلك الغاز المسيل للدموع -الذي اختنقوا به في "شتاء الغضب"- القادم من المناطق المهمشة , والذي أطاح بعرش بن علي..
الرئيس المرزوقي المناضل السياسي الشرس وابن الشعب الذي عاشر معاناة المهمّشين ووقف على آلام شعبه وانحاز دون تفكير الى القضايا الانسانية العادلة,قد يكون يوما حلم بعرش قرطاج ,لكن عندما تحقق حلمه بعد أوّل انتخابات شرعية في البلاد لم يرد تكرار مسيرة حكام قرطاج الذين حكموا بالحديد والنار وتربّعوا على أنات شعبهم ..بل أراد أن يكون رئيسا استثنائيا في تاريخ تونس ..رئيسا "منّا والينا"
لكن برنسه الذي التحف به وهو يؤدّي اليمين الجمهوري..ومظلته التي اعتمرها وهو يتجوّل بين شعبه ذات صيف قائظ ..كلماته البسيطة وتلقائيته المبالغ فيها أحيانا..كان يمكن أن تعيد أسطورة نيلسن مانديلا بنكهة تونسية..لكن الرئيس ذا الصلاحيات المحدودة بات يثير غضب شعبه الذي أحبّه لبساطته ..ولم يتسامح معه لأنه غير قادر على تحقيق أمنياته..الرئيس يقف اليوم مذهولا أمام حقيقة مفادها أن الرصيد الوحيد الذي يملكه وهو حب الشعب بدأ يتآكل ..ورمزية المنصب الذي يضطلع به قلّ منسوب الاحترام الشعبي له..

المجلس التأسيسي
النخبة السياسية.."تشتم وتهان.."
أجمع السياسيون والحقوقيون وكل مكونات المجتمع المدني أثناء الانتخابات أن المجلس الوطني التأسيسي هو تتويج للمسار الانتقالي وأحد أبرز الثمارات الديمقراطية لثورة الحرية والكرامة..وكان من المنتظر أن تسفر أوّل انتخابات شفافة ونزيهة في تاريخ تونس نخبة سياسية حقيقية تنكب على صياغة دستور جديد للبلاد يقطع مع اللماضي ويحقق المصالحة التاريخية بين الشعب وحكامه الجدد ويجد فيه كل تونسي انتظاراته وتطلعاته بعد ثورة أذهلت العالم.. لكن منذ الأيام الاولى للمجلس انطلق الهرج والمرج وباتت التشاحن والتلاسن والمشادات الكلامية الصفة البارزة الذي لم يحقق أدنى شروط انتخابه وهو اعداد دستور للبلاد وما زلنا بعد عامين من الثورة وأكثر من عام على انتخابه في حالة فراغ دستوري ودولة دون مؤسسات دستورية حقيقة وثابتة و"غير مؤقتة" ..والخطاب الشعبوي الذي ساد المجلس انعكس على صورة النواب لدى الرأي العام..لنقف على واقع مرير مفاده اهانة نواب الشعب والاعتداء عليهم والمس من هيبة السلطة الأصلية والشرعية والتطاول على هيبته حدّ اقتحام رحابه وكيل الشتائم لنوابه!!!

حكومة الترويكا
فصل الحزب عن الحكومة.. ضرورة
من الشروط الأساسية في الديمقراطيات العريقة هو فصل الأحزاب عن الدولة..بمعنى ان رجل السياسة عندما يتوّلى مهامه في ادراة المرفق العام الذي هو الدولة كرئيس أو وزير أو كاتب دولة أوّل خطوة ينبغي عليه القيام بها هو نزع جبته الحزبية والتخلّي عن ولائه السياسي لطرف ايديولوجي أو فكري والتصرّف كرجل دولة في خدمة كل الألوان السياسية وكل الفئات الشعبية..
في تونس اخترنا وبعد انتخابات أكتوبر أن تكون الحكومة التي تدير شؤون البلاد حكومة ائتلافية تتكوّن من ثلاثة أحزاب حاكمة لاوّ لمرّة في تاريخ البلاد السياسي ,مع الاشارة الى أن حكومة الائتلاف من أصعب أنواع الحكم ناهيك عن غياب الدربة والتجربة السياسية لهذه الحكومة وهو ما جعلها تواجه الصعوبات تباعا منذ توليها مقاليد الحكم..
وصعوبة الائتلاف دفعت أحيانا الى غياب الانسجام والتناغم بين أعضاء الحكومة الى درجة وقفنا فيها على تصريحات متضاربة وغير منسجمة..
ومن صعوبات الائتلاف كذلك وجود عدد من الأحزاب في الحكم وفي هذه الحالة قد تؤثّر الخلفية الحزبية على القرارات الحكومية وهو ما لمسناه على مستوى اقرار التحوير الوزاري الجاري بالاضافة الى الأزمة الأخيرة بين الاتحاد والحكومة على خلفية الاعتداء الذي تعرّض له مقر المنظمة الشغيلة وجعل زعيم حركة النهضة يعقد ندوة صحفية ويتحدّث كطرف أساسي في النزاع رغم أن حركة النهضة حزب يحكم ولكنه ليس ناطقا بلسان الدولة حتى ولو كان رئيس الحكومة ما زال يحتفظ بصفته الحزبية ..وكضمان للتوافق وللديمقراطية لا بدّ أن تفصل الأحزاب مهما علا شأنها على النشاط الحكومي خاصّة في وضعيتنا السياسية الراهنة حتى لا تفقد الحكومة وقارها وهيبتها في تجاذب حزبي وايديولوجي..

"ثلاثي" التوتّر في المشهد السياسي :التشنج.. التطاول.. ونظرية المؤامرة
عادة ما تكون المراحل الانتقالية من أصعب المراحل التي تمرّ بها الشعوب بعد الثورات الشعبية.. وكثيرا ما تشهد اضطرابات وتباين حاد في الأراء والمواقف السياسية منذ الاطاحة بنظام بن علي.. وبعد عامين من الثورة التونسية ورغم اجراء انتخابات المجلس التأسيسي التي وضعت البلاد على طريق الشرعية الاّ أن الأجواء ما زالت مشحونة بالكثير من التجاذب الحزبي والسياسي..
هذا التجاذب الذي أثّر سلبيا حتى على مستوى القرار السياسي الذي سقط رهين التشنّج أكثر من مرة وشاهدنا تصريحات انفعالية ونارية لا تليق بأصحابها وبمناصبهم على رأس الدولة وتفتقد للرصانة ورباطة الجأش المطلوبة في وضعيات مماثلة..
ولعلّ تصريحات حمادي الجبالي على خلفية أحداث سليانة والتعنّت السياسي الذي خاطب به أهالي سليانة المحتجين على الوالي وتمسّكه الغريب بالابقاء عليه رغم أنف المحتجين.. دليل قاطع على افتقاده للنضج السياسي وللبصيرة السياسية الثاقبة والاستشرافية التي كان يملكها مثلا الزعيم الخالد الحبيب بورقيبة والتي لمسناها في أحداث الخبز..
وتذبذب الخطاب السياسي وتردّده أحيانا وتعنّته أحيان أخرى أفرز نوعا من التطاول على رموز الدولة ومسؤوليها الساميين بين السياسيين أنفسهم التي تشتعل بينهم من حين الى آخر حروب كلامية تدين هذا وتشيطن الآخر وتصل حدّ المس من سمعة البعض وأعراضهم تحت شعار كبير رفع بعد الثورة وهو شعار المؤامرة.. فالحكومة تعتبر كل رأي نقدي يوجّه لها يندرج ضمن التآمر عليها لاسقاطها والمعارضة تعتبر أن الحكومة متآمرة لأنها تعمل ضدّ مصلحة البلاد وبضغط من اجندات سياسية خارجية ولا تستجيب لتطلّعات الشعب الذي ثار "ليهديها" كرسي الحكم..
هذا الجو السياسي المشحون بالعديد من العوامل جعل الأجواء شديدة التوتّر بين الخصوم السياسيين وحتى الحلفاء ناهيك وأن أحزاب الترويكا اليوم يسعى كل واحد منها الى حمل وزر الفشل على الشريك الحاكم.. غياب الوفاق داخليا وسط "الترويكا" وداخل مكونات المشهد السياسي يفضي الى حالة من الاحتقان قد يصعب السيطرة عليها فيما بعد..

رئيس الحكومة "يوشح" كتفيه بعلم قطر
"جمهورية الموز".. من جديد
عندما اتخذ المنصف المرزوقي قرارا جمهوريا يقضي بتعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي واقالة كمال النابلي , و أثناء مناقشة هذا القرار من طرف نواب التأسيسي أستاء بعضهم من قرار التعيين هذا ناهيك وأن هناك من وصف المحافظ الجديد بأنه من أزلام النظام البائد ولكن تدخّل النائب محمود البارودي كان عاصفا عندما قال بعد أخذه للكلمة "سيدي الرئيس، نفاجأ كالعادة بقرار جمهوري صادر عن رئيس الجمهورية المفدّى في جمهورية الموز..."
وأثار هذا الوصف غضب نواب الإئتلاف الحاكم وخاصة الذين ينتمون إلى حركة النهضة و لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية , حيث تعالى الضجيج والصياح والضرب على الطاولات في مشهد أشبه بحلبة صراع الديكة..وقد طالب نواب حركة النهضة حينها البارودي بسحب وصفه و الإعتذارولكنه رفض ذلك قائلا"عندما يُصبح لدينا رئيس حقيقي يمثل الشعب سأسحب كلمتي".
وبرر إستخدامه لعبارة رئيس " جمهورية الموز" بالقرارات العشوائية والمخالفة للقوانين التي يتخذها الرئيس منصف المرزوقي ..
و جمهورية الموز هو مصطلح ساخر يطلق لانتقاص أو ازدراء دولة غير مستقرة سياسيا, يعتمد اقتصادها على عدد قليل من المنتجات كزراعة الموز مثلا.. هذا المصطلح عاد بقوة للتداول أخر الأسبوع المنقضي بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني لدولة قطر والذي حضره رئيس الحكومة وعدد من وزراء النهضة على وجه الخصوص ولم يتورّع خلاله رئيس الحكومة عن توشيح كتفيه بعلم قطر في حركة اعتبرها ملاحظون انتهاكا للسيادة الوطنية وخرقا للولاء الذي من المفترض أن لا يكون الاّ للعلم التونسي ناهيك وأن حمادي الجبالي يعتبر رمزا للسيادة الوطنية وللدولة .

المختّص النفسي عماد الرقيق ل"الصباح الأسبوعي"
السلطة هي الأنا الأعلى.. غابت هيبتها فغاب الرادع الاجتماعي
يرى ملاحظون أن منسوب الاحترام الشعبي للسلطة وللسياسيين ولرجال الدولة تقلّص بشكل لم يسبق له مثيل وانتفت بذلك هيبة أجهزة الدولة ومؤسساتها باستثناء المؤسسة العسكرية التي نأت بنفسها منذ البداية عن كل التجاذبات والصراعات وهو ما حفظ لها هيبتها ووقارها لدى الرأي العام رغم بعض محاولات التشويه والمس منها..
لكن تقلّص منسوب الاحترام للدولة والقائمين عليها تقف وراءه أسباب يقول عنها د.اسكندر الرقيق المختصّ النفسي ان "السلطة هي نوع من الأنا الأعلى للمجتمع تفترض بعض من الصلابة حتى تحظى بالاحترام الشعبي لأن هذا الأنا الشعبي هو رادع اجتماعي يفترض الهيبة ويدفع بكل المواطنين إلى التقيّد بضوابط معينة تعكس نضجا سياسيا وتحضّرا سلوكيا.. لكن القائمين على هذه السلطة والممثلين لها فقدوا بعض هذا الاحترام الشعبي انطلاقا من سلوكيات يشاهدها المواطن وعلى ضوئها تكوّن آراءه ومواقفه من ذلك المناوشات بين السياسيين والجدال العقيم الذي يخوضه رجال الدولة.. وبالتالي انتفى مع هذه السلوكيات الأنا الأعلى وبقي المجتمع بدون رادع أو ضوابط قيمية".
وقد سألت محدّثي عن الصفات التي يفترض أن يتحلّى بها السياسي وهل يفتقد رجال الدولة في تونس الى الاعتداد بالنفس وقوة الشخصية المطلوبة فأكّد أن السياسيين وخاصّة من هم في الحكم اختاروا خيار التبسّط والتلقائية في التعامل مع الشعب من باب التعاطف والأخذ بعين الاعتبار الظرف العام الدقيق والمتوتر لكن هم من المناضلين الذين يتمتعون بقدر من الصلابة وقوة الشخصية التي اكتسبوها أيام كفاحهم ضدّ الدكتاتورية.."
في ختام حديثه أكّد عماد الرقيق أن هناك نزعة جماعية نحو عدم تحمّل المسؤولية، والفوضى والتمسّك بأسهل الطرق لتحقيق الغايات كذلك هناك نوزاع نحو الانفجار بعد الكبت بمخالفة القانون وغياب التضحية من أجل المصلحة العامة ناهيك عن الأجواء العامة التي أفرزت نوعا من الضغط العام أدّى الى حالة من الاكتئاب الجماعي.

رجال الدولة
"يصفعون".. "يركلون".. ويرشقون بالحجارة!!
فوجىء الرأي العام الوطني والدولي بردّ فعل أهالي سيدي بوزيد يوم الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة عند القاء المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت ومصطفى بن جعفر لكلمتيهما بمناسبة ذكرى الثورة.. حيث تم رشق المنصة بالحجارة والبطاطا حسب ما ذكرت وسائل اعلام محلية وأجنبية.. وردّ الفعل العنيف أثار موجة من الاراء المتباينة بين مؤكّدا أن الحادث مفتعل والمقصود منه الاعتداء على هيبة الدولة وتشويه رموزها وبين منتقد لهذه الفعلة والتي لا تليق "بعاصمة" الثورة التونسية والتي أساءت الى أقطاب الدولة وركائزها,وبين موقف برّر الفعلة واعتبرها تنم عن حنق شعبي كبير لاستمرار سياسية التهميش والاقصاء للجهات المحرومة التي ولدت من رحمها الثورة..
وقبل الاعتداء الذي تعرّض له بن جعفر والمرزوقي، تعرّض عدد كبير من السياسيين للاعتداء المادي وحتى اللفظي من ذلك الصفعة التي تلقاها النائب بالمجلس التأسيسي عن حركة الشعب مراد العمدوني والذي ادّعى أن أحد اعوان الامن عنّفه واعتدى عليه بالصفع في أحد الوقفات الاحتجاجية.. كذلك تعرّض النائب ابراهيم القصاص في قلبية الى الركل والدحرجة على الأرض والصفع وتمزيق ملابسه من طرف مجهولين بعد انضمامه لنداء تونس، كما تعرّض سعيد العايدي وزير التشغيل سابقا والقيادي في الحزب الجمهوري الى اعتداء شديد من طرف مجموعات محسوبة على رابطات حماية الثورة يوم الاحتفال بذكرى حشاد والذي شهد أيضا اعتداء على النقابيين.
وفي القيروان جرح عبد الفتاح مورو في أحد الندوات التي حاضر فيها بعد أن تم رشقه بكأس في جبهته ليغمى عليه ويقع نقله الى المصحة لرتق جرحه وكلنا نتذكّر تلك الصورة التي كان فيها الدمّ يكسو وجهه بعد أن تهجم عليه أحد السلفيين.. مية الجريبي أيضا القياديية في الحزب الجمهوري وقع التهجّم عليها والاعتداء عليها لفضيا في أحداث الملاحة برادس مثلها مثل نجيب الشابي الذي تعرّض للاعتداء في غار دماء.. وفي الاحتجاجات الشعبية الأخيرة رفعت شعارات ضدّ رئيس الحكومة تمسّ من كرامته وعرضه وتتهمه بتهم جنائية وهذا يعتبر خرقا للحريات ومحاولات لتشويه رمز من رموز الدولة دون أدلة قاطعة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.