قد يبدو الحدث بسيطا وربما اعتبره الكثيرون بلا تأثير يذكر على سير الأحداث في مسار القضية الفلسطينية وتعقيدات المرحلة الراهنة مع غطرسة الاحتلال الإسرائيلي وتفاقم الظلم والعدوان وغياب العدالة الدولية.. ومع ذلك فان ما صدر خلال الساعات القليلة الماضية عن رئيس الباراغواي خطوة لا تخلو من جرأة في زمن قلت فيه الجرأة وربما كلفت صاحبها ثمنا باهظا وعرضته لابتزازات غير مستبعدة ولمؤامرات وملفات فساد واستخبارات تطيح به وهو لا يزال في أول مراحل الحكم.. الديبلوماسية سلاح ذو حدين وكسب المعركة الديبلوماسية رهان غير هين عندما يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية للشعوب والأوطان ... كما كان متوقعا لم يتأخر الرد الإسرائيلي على قرار باراغواي التراجع عن قرارها بنقل سفارتها من تل ابيب الى القدسالمحتلة، حيث عجل رئيس الحكومة الإسرائيلية ناتنياهو بإغلاق السفارة الإسرائيلية في باراغواي احتجاجا على هذا القرار.. ولاشك أن الأهم بالنسبة للكيان الإسرائيلي ليس في قرار رئيس باراغواي الجديد ولكن في إمكانية امتداد العدوى وربما توجه دول أخرى كانت سارعت بنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس تحت ضغوطات واشنطن وتل أبيب الى الاقتداء بالباراغواي لا سيما وأن حكومة ناتنياهو تخوض ومنذ اعلن الرئيس الأمريكي ترامب قراره الأرعن بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس معركة مستمرة لدفع حلفائها لاسيما دول الاتحاد الأوروبي إلى الاقتداء بواشنطن ... الأكيد أن في الخطوة التي اتخذها ماريو عبده رئيس باراغواي المنتخب لا تخلو من جرأة مفقودة في عالم اليوم وهو الذي ناقض قرار سلفه الرئيس السابق هوراسيو كارتيس.. وربما اعتبر الكثيرون أن جذور ماريو عبده وهو اللبناني الأصل الذي هاجر إلى باراغواي ونجح مثل الكثير من اللبنانيين في الوصول الى أعلى المراتب الدولية وراء هذا القرار، والأرجح في قناعتنا أن الأمر ليس مرتبطا بانتماءات عروبية بقدرما هو نابع من قناعة بأهمية إعلاء الشرعية الدولية والقانون الدولي الذي يتعين أن يكون المرجع لكل الصراعات بعيدا عن لعبة الوصاية وامتهان حقوق الشعوب ... الواقع أيضا أن قرار رئيس باراغواي يعيد إلى الأذهان التصويت التاريخي وموافقة 128 بلدا في الجمعية العامة للأمم المتحدة الرافض للقرار الأمريكي بشأن القدس. وربما سيتعين على باراغواي أن تواجه ضغوطات أمريكية وإسرائيلية مستقبلا وربما تتحمل عقوبات وابتزازات ليست بالمستبعدة نتيجة لهذا القرار .. الواقع أن الديبلوماسية الفلسطينية التي تخوض معركة مستمرة لدى العديد من الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية مدعوة إلى الاستثمار في هذه الخطوة والى تعزيزها ولاشك أن قرار السلطة الفلسطينية فتح سفارتها في باراغواي فورا خطوة مهمة وتنم عن تطور في توجهات السلطة الفلسطينية في اتجاه كسب المعركة القادمة لإسقاط بقية فصول صفقة القرن .. لقد كانت باراغواي إلى جانب غواتيمالا من بين الدول التي اختارت قبل ثلاثة أشهر الاقتداء بواشنطن ونقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس في خطوة غير قانونية.. وهو بالتأكيد صفعة قد لا تقبل بها واشنطن والحليف الإسرائيلي ببساطة..