لم تكن الأحزاب بمعزل عن أزمة الحكم في بلادنا حيث تواترت الخلافات داخل أكثر من حزب بعد انقسامها بين مؤيد لرئيس الحكومة وبين دعاة لرحيله، وكان مشروع تونس أحد «ضحايا» يوسف الشاهد بعد أن خرج جزء من كتلة الحزب عن سيطرة الأمين العام محسن مرزوق «وتمرد» نواب ضد سياسته التسييرية، وقد ازداد التفاف النواب حول الشاهد بعد الحديث عن استقالة نحو 20 نائبا من نداء تونس وهو ما أثار حفيظة المدير التنفيذي الذي أصدر بيانا أمس تضمن ما اعتبره «إقدام رئيس الحكومة يوسف الشاهد على استقبال مجموعة من نواب كتلة نداء تونس في مقرات الدولة بقصر الضيافة بقرطاج ليطلب منهم الاستقالة من كتلة حركة نداء تونس والالتحاق بكتلة الائتلاف الوطني». وقد عبر الحزب في البيان الممضى أيضا من قبل رئيس الكتلة سفيان طوبال عن استنكار النداء لما وصفها ب»هذه الممارسات التي تؤكد أن رئيس الحكومة الحالي يضع الانشغال بالمناورات السياسية وشق وحدة الأحزاب والكتل البرلمانية في صدارة اهتمامه وشغله عوض التركيز على مشاكل البلاد المتراكمة». وفِي واقع الأمر فإن الاستقالات التي تحدث عنها النداء لم تكن بالأمر المفاجئ حيث سبق أن ظهر «العرض» الحقيقي أثناء استعدادات الحزب للتصويت على مقترح رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتعيين وزير الداخلية هشام الفوراتي خلفا لوزير الداخلية المقال لطفي براهم، وقد أكدت الخلافات حينها ان النداء لم يعد يملك الكتلة الموحدة والتي سعى كثيرا للترويج لاستقرارها. ويأتي اختراق الشاهد للكتلة وهي ثاني كتلة رئيسية بعد حركة النهضة، اثر إقناع الندائيين بضرورة تقييم الحكومة قبل إصدار أحكام مسبقة، مع ضرورة الاطلاع عن «إنجازاتها» وأخذ مسافة من الحياد، هكذا مواقف عجلت بظهور اللجنة المؤقتة المكلفة بتقييم عمل أعضاء الحكومة، ولَم تكن هذه اللجنة سوى قناة لتقريب وجهات النظر بين الشاهد وأعضاء الكتلة، في حين تراها مجموعة المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي عملية «براكاج» للكتلة، الأمر الذي دفع بالناطق الرسمي للنداء منجي الحرباوي إلى الدعوة إلى حل اللجنة التي لم تعد تعبر عن قرارات الحزب حسب رأيه. وقد تحول موضوع اللجنة وما أحيط بها من جدل داخل الحزب الى سجال بين الحرباوي وطوبال من جهة، وبين الحرباوي ونواب من الكتلة من جهة ثانية، ليصل الأمر إلى اعتبار خطته كناطق رسمي للنداء خطة مسقطة نتيجة ولاء الحرباوي للمدير التنفيذي. وقد ساهم تحويل وجهة كتلة النداء في تراجع قيادات أساسيين حتى عن التصريحات الصحفية على غرار برهان بسيس ووسام السعيدي، بالإضافة الى الغياب التام للمدير التنفيذي الذي لم يعد «متوفرا» حتى عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) إلا نادرا . ولم تكن تحولات المشهد الحكومي بمعزل عن حزب آفاق تونس الذي فقد بوصلته السياسية منذ نقاشات مجلس نواب الشعب لقانون المالية لسنة 2018 بعد ان فقد الحزب كتلته النيابية اثر «انفجار سياسي» داخلي، الأمر الذي أدى إلى خسارة فادحة على مستوى القيادات التاريخية حيث غادره كل من رياض المؤخر وفوزي بن عبد الرحمان، كما شملت الاستقالات كتلة الحزب باستقالة هاجر بالشيخ وعلي بنور لتحل الكتلة ويفقد الحزب امتداده السياسي. وفِي محاولة منه لاستعادة صورة من الماضي دعا رئيس الحزب ياسين إبراهيم إلى إبعاد حركة النهضة من نقاشات وثيقة قرطاج للعودة إلى طاولة الحوار وهو ما وصفته قيادات نهضاوية ب»النكتة السياسية حيث لا وزن لآفاق داخل البرلمان أو خارجه حتى يطالب بإقصاء النهضة». ويبدو واضحا ان الانقسام الحاصل داخل الأحزاب حول مصير الشاهد سيلقى بظلاله أياما قليلة على انطلاق السنة السياسية الجديدة... موسم جديد انطلق فعلا مع إعلان كتلة الائتلاف الوطني التي ستعرف ارتفاعا متواصلا في عدد نوابها لتشكيل مجموعة برلمانية واسعة تقف إلى جانب رئيس الحكومة بما سيدفع لتغيير موازين القوى في المشهد عموما. ويظهر هامش المناورة بالنسبة للشاهد، صغيرا جدا لربح الوقت أولا والعمل على إيجاد تضامن نيابي واسع يضمن تمرير قانون المالية لسنة 2019، وقد يصطدم هذا الهامش بحركة النهضة التي مازالت بانتظار إعلان الشاهد موقفه من انتخابات 2019 . ◗ خليل الحناشي منصف السلامي: هكذا استقال 8 نواب من نداء تونس.. وهذه تفاصيل اجتماعنا بالشاهد أفادت «الصباح نيوز» بأنّ 8 نواب من نداء تونس من بين الذين التقوا رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمس، قرّروا الاستقالة من الكتلة البرلمانية للحزب، وهم: منصف السلامي، زهرة ادريس، مروى بوعزي، أحمد السعيدي، جلال غديرة، لمياء الدريدي، محمد الراشدي وعصام المطوسي. وفي سياق متصل، قال النائب منصف السلامي أحد النواب المشاركين في الاجتماع في تصريح ل»الصباح نيوز» ان 10 نواب من الحزب التقوا اليوم الشاهد، نافيا التطرق إلى موضوع الاستقالة من الحزب والتحاقهم بكتلة الائتلاف الوطني خلال اللقاء، مُضيفا: «هذا الموضوع لم يطرح بالمرة في لقائنا مع رئيس الحكومة». كما أفاد السلامي انّ اللقاء مع الشاهد اقتصر على مناقشة الوضع الاقتصادي في البلاد واجراءات الحكومة فيما يتعلق بقانون المالية لسنة 2019، الذي سيتضمن إجراءات هامة، والمشاريع المنتظر النظر فيها بعد العودة البرلمانية. ومن جهة أخرى، قال السلامي انّه اثر انتهاء اللقاء، انعقد اجتماع بين النواب الذين التقوا الشاهد حيث قرروا الاستقالة من الكتلة البرلمانية للنداء لعدم اقتناعهم بجدوى العمل صلبها، مُضيفا أنّ مجموعة أخرى من النواب ستلتحق بالمستقيلين في الأيام القادمة.