أثار منشور وزارة الصحّة الصادر في 10 أوت الماضي، والذي يدعو الأطباء والقوابل العاملين بهياكل الصحة العمومية والمؤسسات الخاصة إلى وجوب إعلام ممثل وزارة الصحة في لجنة إثبات النسب عن حالات الحمل والولادة خارج إطار الزواج، موجة من الرفض من طرف الأطباء وكذلك من طرف منظمات وشخصيات حقوقية الذي رأت فيه اعتداء واضحا على المعطيات الشخصية وعلى الحرّيات الفردية ورأى فيه الأطباء خرقا للسرّ المهني في حفظ أسرار المرضى وعدم التشهير بهم. ورغم أن هذا المنشور يستند قانونا إلى المنشور عدد 64 الصادر في 27 جويلية 2004 والمتعلق بأحكام التعهد بالأطفال المولودين خارج إطار الزواج، الاّ أن هناك شبه إجماع على كونه يضرب مبدأ الحرّيات الفردية كما تضمّنها الدستور الجديد وتقرير لجنة الحرّيات الفردية والمساواة الذي دعا الى إلغاء التمييز في تصريح ولادة الأطفال وكذلك الى إرساء شراكة الأبوين في الولاية على الأبناء كما دعا الى منع التمييز في إثبات النسب بحسب علاقة الوالدين. ويكفل المنشور عدد 64 والفصل 68 من مجلة الأحوال الشخصية الذي أقرّ بان «يثبت النّسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة شاهدين من أهل الثّقة « القانون المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 والذي تم تعديله بمقتضى قانون 7 جويلية 2003 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، وكذلك الدستور الجديد للدولة بالإضافة إلى تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، كرامة «الأمهات العازبات» وكذلك حقوق وكرامة الأطفال المولدين خارج إطار الزواج الذي يقدّر المندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمّادي بأن عددهم يتراوح بين 1000 و1200 رضيع في السنة، وهؤلاء سعت الدولة لحمايتهم أولا بإثبات نسبهم وثانيا التكفّل بهم اجتماعيا اذا تخلّت عنهم أمهاتهنّ، ولكن الأطباء والمدافعين عن حقوق الانسان يعتبرون أن المنشور الأخير لوزارة الصحّة ينتهك كرامة هؤلاء الأطفال وأن دعوة الأطباء والقوابل ل»التبليغ» ليس هدفها الحماية كما ذهب الى ذلك المنشور 64 بل هدفها المراقبة و»الاستخبار». عمادة الأطباء تستنكر اعتبر المجلس الوطني لعمادة الأطباء التونسيين في بيان أصدره أوّل أمس الجمعة أن منشور وزارة الصحة ‹›غير مقبول لانتهاكه للسر المهني الطبي والحريات الفردية ومخالفته لحماية المعطيات الشخصية››. وأوضح المجلس الوطني انه بالرغم من ان المنشور الصادر بتاريخ 10 أوت 2018 والمتعلق بوجوب الإعلام عن حالات الحمل والولادة خارج إطار الزواج، يستند في عديد النقاط منه إلى المنشور عدد 45 الصادر في 27 جويلية 2004 والمتعلق بإحكام التنسيق في مجال التعهد بالأطفال المولودين خارج إطار الزواج، إلا أن ذلك أصبح من وجهة نظر الحريّات الفردية «غير مقبول وغير دستوري». وطالبت عمادة الأطباء وزارة الصحة بتنقيح محتوى المنشور ليتلاءم مع تقدّم مجال الحريات والحقوق وذلك في إطار الاحترام التام لأخلاقيات مهنة الطب والتي من أهمّها المحافظة على السرّ المهني –ترى العمادة أن المنشور يدعو لخرقه- وهو واجب محمولا على كل طبيب الاّ في بعض الحالات الاستثنائية التي يحددها القانون، وأن إفشاء السر المهني الطبي يعرض الطبيب الى تتبعات قانونية وتأديبية، كما دعت العمادة الأطباء الى الإحاطة بالأمهات العازبات واطلاعهن على حقوقهن وعلى الإجراءات اللازمة للحصول على خدمات المساعدة من قبل اللجنة والمصالح الاجتماعية المختصة اذا ما رغبن في ذلك. ورغم أن عميد الأطباء يوسف مقني أكّد في تصريح منذ أيام ل(وات) أن المنشور الصادر عن وزارة الصحة يدعو الأطباء والقوابل العاملين بالعيادات الخارجية التابعة للهياكل الصحة العمومية والمؤسسات الخاصة بوجوب الإعلام عن حالات الحمل والولادة خارج إطار الزواج «هو منشور ضامن لحقوق الأطفال فاقدي السند» إلا ان عددا من أطباء الاختصاص اعتبروا أن منشور وزارة الصحّة يدعو إلى خرق السرّ المهني والى الاعتداء على الحريات الفردية. منشور 2004 يعتبر المنشور عدد 64 الصادر في 27 جويلية 2004 الحمل خارج إطار الزواج «حالة استثنائية يجب توجيهها للولادة بمؤسسة مرجعية وذلك نظرا لتوفّر المصالح التي من شأنها أن تقوم بالإجراءات الاجتماعية بعد الولادة». وينظّم هذا المنشور عملية التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال الإحاطة بالطفولة ذات الاحتياجات الخصوصية ولإضفاء النجاعة المرجوة على أعمال «لجنة إثبات النسب» لمتابعة وضعيات الأطفال المولودين خارج اطار الزواج والفاقدين للسند العائلي وفق المنشور يتعهّد ممثل وزارة الصحة العمومية عضو لجنة إثبات النسب، بقبول حالات الولادات خارج إطار الزواج والتنسيق مع بقية أعضاء لجنة إثبات النسب قصد متابعتها. كما يتولّى مهمة التأكّد من ضمان الرعاية الصحية والطبية والنفسية قدر الإمكان للأم والطفل . ويسعى وفق نصّ المنشور ممثّل وزارة الصحّة الى توعية الأم بمسؤوليتها نحو طفلها وتذكيرها بواجباتها تجاهه وإقناعها بأهمية الإدلاء بالهوية الكاملة للشخص المنسوبة اللي الأبوّة.. كما يتم وفق المنشر تمكين الأم التي تحتضن طفلها من بطاقة رعاية صحية مجانية عند الاقتضاء في انتظار تمكينها من بطاقة علاج مجاني أو بالتعريفة المنخفضة من طرف الوحدة المحلية للنهوض الاجتماعي. وفي حالة تخلّي الأم يتم وجوبا إيداع الطفل بالمعهد الوطني لرعاية الطفولة، وتطرّق المنشور إلى مسألة التبليغ بغاية حماية الأم والطفل مؤكّدا أنّه «على الأطباء والقوابل العاملين بالعيادات الخارجية التابعة لهياكل الصحية العمومية والمؤسسات الصحية الخاصّة بوجوب إعلام ممثلة وزارة الصحة العمومية ضمن لجنة إثبات النسب بحالات الحمل والولادة خارج إطار الزواج وتوجيه هذه الحالات إلى المؤسسة الصحية المرجعية لمتابعتها» وتندرج مسألة حماية الأمهات والمواليد خارج إطار الزواج في إطار الحق في حماية المعطيات الشخصيات وكذلك الحرّيات الفردية وقد دعا تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة إلى تنقيح قانون 1998 المتعلّق باللقب العائلي أن للطفل الذي تثبت بنوّته جميع الحقوق على أبيه بما في ذلك الميراث، وقد أكّد الدستور الجديد على أن الدولة تحمي المعطيات الشخصية للأفراد وقد نصّ في فصله الرابع والعشرين على أن «تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية» كما نصّ الدستور في فصله الواحد والعشرون على أن تضمن «الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة» وتجبر ممارسة مهنة الطب الأطباء على الالتزام بالسرّ المهني وفي صورة إفشاء أسرار المرضى يمكن ملاحقة الأطباء قانونيا وتأديبيا. ◗ منية العرفاوي الناشطة الحقوقية أحلام بلحاج ل«الصباح»: المنشور لا يحمي المواليد والأمهات بل «يُراقبهم»! في علاقة بالتبليغ على الولادات خارج إطار الزواج أكّدت الناشطة الحقوقية والطبيبة النفسية والرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات، أحلام بالحاج في تصريح خصّت به «الصباح» أنها كطبيبة تتبنّى موقف عمادة الأطباء وتضيف بلحاج «أما موقفي من المسألة كمدافعة عن حقوق الإنسان فاني أرى أن هذا المنشور يعدّ خرقا واضحا للمعطيات الشخصية للمرضى ولمبدأ الحرّيات الفردية الذي ضمنه وكفله دستور الدولة وكذلك فان هذا المنشور يضرب مبدأ السرّ المهني المحمول على الأطباء ورغم أنه في الظاهر يستند إلى منشور 2004 إلا أنه في الواقع يتناقض مع هذا المنشور الذي ينظّم مسألة تعامل وتعاطي أجهزة الدولة مع الأطفال المولودين خارج إطار الزواج بما في ذلك مسالة التبليغ التي وردت في المنشور وكانت بصيغة حماية المواليد والأمهات ولكن المنشور الأخير لوزارة الصحّة هدفه ليس الحماية ولكن المراقبة والاستخبار..».