"إذا تم عزلي فانتظروا سقوط أمريكا إلى صف دول العالم الثالث".. الكلام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعودة الأصوات المطالبة بعزله مع بدء العد التنازلي للانتخابات النصفية للكونغرس وتحرك الديموقراطيين لاستعادة مواقعهم في المجلس والتهيؤ لإبعاد ترامب في مرحلة لاحقة بعد تواتر الفضائح والأزمات القادمة من البيت الأبيض.. الأكيد على الأقل انطلاقا من الأخبار المتواترة من المكتب البيضاوي أنه لم يسبق لرئيس أمريكي أن ارتبطت مرحلة حكمه بما ارتبطت به مسيرة ترامب خلال العشرين شهرا الأولى من نزوات وأزمات وفضائح سياسية وأخلاقية ومن محاكمات وإقالات واستقالات لكبار مساعديه ومستشاريه.. والأرجح أن متاعب ترامب السابقة واللاحقة كانت ولا تزال مرتبطة بالدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والغموض الذي يحيط بهذه المسألة التي أطاحت حتى الآن بعدد من أقرب المقربين من الرئيس الأمريكي.. سلوك ترامب يرهب مساعديه حتى ان بينهم من لجأ للاستعانة بأطباء نفسانيين بسبب خوفهم منه.. في أقل من عام صدر كتاب مايكل وولف تحت عنوان نار وغضب في لبيت الأبيض fire and fury in the white house .. وقبل أن يهدا الجدل المثير بشأن ما تضمنه من حقائق وأسرار في كواليس البيت الأبيض حتى جاء الإعلان عن كتاب بوب وودوورد "الخوف ترامب في البيت الأبيض" fear trump in the white house .. الحقيقة أيضا أن علاقة ترامب المتشنجة دوما بالإعلام والإعلاميين وتهجمه بسبب وبدون سبب على الإعلام في أن يكون الرئيس الأمريكي في وضع المحارب الذي يشهر سيفه على الدوام في وجه الجميع .. ترامب ومنذ دخوله البيت الأبيض ظل يواجه أصابع الاتهام بشكل مباشر او غير مباشر بالاستخفاف بمصالح بلاده الى درجة الإساءة لمصداقية وصورة أمريكا بين حلفائها وفي العالم.. والأخطر أن أغلب الاتهامات كانت تصدر عن المقربين منه.. وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأنه لم يسبق لرئيس أمريكي ان شهدت فترة ولايته الأولى صدور هذا الكم من العناوين التي تكشف الوجه القبيح لترامب وتنقل للرأي العام ممارساته الارتجالية ومواقفه غير المدروسة.. وقد لا يكون كتاب الصحفي وودوورد ويلسون "خوف في البيت الأبيض" اخر الإصدارات... ولكن الأكيد أن وقعه كان صادما للرئيس الأمريكي فصاحبه أحد أشهر الصحفيين الأمريكيين وكان له دور في كشف فضيحة ووترغيت والإطاحة بالرئيس نيكسون لاحقا.. وحتى الآن فان ما نشر من مقطفات من الكتاب الذي سيصدر الأسبوع القادم كان كفيلا بإحراج ترامب وإزعاجه ودفعه إلى إعلان غضبه من صاحبه وتكذيب ما تضمنه. أخيرا وليس آخرا جاء المقال غير الموقع لأحد موظفي البيت الأبيض والذي نشرته نيويورك تايمز تحت عنوان "أنا جزء من المقاومة" ليصب الزيت على النار ويكشف الوجه الحقيقي لترامب خلف الكواليس ومعاملاته مع فريق مساعديه الذي بات يخشى تصرفاته.. ترامب الذي اتهم الكاتب المجهول بالخيانة طالب ال"اف بي آي" بالكشف عن هوية الكاتب وهو ما اعتبرته الصحيفة أمرا غير مقبول وغير ممكن... وفي انتظار ربما الكشف عن هوية صاحب المقال يبقى الواضح أن الفوضى ستبقى سيدة المشهد من البيت الأبيض إلى المشهد الإقليمي والدولي.. وإذا كانت لأمريكا مؤسسات عريقة وسياسيون لهم من التجربة ما يحركهم للدفاع عن مؤسسات الدولة والحفاظ على مصالحها وكبح جماح الرئيس المتهور فانه على العكس من ذلك تبقى عدوى الفوضى المتمددة التي باتت عنوان النظام العالمي الجديد عنوان المرحلة.. الفوضى تقود منطقة الشرق الأوسط الكبير وفق المصطلح الذي فرضته الإدارة الأمريكية وتنذر بتحوله إلى شظايا متفجرة في ظل استعصاء الحروب والصراعات فيه على امهر الخبراء والسياسيين.. فوضى الحياة السياسية و فوضى الشارع وفوضى المؤسسات ثلاثية تحمن المشهد الراهن في تعقيداته من يوم إلى آخر.. على خلاف ما يحدث في العالم فان ترامب بإمكانه أن يضر مصالح الآخرين الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية بل لعل ذلك احد أسباب قوته وهيمنته ولكنه لا يمكنه الإضرار بمصالح بلده أمريكا ومصالح شعبه.. ورغم كل ما نشر وسرب حتى الآن استطاع ترامب تحقيق أهم ما يرضي الرأي العام الأمريكي وهو نمو الاقتصاد الأمريكي وتراجع البطالة..