حملت الأخبار أمس نبأ رحيل الممثل المصري جميل راتب عن سن ناهزت 92 سنة قضى ما لا يقل عن سبعة عقود منها في العمل الفني، ذلك أن جميل راتب اقتحم عالم الفن سنة 1946 وكان قد ولد لأب وأم مصريين سنة 1926. ولئن كان جميل راتب نجما من نجوم السينما المصرية من بين الأكثر انتشارا في العالم العربي فإنه يعتبر من أكثر الفنانين المصريين قربا من التونسيين ومن أكثرهم حضورا في السينما التونسية، فهو قدم أدوارا هامة في ثلاثة أفلام وهي شيشخان (من انتاج سنة 1990) مع النجمة جليلة بكار وهو من اخراج محمود بن محمود والفاضل الجعايبي و"كش مات"من انتاج 1994 وهو من اخراج رشيد فرشيو وشاركت فيه النجمة شريهان بالتمثيل، و"صيف حلق الوادي" للمخرج فريد بوغدير وهو من انتاج سنة 1996. وكان جميل راتب كثير التردد على بلادنا خاصة بمناسبة ايام قرطاج السينمائية وكان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد استقبل النجم المصري بمناسبة انعقاد دورة 2016 للمهرجان ومنحه وسام الاستحقاق الثقافي. وقد مثل جميل راتب في أكثر من ستين فيلما (دون احتساب مشاركاته الأجنبية) من بينها أفلام مهمة في تاريخ السينما المصرية ونذكر مثلا "الصعود إلى الهاوية" و"البداية" و"وداعا بونابرت" و"عفاريت الإسفلت" و"بيت بلا حنان" و"لا عزاء للسيدات.".. وقد تعامل جميل راتب مع عدد كبير من أبرز المخرجين المصريين من بينهم كمال الشيخ وهنري بركات وصلاح أبو سيف ويوسف شاهين كما اشترك في التمثيل مع نجوم معروفين من بينهم على سبيل الذكر فريد شوقي وفاتن حمامة وشويكار وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز ويسرى وعادل إمام وأحمد مظهر وغيرهم. وكان جميل راتب متمكنا من اللغة الفرنسية مما أهله للمشاركة في أفلام فرنسية وأجنبية والعمل مع نجوم أجانب معروفين على غرار جينا لولو بريجيدا وطوني كرتيس وبيرت لانكستر وغيرهم. وتعتبر تجربة جميل راتب متنوعة فهو إلى جانب عمله بالسينما كان له حضوره البارز في المسرح وقدم أعمالا لكتاب كبار على غرار توفيق الحكيم (قدم في فرنسا عروضا مقتبسة من أعمال لشكسبر وموليير وراسين) وشارك في العديد من الأعمال التلفزيونية ولعل من ابرزها "يوميات ونيس" و"الراية البيضاء". وكان الراحل من الفنانين المصريين القلائل الذين يتمتعون بثقافة مزدوجة عربية فرنكفونية (درس المسرح بفرنسا وتزوج من فتاة فرنسية) مما جعله يتجاوز محليته ويقترب من العالمية. وقد نقلت عدة مصادر أن الكاتب الفرنسي الشهير أندري جيد هو الذي أشار على الممثل المصري بدراسة المسرح بعد أن شاهده في أحد الادوار على الركح، مع العلم أن الصحافة الفرنسية كانت قد نوهت بأداء جميل راتب منذ تجاربه المسرحية الاولى بفرنسا ونوهت بالخصوص بحضوره وبقسمات وجهه المعبرة. ورغم أن أغلب أدوار جميل راتب لم تكن أدوار البطولة لكنها كثيرا ما تشد المشاهد نظرا لشخصية الممثل ولإحترافيته ولقدرته على تجسيم شخصيته ببراعة وقد اشتهر بأدوار الشر نظرا لقسمات وجهه الحادة غير ان أدواره كانت متنوعة (مصرية وأجنبية) وتجربته كانت ثرية ومسيرته كانت طويلة رغم أن عائلة الممثل الراحل لم تكن لتوافق على اقتحامه مغامرة التمثيل وهو سليل عائلة محافظة مما أجبره على امتهان مهن صغرى في بداياته نظرا للصعوبات المادية التي واجهته بسبب اختياراته التي لم تكن مناسبة للعائلة من منظورها بطبيعة الحال. جدير بالذكر أن الراحل كان لا يفوت فرصة في لقاءاته الإعلامية بمصر أو خارجها دون التنويه بمشاركته في فيلم "شيشخان" وهو يعتبر أن هذا الفيلم الأقرب إلى قلبه. مقابل ذلك كان جميل راتب يعتبر مشاركته في فيلم لورانس العرب مع النجم عمر الشريف مهمة جدا لأنها فتحت له وفق تعبيره أبواب العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن جميل راتب لم ينقطع عن العمل إلا في الأيام الأخيرة من حياته وكان قد عرض له في رمضان الماضي مسلسلا بعنوان "بالحجم العائلي" مع النجم يحيى الفخراني. وقد هاجمه المرض في السنوات الأخيرة بفعل التقدم في السن مما استوجب تنقله للخارج للعلاج وبفرنسا تحديدا قبل أن يعود لمصر ويغادر الدنيا على أرضها. وعانى جميل راتب بالخصوص من صعوبات في السمع وفي التحرك حتى أنه لزم كرسيا متحركا ولم يكن ذلك ليحول دون مواصلته للعمل والتنقل وحتى السفر إلى الخارج وحضور مهرجانات دولية، وفي ذلك دليل على قوة الإرادة لدى هذا الممثل الذي كان الفن بالنسبة له ليس مجرد حرفة وإنما طبيعة ثانية.