"الحمار الذهبي" لابوليوس المولود حوالي 125 م والمتوفى حوالي 170م أي إبان الامتداد المسيحي هل هي أول رواية كتبت في تاريخ الإنسانية؟ وأي فرق بين ان يترجم الاثر من لغته الأم مباشرة وبين ما تمت ترجمته من الفرنسية او الانقليزية؟ وهل من المفروض ان يبحث المترجم ويطلع على الترجمة التي سبقته ليضيف لها ويحسنها ام ان الترجمة كذلك عمل إبداعي لكل فيه أسلوبه ومرجعياته التي ينطلق منها باعتبار ان الترجمة توطين للنص بالأساس أو كما قال مدير بيت الرواية كمال الرياحي "أرضنة للنص"؟ كل هذه الأسئلة تم طرحها خلال لقاء نظمه بيت الرواية يوم الجمعة 5 أكتوبر احتفاء بصدور ترجمة تونسية لرواية "الحمار الذهبي" للوكيوس أبوليوس أو أفولاي الامازيغي – التونسي – عن دار نقوش عربية (2018 ) للمترجم عمار الجلاصي ويتنزل اللقاء في إطار تخصيص بيت الرواية كامل شهر أكتوبر للتحاور حول النصوص المؤسسة للرواية في العالم وكتاب "الحمار الذهبي" واحد منها لأنه اعتبر أول رواية في التاريخ وصلت الى عصرنا كاملة بعد ان "ثبت" أن كل ما سبقه من كتابات لم تصلنا كاملة فنيا. حضور كمي ونوعي لافت للنظر؟ بدا من خلال العدد الكبير للحضور والمتابعين من الفاعلين في المشهد الثقافي التونسي ان الأدباء والشعراء والنقاد والمترجمين معنيين بما تقدمه النوادي والمؤسسات المختصة وانه بإمكانهم الحضور والمتابعة ولكن شرط ان لا يكون المحتفى به من الأحياء المجايلين والمعاصرين والشاغلين لحيز مهم في الساحة الثقافية سابقا او حاضرا أي ان يكون غير معروف او أجنبيا أو ضيفا عربيا. ويبدو كذلك ان موقع مدينة الثقافة وسهولة ريادتها باعتبار توسطها للعاصمة وإمكانية الولوج إليها من كل الجهات وكثرة التظاهرات التي تتزامن مع عامل مهم في حضور اغلب الفعاليات ولكن الاكيد ان الاختيارات المدروسة بدقة والتوجه الذي يمس الساحة الثقافية في كل تمظهراتها وتفاعلاتها وطرح المواضيع التي تتضمن أسئلة وإشكالات لها علاقة بالقارئ والباحث والكاتب يشجع على الحضور ويجعل البعض من المعروفين بمقاطعتهم تقريبا لمثل هذه التظاهرات يحضرون ويكون حضورهم فاعلا بالتعاليق والأسئلة التي تبحث وتضيف بغاية التأسيس على أسس صلبة. وتتكون رواية "الحمار الذهبي" التي دار حولها النقاش من 11 فصلا وتروي مغامرات رجل أرستقراطي استعمل السحر ليتحول الى عصفور ولكنه تحول إلى حمار وقد جمع فيها ابوليوس حكايات ذات بعد فلسفي تجمع بين السخرية والايروسية بلغة جميلة وبليغة. قال بعض الحضور انها حكايات شمال إفريقيا وقال البعض من الصحفيين الجزائريين الذين حضروا وناقشوا في حقهم في ﻟﻮﻛﻴﻮس ابوليوس الامازيغي وفي حماره الذهبي انه جزائري وانه جاء الى قرطاج من اجل العلم تماما مثل القديس اوغسطينوس وأكد المترجم عمار الجلاصي انها حكايات يونانية اضاف لها ابوليوس قصة وحيدة يتم تداولها عندنا في شمال افريقيا الى اليوم . مهندس قليل الكلام دقيق المصطلحات وأجوبة حاسمة وأشار البعض ومن بينهم الكاتب جمال الجلاصي ان المترجم عمار الجلاصي ترجم رواية "الحمار الذهبي" مباشرة من لغتها الأصلية لأنه يتقن اللغة اللاتينية وهو ما يجعلها احسن من الترجمتين السابقتين ولكن كمال الرياحي مدير بيت الرواية بيّن ان الترجمة الليبية عن الانقليزية لعلي فهمي خشيم كانت افضل من الترجمة الجزائرية عن اللغة الفرنسية وهي لابو العيد دودو رغم ان الترجمة الجزائرية جميلة ايضا . والمترجم عمار الجلاصي الذي لم يكن اغلب من في القاعة يعرفونه حتى ان البعض لم يسمع باسمه من قبل لأنه يعمل في صمت مطلق بعيدا عن الساحة الثقافية فاجأ الجميع بقلة الكلام ودقة المصطلحات والإجابات الحاسمة من ذلك انه قال مثلا : "لم اطلع على الترجمتين السابقتين وانه لا شيء يدفعني الى الترجمة اليوم لأنني ترجمت "الحمار الذهبي" منذ 20 سنة والدوافع غير البريئة للترجمة لا تعنيني بتاتا ". ولكن هذا المترجم لم يدخل الى الساحة بهذه الرواية فقط ولكن سبقتها أعمال أخرى كثيرة حيث انه مهندس اشتغل في صناعة الطاقة، ترجم آثارا لكتّاب قدماء من إفريقية مثل (ماغون القرطاجنّيّ، ترنتيوس الإفريقيّ، الملك يوبا2، أبوليوس، ترتلّيانُس، القدّيس أغسطينُوس)، وأعمالا حديثة مثل (العقد الاجتماعيّ لروسّو، الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في الفكر الإسلاميّ لمايكل كوك، مشاكل التّشريع الإسلاميّ الحديث لشاخت، عقيدة الإباضيّة لبيير كوبرلي، الإباضيّة جذورها وتطورها المبكّر في عمان لجون ولكنسون، عبد الله بن إباض لمادلنغ، الصّفريّة لنفس الكاتب)، ومن أعماله المنشورة : "قراءة في الكتاب المقدس" (2015) و"حول أيام النبي الأخيرة "( 2017) . القصص ليست من شمال إفريقيا وإنما هي يونانية؟ ورواية " الحمار الذهبي" حسب جمال الجلاصي هي اول رواية في تاريخ الإنسانية وخلاصة الكثير من الحكايات التي كانت تروى في شمال إفريقيا، اجتهد عمار الجلاصي في نحتها وترجمها تقنيا قريبا جدا من الرواية الحديثة واعتمد فيها على البلاغة التقليدية وجعلها حافلة بالمحسنات البلاغية ووصف من خلالها عالما غرائبيا سحريا كتب عنه ابوليوس بأسلوب ساخر تبينت من خلاله ثقافته الموسوعية. وذكر المترجم عمار الجلاصي ان "الحمار الذهبي" هو مجموعة قصص فكاهية كتبها ابوليوس بأسلوب مشوق وبغرائبية بعضها موجود في كتاب "الف ليلة وليلة" وفي "الملك لير" لشكسبير مثل قصة "الأختين". وأكد على ان هذه القصص ليست من شمال إفريقيا وإنما هي يونانية ولكن ابوليوس أضاف لها قصة وردت في الجزء الأخير وقال: "ابوليوس اضاف بكتابه هذا بعدا فلسفيا على الرواية من خلال الإلحاح على الطابع الوهمي لعالم الظواهر ." واتفق الحضور تقريبا مع الروائي كمال الرياحي الذي يعتبر ان "الحمار الذهبي" رواية، خاصة وانه لم يتم بعد تحديد مفهوم دقيق للرواية كما انه يمكن اعتبار انها اول نص روائي في تاريخ الإنسانية مما يعني أن رواية "دونكيشوت" (1604م) للكاتب الاسباني سرفانتيس ليست أول نص روائي عالمي، وان الرواية التاريخية الإنقليزية التي ظهرت في القرن الثامن عشر لم تكن المنطلق لظهور الرواية في العالم، رغم ان جلول عزونة اصر على انها ليست الأولى بل كتبت قبلها روايات لم تصلنا كاملة من بينها ما كتبه السوري لوسيان لوقيانوس السميساطي في القرن الثاني بعد الميلاد. وقال:" ولعل ابوليوس اخذ عنه ." وشغل أسلوب كتابة هذه الرواية الحضور ومن بينهم جلول عزونة الذي لاحظ ان ابوليوس اختار أسلوب الاستطراد لإبراز تفاهة المظاهر امام الجوهر وبيّن الناقد نور الدين الخبثاني ان ابوليوس لم يخرج عن الكتابة النثرية التي كانت وقتها متدنية عن الشعر وان إضافته تمثلت بالخصوص في :"إنزال الحديث عن الآلهة والاهتمام بالسماء والمثل الى مستوى الظواهر العادية والكتابة على حياة الناس."انتهت الجلسة بتوقيع المترجم عمار الجلاصي لكتابه وتواصلت نقاشات وتعاليق من حضروا ونال ابوليوس في غيابه ما لا يحلم به أي مبدع تونسي من اهتمام زملائه .