لم يستمر عمر السفارة الفلسطينية في العاصمة الامريكية أكثر من سبع سنوات ليأتي قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب باغلاق المقر واجلاء من فيه وانزال العلم الفلسطيني عقابا للسلطة الفلسطينية على عدم انقيادها الى مفاوضات لا مشروطة وفق صفقة القرن التي وضعها الرئيس الامريكي ولكن ايضا رفضا لتوجه الفلسطينيين الى محكمة الجنايات الدولية للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة... ومع أن الامر لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا منذ فترة فان الحقيقة أن في الاصرار على تنفيذ قرارغلق السفارة الفلسطينية وهو قرار مجحف وظالم, يشكل خطوة الى الوراء.. لا نريد الاستخفاف بالحدث والوقوف عند مسؤولية الادارة الامريكية في الانسياق الى الضغوط والاهواء الاسرائيلية وهي حقيقة لا تقبل تجاهلها أو التقليل من شأنها وربما لا نبالغ اذا اعتبرنا ان رئيس الدولة الاقوزى في العالم يتحول الى عون تنفيذ للقرارات الاسرائيلية كلما تعلق الامر بملف الشرق الاوسط وهو عون لا يملك حتى القدرة على مناقشة أو بحث تداعيات تلك القرارات المعادية لابسط قواعد الشرعية الدولية والمتناقضة مع قرارات القانون الدولي.. ومع ذلك فان الوصول الى قرار غلق السفارة الفلسطينية في واشنطن ما كان له أن يحدث لو توفرت جملة من العوامل والشروط ولو توفر الحد الادنى من التنسيق الفلسطيني الفلسطيني والتضامن العربي والدولي... ولا شك أن قرار غلق السفارة الفلسطينية وانزال العلم الفلسطيني منها رغم التظاهرات الاحتجاجية التي رافقت قرار الغلق في الساعات القليلة الماضية كان يمكن تفاديه.. لسنا نشكك في جهود الديبلوماسية الفلسطينية التي طرقت كل الابواب والمنافذ الى درجة الانهاك ولكن الحقيقة التي وجب التوقف عندها رغم المرارة التي ارتبطت بهذا الحدث الذي يشكل صفعة حادة ليس للفلسطينيين فقط ولكن لكل الدول التي يعتقد أنها حليفة لواشنطن.. الاكيد أن التحركات الفلسطينية الفلسطينية لمنع تنفيذ القرار لم تسع ربما لاستباق القادم وربما لم يتوقع المسؤولون الفلسطينيون ان تمضي الادارة الراهنة في تنفيذ تهديدها رغم أن كل الاشارات كانت تؤكد انسياق الرئيس ترامب دون ضوابط الى الالتزام بالخيارات الاسرائيلية وليس أدل على ذلك من تعجيله باعلان صفقة القرن وانصرافه الى الاستخفاف بقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة الرافضة لنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدسالمحتلة الخاضعة للتدويل... أين الخلل؟ الحقيقة انه سيكون من الصعب تحديد مواقع الخلل او الخطأ في تحركات السلطة الفلسطينية التي تبقى مساحة المناورة عندها محدودة مقارنة بقدرة اسرائيل المدعومة من العملاق الامريكي على تنفيذ اهدافها ولاشك أن التعويل على الشرعية الدولية العرجاء وعدالة القانون الدولي القائم على سياسة المكيالين نتائجها واضحة ولن تعيد معها للفلسطينيين ما سلب. ولو كان لقرارات الشرعية الدولية قيمة أو دور لكانت القضية الفلسطينية وجدت الحل منذ أول قرار صدر عن مجلس الامن الدولي... بل لعل عدد القرارات والقوانين المؤيدة للقضية الفلسطينية الملزمة منها والصادرة عن مجلس الامن الدولي او الصادرة عن الجمعية العامة تفوق ما صدر ومنذ نشأة الاممالمتحدة في أي قضية اخرى.. بما يعني اليوم أن البحث عن مبادرات أو خيارات تعزز المطالب الفلسطينية المشروعة في المحافل الاقليمية والدولية ليس ترفا وهي مسألة لا يجب أن تنفرد بها حركة من الحركات الفلسطينية دون غيرها بل هي مهمة كل الفصائل والحركات التي يتعين عليها مراجعة مواقعها بعد اغلاق مقر السفارة الفلسطينية في واشنطن والتساؤل جديا ما اذا كان بالامكان مثل هذا القرار العدائي الظالم لولا التنافر الحاصل في المشهد الفلسطيني ولولا العداء والصراع الذي ابتلي به الفلسطينيون الذين يتحملون تداعيات الاختلافات البغيضة وغياب المصالحة التي ساعدت في مزيد تقسيم المقسم وفي تحويل قطاع غزة الى اكبر سجن من نوعه في العالم وجعل الضفة في وضع المريض الذي طال احتضاره والذي يأمل ذووه في الحصول على الترياق الذي يبقيه على قيد الحياة.. نيكي هايلي ليست اخر صقور البيت الابيض لا خلاف ان نيكي هايلي ممثلة الادارة الامريكية في الاممالمتحدة والتي تستعد للتخلي عن منصبها قبل نهاية العام قدمت للاسرائيليين من الدعم ما لم تحظ به حكومة اسرائيلية من قبل وقد وجب الاشارة الى أنه سيكون من الغباء الاعتقاد أن من سيخلف نيكي هيلي لن يكون بحجم حقدها وانصياعها لقرارات ترامب وقرارات ناتنياهو.. بل انه سيكون من السذاجة الاعتقاد أن الاسرائيليين يتحسرون على وجود نيكي هايلي التي خدمت الاحتلال بشكل غير مسبوق والاكيد أن ترامب سيجتهد في العثور على اعتى صقور الجمهوريين لتعيينه خلفا لنيكي هايلي الذي لن تدخر أو يدخر جهدا في خدمة الاسرائيليين بما سيجعل الجميع ينسى بسرعة مواقف نيكي هايلي ومساندتها الامشروطة للتوجهات الاسرائيلية... والاكيد أن حديث مسؤولي الادارة الامريكي عن النموذج الاسرائيلي الذي يحلمون بأن يسود في الشرق الاوسط لا يزال في بدايته بما يعني أهمية العودة للاصل واهمية التفكير في البدائل واطلاق المجال لاجيال من النخب الفلسطينية الصاعدة المتشبعه بسلاح القانون والعدالة الدولية ولكن أيضا التي تمتلك القدرة على اختراق مواقع صناع القرار ومن بينها مؤسسات الاعلام الامريكية ومخاطبتها بنفس اللغة التي تفهمها فضلا عن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية في العواصم العالمية وغيرها.. على أن تكون الخطوة الاولى وهي في تقديرنا الاصعب من الداخل الفلسطيني بجمع الصفوف او على الاقل تاجيل الخلافات والصراعات في مخاطبة الاصدقاء والحلفاء في العالم.. وعدا ذلك فان قرار غلق السفارة لن يكون الاخير والتصدي للاخطر لن يكون ممكنا في ظل المشهد الدولي المترنح وفي ظل هشاشة الموقف العربي وانهيار الذاكرة الانسانية التي أصابها الزهايمرالسياسي المشترك مبكرا... صحيح أن غلق السفارة الفلسطينية لا يعني باي حال من الاحوال مصادرة الاصوات الصادقة ولا تكميم الافواه ولا اسقاط الحق المشروع ولكن الاكيد أن الطريق وهو معقد سيكون اكثر تعقيدا والمخاطر ستتضاعف ومحاولات التدمير ستتكرر والمؤامرات لن تغيب بما يعني أن المرحلة لا تقبل مزيد الهروب الى الامام وتاجيل مراجعة الخيارات التي سيكون للشعب الفلسطيني الكلمة الفصل فيها ولن يكون بامكان احد من القيادات تفنيد او الغاء خياره وحقه في تقرير المصير...