يعود من جديد التحوير الوزاري ليطفو على سطح الأحداث مع بداية العد التنازلي للكشف عن تفاصيله رغم أن الحديث عنه والمطالبة به يمتد إلى حوالي سنة إلى الوراء وتحديدا إبان مطالبة اتحاد الشغل علنا بضرورة ضخ دماء جديدة في حكومة الشاهد. ورغم إعلان رئيس الحكومة منذ فترة أن «التحوير جاري التحميل» في إشارة فُهم منها سعيه لربح الوقت في مشهد متحرك لم يبح بكل أسراره، إلا أن ضغوط الأمتار الأخير مع ما حملته الأحداث على الساحة السياسية من تطورات وانقلاب في المواقف والمواقع والتحالفات فرضت التحوير كأمر واقع لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل، لكن قطعا لن يكون الإعلان عنه ولا شكله بعيدا عن منطق حسابات الوقت المناسب ومراعاة التوازنات البرلمانية والسياسية في سياق صراع السنة الانتخابية التى انطلقت مبكرا. كما لن يخلو التحوير من حسابات رئيس الحكومة وخياراته المستقبلية التى لم يكشف عنها بعد في علاقة بترشحه للانتخابات المقبلة من عدمه وما يتطلبه ذلك من بقائه على رأس الحكومة أو المغادرة مباشرة إثر المصادقة على الميزانية وكذلك في علاقة بما سرب من الكواليس عن حزب الشاهد الجديد. هذه السياقات والحسابات التي يندرج فيها التحوير المنتظر مع جملة من المعطيات الأخرى المرتبطة بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية سواء تلك المرتبطة بملامح الميزانية ومشروع قانون المالية وتواصل اكراهات الوضع المالي الصعب، مع محدودية هامش التحرك الحكومي في إيجاد الحلول لتعبئة موارد الدولة، زد على ذلك حساسية التعاطي مع ضغوط المركزية النقابية المشروعة نظرا لتردى المقدرة الشرائية والارتفاع غير المسبوق لنسب التضخم.. كلها عوامل تقلص من حجم الانتظارات لدى عموم المراقبين كما لدى التونسيين من جدوى وفاعلية تغيير قائمة الوزراء في هذه الظرفية والتوقيت. وتماما كما قيمت الأصوات المجردة من الحسابات الحزبية والسياسية الضيقة جدوى التحوير الوزاري قبل سنة بالتأكيد أن لا فائدة ترجى من وراء هذه الخطوة في تغيير الواقع المتأزم إلى الأفضل، إلا تلك المآرب المرتبطة بتصفية بعض الخصوم أو توسيع الحصة من كعكة السلطة، فمن المؤكد أن الأصوات ذاتها لن ترى اليوم في التحوير المرتقب طوق النجاة الممكن أو العصا السحرية لأزمة البلاد ومشاكل المواطن ونحن قاب قوسين من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. الأكيد أيضا أن رئيس الحكومة وهو يعد العدة للتحوير المرتقب لم يكن خالي الذهن من هذه الظروف المحيطة بخطوة الاعلان عن التحوير، ولعله على دراية كافية بما يردده المواطن البسيط الذي ما فتئ يحصي قائمة الحكومات والوزراء ما بعد الثورة وامتيازاتهم ومستشاريهم إضافة إلى طبيعة اللون السياسي للحكومات المتعاقبة (سياسية وإئتلافية وتكنوقراط ووحدة وطنية) جربت جميعها في نظر التونسيين ولم تصح لأنها فشلت في الاستجابة للاستحقاقات الحقيقية للشعب، فهل سيكسر التحوير الجديد القاعدة؟ لننتظر.. وفقط نقول أنه دون ذلك وإذا ما كان التحوير غاية في حد ذاته فسيعمق «أزمة ثقة» هي في أدنى مستوياتها.