لا نجانب الصواب إذا ما قلنا إن المؤسسة العسكرية تظل نقطة الضوء والأمل في هذا الوطن الذي يئن جراحا بسبب خذلان الساسة وانشغالهم عن هموم البلاد وحاجياتها الحقيقية وفي مقدمتها ملف التنمية وبالأخص تنمية المناطق المهمشة والحدودية ودون ذلك لا حديث عن نجاح ديمقراطي ولا استقرار ولا أمن. نقول هذا الكلام ونحن نطلع أمس على افتتاح الدورة 36 لمعهد الدفاع الوطني الذي اختار البحث في موضوع «إرساء إستراتيجية وطنية لتنمية المناطق الحدودية: الواقع والتحديات والرهانات في ظل المخاطر والتهديدات الحالية وتداعياتها» ويثبت تناول هذا الموضوع مرة أخرى أن المؤسسة العسكرية لم تحافظ عن حيادها واستقلاليتها وانضباطها على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي وتحملها للعبء الأمني الأكبر في مواجهة الإرهاب فحسب، بل هي تفكر أيضا استراتيجيا في مسائل من صميم الأمن القومي ظلت مهملة لدى المسؤولين على إدارة البلاد وحكمها بسبب انصرافهم لصراع الكراسي على حساب صراع البرامج والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. الملاحظ أيضا أن إثارة هذا الموضوع تنسجم مع سياق الوضع الراهن في ظل عودة الحديث عن التهديدات الإرهابية بعد العلمية الأخيرة بشارع الحبيب بورقيبة ولعل التفكير في تنمية المناطق الحدودية يصب قطعا في إطار «معالجة ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة واستفحال ظاهرة الهجرة غير النظاميّة، في إطار مقاربة تنموية شاملة مع ما يتطلبه ذلك من جهد وطني داخلي وأيضا مساعي تعاون ثنائي ودولي على أكثر من صعيد . ومن المفارقات أن المطالبين اليوم بالانخراط في مجهود التنمية بما فيها تنمية المناطق الحدودية وتنفيذ ما جاء به الدستور من تمييز إيجابي للجهات الداخلية مع ما يحتاجه ذلك من نهوض بالبنية التحتية وجلب للاستثمارات وتنشيط الدبلوماسية الاقتصادية مع دول الجوار واستغلال كل الفرص المتاحة لدفع الدول الكبرى على الالتزام بتعهداتها في مساندة الانتقال الديمقراطي في تونس ومساعدتها في مواجهة الإرهاب وتداعياته لا على أمن تونس فقط بل على أمن المنطقة برمتها، لا يولون الاهتمام المطلوب لمثل هذه الملفات ولم تنجز الحكومات المتعاقبة الكثير في هذه المجالات. ولعل الندوة رفيعة المستوى للشراكة بين مجموعة العشرين وإفريقيا ببرلين بداية الأسبوع الجاري تقيم الدليل الكافي أن أولويات سياسيينا غير أولويات المصلحة العليا للبلاد، فالمناسبة كانت مهمة وسانحة لحضور تونسي قوي للدفاع عن مصالحنا الإستراتيجية بحكم موقعنا في القارة الإفريقية لكن ما رشح إلى حد الآن عن المشاركة التونسية ومستوى الاهتمام بها داخليا يبدو دون المأمول. والأغرب من ذلك أنه مقابل هذا الحضور والاهتمام الباهت بقيمة الحدث وحصيلته خيمت للأسف الصراعات الداخلية والتطاحن بين راسي السلطة التنفيذية على التناول الإعلامي و»الفايسبوكي» لمشاركة رئيس الجمهورية في برلين عبر اختزالها في تصريحاته المثيرة للجدل حول العملية الإرهابية وأيضا بعض الأحداث الهامشية كسقوط معطفه. وللأسف يتواصل حجب الصراعات الجانبية لأولويات الوطن الحقيقية.. وهنا يكمن الخطر.