رغم أن الغموض لا يزال سيد المشهد في العملية الإرهابية التي استهدفت بداية الأسبوع قلب العاصمة والتي لقيت فيها منفذة العملية منا قبلة وهي الجامعية المختصة في اللغة الانجليزية حتفها، فقد دفع ضلوع إرهابية بالعملية إلى السطح التغيير التكتيكي للتنظيمات الإرهابية بلجوئها إلى استقطاب عناصر نسائية لتكون أداة في تنفيذ عملياتها بما يعني أولا حصول تحول جذري في «قناعات «هذه التنظيمات التي وإن سبق لها تجنيد عناصر نسائية فان دورها اقتصر على الجنس أو تقديم الخدمات وتلبية احتياجات المقاتلين ودعم وتأهيل للأجيال الجديدة في صفوفه والتي باتت تتجه إلى العناصر النسائية لتعويض عجزها في استقطاب الإرهابيين من الذكور أمام تضييق الخناق من حولها وإجبارها على هذا التحول نزولا عند شعار أنه لكل قاعدة استثناء. وهو ما ينسحب على تنظيم «القاعدة» الذي سبق تنظيم «داعش» الإرهابي في هذا التوجه وهو الذي عمد ومنذ 2005 تجنيد العراقية ساجدة الريشاوي للقيام بعملية انتحارية في إطار ما عرف بسلسلة التفجيرات التي هزت ثلاثة فنادق أردنية آنذاك بالعاصمة عمان وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات بينهم المخرج العالمي السوري مصطفى العقاد الذي لم تشفع له مساهماته غير المسبوقة في الترويج للإسلام من خلال فيلم الرسالة وعمر المختار من تلك النهاية المأساوية وهو الذي لقي حتفه مع ابنته خلال تلك التفجيرات المروعة التي صدمت الأردنيين وصدمت العالم والتي تأتي بعد سنتين على اجتياح العراق وتحوله إلى بؤرة للإرهاب وللجماعات الإرهابية القادمة من جبال أفغانستان.. وسيظل العراق وراء استقطاب الإرهابيين من الجنسين. وسيجد قادة التنظيمات الإرهابية في السيرة النبوية والأحداث التاريخية ما يبررون به هذه التحولات من خلال ما يروى عن مشاركة النساء ونساء الرسول في الجهاد لنشر الإسلام ولن تعوزهم الأمثلة التي يمكن تطويعها لإقناع المقاتلات اللاتي يعتبرن أنهن يدافعن عن قضية مصيرية تهدف لإحياء مشروع الدولة الإسلامية المزعومة والعودة بالحياة الى أكثر من خمسة عشر قرنا خلت وهي مسالة لا تخلو من سذاجة في التفكير لهذه الجماعات التي تريد العودة الى الماضي ولكنها لا تدخر جهدوا في سبيل الحصول على احدث أنواع السيارات رباعية الدفع والساعات اليدوية والأسلحة الفتاكة وكل ما يتوفر لدى الغرب من إمكانيات متطورة ولكن مع رفض التطور الحاصل في العقول ... شجرة الزيتون ترفض الإرهاب ... وبالعودة إلى ما أثارته انتحارية العاصمة مطلع الأسبوع وهي خريجة الانجليزية ورغم عدم تبني أي تنظيم للعملية بعد ثلاثة أيام على وقوعها فان أغلب المؤشرات تعزز القناعة بأن الشبكات الإرهابية باتت تواجه تجفيفا في المنابع سواء تعلق الأمر بالتمويلات المالية أو كذلك بالتعزيزات في صفوفها وهو ما يفسر لجوءها في عديد الأحيان إلى تجنيد الأطفال والمراهقين من الجنسين وهو ما ارتبط في عمليات كثيرة من تنفيذ بوكو حرام النيجيرية أو كذلك الشباب الصومالي رغم انها نادرا ما تحظى بتغطية إعلامية مهمة. الملاحظة التالية وانه بالنظر إلى أن اغلب ما دون عن الإرهابيات والانتحاريات على مدى نحو عقد ونصف من الزمن باللغة الانجليزية فقد تكون اهتمامات إرهابية شارع بورقيبة بدأت بمتابعتها لانتماء عناصر إنسانية خاصة في الغرب إلى صفوف التنظيمات الإرهابية. ومن هنا فقد يكون في شهادة والدة الإرهابية منا قبلة التي كشفت لقناة «بي بي سي «أنها لم تتأخر عن بيع أشجار الزيتون التي تمتلكها لاقتناء حاسوب لابنتها كي تواصل بحوثها وإعداد رسالة الدكتوراه، وهو موقف مشترك بين أغلب الأمهات عبر الأجيال ممن لم يدخرن جهدا في توفير كل ما يحتاجه الأبناء من أجل التعليم والمعرفة. وقد لا يعني بأي حال من الأحوال أن الأم أو العائلة يمكن أن تكون على دراية بتطرف أبنائها أو وقوعهم تحت سيطرة الجماعات الإرهابية.. وبالعودة إلى إرهابية شارع بورقيبة فان الأكيد أنها وإن كانت أول عنصر انتحاري أو كاميكاز في تونس فإنها ليست كذلك في إطار عمليات الاستقطاب للعناصر الإرهابية. والقائمة قد تطول عندما يتعلق الأمر برصد العناصر الإرهابية النسائية المتورطة في أعمال إرهابية في تونس وخارجها بما في ذلك المتورطات في أعمال إرهابية في بؤر التوتر في سورياوالعراق .. ساجدة الريشاوي التي فشلت في تفجير الحزام الناسف قبل خمسة عشر عاما ظهرت العراقية ساجدة الريشاوي في تفجيرات عمان بعد أن فشلت في تفجير حزامها الناسف لتبدأ معها عملية الكشف عن مجندات من أوروبا وأمريكا واستراليا في تنظيم القاعدة ثم تنظيم «داعش» لاحقا. وقد أعدمت الريشاوي بعد جريمة حرق الطيار الأردني الكساسبة وقد حاول تنظيم القاعدة مقايضتها وتخليصها من الإعدام ولم يتمكن من ذلك وليس معلوما ما إذا كانت الريشاوي فشلت في تفجير الحزام الناسف أنها تراجعت عن ذلك في اللحظات الأخيرة بعد ان فجر زوجها نفسه ... والريشاوي تسجيد للعناصر الإرهابية التي تربط بينها علاقات عائلية فهي أرملة الانتحاري على حسين على الشمري، الذي كان بين منفذي تفجيرات الأردن كما أن لها ثلاثة أشقاء قتلوا على أيدي القوات الأمريكية في العراق، أحدهم مساعد أبو مصعب الزرقاوي. وغالبا ما تشير بعض التقارير عن لجوء التنظيمات خاصة في أوروبا إلى استقطاب الشبان والمراهقين في الأحياء المهمشة وفي ملاعب كرة القدم أو في المساجد ... وقد بدأت التنظيمات الإرهابية في السنوات الماضية تقبل بتأنيث رصيدها في تجنيد الانتحاريين كشكل من التعويض. وليست ساجدة الإرهابية الوحيدة في القائمة المطولة للإرهابيات التي تضم مليكة العرود الملقبة ب»أرملة الجهاد السوداء»، أرملة عبد الستار دحمان، الذي شارك في تنفيذ عملية اغتيال، القائد العسكري الأفغاني السابق، أحمد شاه مسعود سنة 2001. وكانت «أم عبيدة» مليكة العرود المعروفة ب»الأرملة السوداء» حكم عليها بالسجن ثماني سنوات في بلجيكا بتهمة تهجير شباب إلى أفغانستان للقتال في صفوف تنظيم القاعدة الإرهابي. قبل أن يتم ترحيلها وكذلك الأمريكية من أصول قوقازية كولين لاروز COLLEEN LAROSE التي انتقلت إلى أوروبا في 2009 ومنها إلى بنسلفانيا وهي في سن السادسة والأربعين لتنفيذ عملية انتقامية من فنان أساء للإسلام برسومه الكاريكاتورية. ومنها أيضا الأمريكية ميريال ديغوك MURIEL DEGAUQUE التي شاركت في عملية انتحارية في العراق في 2005 أيضا وروشمانا شوادري في ماي 2010 وهي في سن الواحدة والعشرين. والبريطانية سامنتا لوث وايتي أرملة احد انتحاريي تفجيرات لندن في جولية 2007 . وحسب دراسة ل»سي.ان.ان» فان بين 455 مقاتلا توجهوا الى سورياوالعراق في سنة واحدة وقع إحصاء 36 امرأة ثمانية بالمائة منهن في سن الثامنة عشرة وهن ينتمين الى استراليا والنمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولاندا واسبانيا وأمريكا.. وإذا كان لكل من هؤلاء حكاية مع التطرف والإرهاب فان الأكيد أنهن أداة لتنفيذ المهمات القذرة للتنظيمات الإرهابية الدموية.. ولاشك ان لكل حكاية ما يستوجب التدقيق لفهم عقلية القيادات للتنظيمات الإرهابية وأساليب التأثير المتغيرة لاستقطاب العناصر الجديدة أمام انسداد المنافذ أمامهم وإمام الحملات التوعوية التي ارتبطت بالحرب المفتوحة على الإرهاب والتي ستحتاج لمزيد الاستثمار في العقول والمعارف من اجل مجتمعات تقوم على العدالة الاجتماعية ورفض ثقافة الموت والظلامية والعداء لكل مظاهر الحياة والإبداع ولكل محاولات تدمير المجتمعات والأوطان عبر الحروب والصراعات والتسليح والتفكيك كما عبر المخدرات وكل أساليب التجهيل وتفقير العقول والبطون ودفعها إلى التطرف ورفض الآخر ومعاداة الاختلاف ... ولاشك أن اجتثاث التطرف والإرهاب لن يكون معركة هينة في زمن العولمة والثورة الحاصلة في تكنولوجيا الاتصال التي لا يبدو أنها تستثمر في خدمة المجتمعات بقدر ما يبدو أنها تدفع دفعا إلى توريط المجتمعات ومحاصرتها أكثر فأكثر.. ومن هنا أهمية التوقف عند ما تحقق للمؤسسة الأمنية في تونس من نجاحات ولكنها تظل في حاجة لمزيد الحصانة لسحب البساط أمام كل الذئاب المنفردة والخلايا النائمة التي وجدت لها ملجأ في ثنايا الفوضى الحاصلة في المشهد الليبي...