«لا تنازل عن حقوق المظلومين وضحايا الاستبداد والدكتاتورية»،»من يكرم الشهيد يتبع خطاه»، «الظلم مؤذن بخراب العمران»، العدالة الانتقالية استحقاق من استحقاقات ثورة الكرامة والحرية» «لا وألف لا لإفلات المجرمين من العقاب»، «يا شهيد لا تهتم الحرية تفدى بالدم».. كل هذه الشعارات رفعت أمس بمناسبة مواصلة الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس النظر في قضيتين الأولى تتعلق بالشهيد أحمد العمري والثانية تتعلق بقضية الشهيد عدنان بن سعيد وكذلك أحد المتضررين معه ويدعى أبو بكر القلالي والتي كانت تعهدت بالنظر فيهما الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بعد احالتها على أنظارها من قبل هيئة الحقيقة والكرامة حيث قررت المحكمة حجزها إثر الجلسة لتحديد موعد جديد. وتجدر الإشارة إلى أن الشهيدين أحمد العمري وعدنان بن سعيد سقطا شهيدين يوم 8 ماي 1991 إثر محاصرة المركب الجامعي المنار بتونس من قبل عدد كبير من أعوان الامن منذ ساعات الصباح الأولى والذين قاموا باقتحام الحرم الجامعي لمنع عقد اجتماع طلابي كانت ستتلوه مسيرة للطلبة احتجاجا على «عسكرة» الجامعة للحد من حرية التعبير والنشاط الطلابي حيث كان من المبرمج ان تنطلق التظاهرات والمسيرات من كلية العلوم نحو المدرسة العليا للمهندسين ثم في اتجاه كلية الحقوق الا أنه بعد التواجد الأمني الكثيف يومها حدثت مواجهات وقام أعوان الأمن بإطلاق الرصاص الحي مما أدى إلى استشهاد العديد من الطلبة من بينهم أحمد العمري وعدنان بن سعيد وجرح العشرات منهم واعتقال المئات. وفي جلسة أمس نظرت المحكمة في القضية الأولى التي تتعلق بالشهيد أحمد العمري حيث بادرت بالمناداة على المتهمين التي نسبت اليهم الانتهاك وعددهم خمسة وهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (محال بحالة فرار) ووزير الداخلية في تلك الحقبة عبد الله القلال، ومحمد علي القنزوعي، وعز الدين جنيح وفريد بن منا (عون الامن الذي أطلق الرصاص على الشهيد أحمد العمري بالمركب الجامعي) حيث حضر نيابة عن محاميه احد المحامين وطالب بتأخير القضية للاطلاع واعداد وسائل الدفاع. شهادات العائلة.. واستمعت المحكمة في جلسة أمس لعدد من شهادات العائلة.. وبسماع شقيق الشهيد أحمد العمري صرح أن شقيقه تعرض للقتل بالرصاص وأطلق عليه احد أعوان الأمن الجامعي بمدرسة المهندسين بالمركب الجامعي المنار بتونس «L'ENIT» وذلك داخل الحرم الجامعي المذكور بتاريخ 8 ماي 1991 ملاحظا بأن شقيقه كان ينشط سياسيا في حركة الاتجاه الإسلامي والاتحاد العام التونسي للطلبة وكان معروفا بنشاطه السياسي المذكور وهو ما جعله حسب اعتقاده مستهدفا. جثة في صندوقين.. وأضاف شقيق الشهيد العمري بان العائلة تم اعلامها بالوفاة بتاريخ 9 ماي 1991 وتسلمت الجثة من غرفة الأموات بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة بتاريخ 11 ماي وكانت الجثة «مغسلة» و«مكفنة» وموضوعة بصندوق صغير وضع بدوره وسط صندوق كبير وقد تسنى له مشاهدة وجه شقيقه الشهيد عبر الفتحة البلورية فتعرف عليه ملاحظا بأن وجهه لم يكن يحمل أثار عنف ظاهرة للعيان وكان قد شاهد «ضميدة» طبية على مستوى الرقبة والصدر، ولاحظ في ذات السياق أنه تم نقل الجثة في نفس اليوم المذكور الى مسقط رأسه بالمنطقة الريفية «الفالتة» من معتمدية قلعة سنان من ولاية الكاف تحت مرافقة أمنية مشددة وتم الدفن في نفس اليوم بواسطة أعوان أمن رافقوا الجثة من تونس العاصمة ولم يتسنى لأفراد العائلة سوى مواكبة الجنازة دون معاينة الجثة أو أن يتم ايواؤها بالمنزل الا بحوالي نصف ساعة. كما صرح شقيق الشهيد احمد العمري بأن معاناة العائلة لم تتوقف عند ذلك الحد بل بدأت معاناة جديدة تتمثل في المراقبة والتضييق على العائلة في كسب الرزق وفي مختلف مظاهر الحياة اليومية، مضيفا أنه رغب في تقديم شكاية لفتح بحث حول ظروف وملابسات مقتل شقيقه وتقديم المتسببين في ذلك للعدالة وسعى للغرض في الحصول على شهادات بعض الأساتذة الجامعيين بالمدرسة العليا للمهندسين وبعض الطلبة والعملة ولكنه لاقى في ذلك مضايقات من الجهات الأمنية جعلته يتراجع عن تلك الشكاية. أما ابنة شقيقة المرحوم الشهيد احمد العمري وتدعى لطيفة البوغانمي فقد شددت على أن عملية القتل استهدفت المرحوم لذاته لأنه وبحسب ما علمت لم يكن حين إطلاق الرصاص عليه بصدد القيام بأعمال شغب أو ما من شأنه أن يبرر الاعتداء المذكور عليه. طلبات المحامين.. ومن جانبه طالب أحد محاميي القائمين بالحق الشخصي المحكمة بالإذن لهم بسماع عدد من الشهود بعد أن أعدوا قائمة في الغرض من بينهم المهندستين اللتين تدعيان ريم حملاوي ومنية مزيد وكانتا حاضرتين يوم الواقعة، فضلا عن توجيه استدعاء للدكتور منصف حمدون الذي أشرف على تشريح جثة الشهيد احمد العمري لسماعه وكذلك دعوة عون الامن علي عبد الله التابع لفرقة مقاومة الإجرام بتونس والذي ورد اسمه في تقرير الطب الشرعي حيث أحضر الجثة للتشريح وقام بتسليمها لقسم الطب الشرعي بتاريخ 10 ماي 1991، حيث طالب بالتحرير عليه وسماعه. من جانبه طالب الأستاذ سمير ديلو نيابة عن زملائه في حق القائمين بالحق الشخصي بإعادة استدعاء من لم يبلغه الاستدعاء من المنسوب لهم الانتهاك وتسجيل ان الغاية من القيام بالدعوى هو معرفة الحقيقة وفتح المجال لكل من نسب له انتهاك للدفاع عن نفسه بعيدا عن التشفي معتبرا أن الجلسات لن تكون ناجحة دون حضور المتهمين. من جانبه طالب ممثل النيابة العمومية بمزيد من التأخير لإعادة استدعاء المتهمين وباتخاذ كافة التدابير القانونية والاحترازية من أجل ضمان محاكمة عادلة وإصدار البطاقات القانونية اللازمة مع إضافة شهادة الوفاة لمن منسوب له انتهاك ووافاهم الأجل. قضية الشهيد عدنان بن سعيد أما بخصوص قضية الشهيد عدنان بن سعيد فان المنسوب لهم الانتهاك عددهم سبعة وهم نوفل الهواس وهو عون أمن بالمركب الجامعي المنار، زين العابدين بن علي وعبد الله القلال ومحمد علي القنزوعي بوصفه مديرا للمصالح المختصة بوزارة الداخلية وعلي المديني ومحمد الطريفي والتهامي الغزواني (وثلاثتهم ضباط أمن). وبسماع خال المرحوم عدنان العبيدي المدعو إبراهيم بن جمعة صرح أنه يقيم بجهة حي بن خلدون بالعاصمة على خلاف بقية العائلة المقيمين بجهة فطناسة من ولاية قبلي فان أحد أقارب المرحوم وهو طالب بنفس الكلية كان أعلمه بأن ابن شقيقته الشهيد عدنان أصيب بالرصاص أثناء تظاهرة طلابية انتظمت بالحرم الجامعي المنار تونس وتحديدا بكلية العلوم اين يدرس المرحوم وهو لا يعرف مصيره وللغرض توجهت زوجته للبحث بمستشفى شارل نيكول لكنها لم تعثر عليه ثم وفي اليوم الموالي حل والد الشهيد بالعاصمة ليتم اعلامه من قبل السلط الأمنية بالوفاة وذلك في اطار محضر بحث ثم طلب منه العودة الى مسقط راسه وانتظار نقل الجثة للمكان. وبسماع والد الشهيد عدنان بن سعيد صرح أنه تم نقل جثة ابنه جوا الى مقر ولاية قبلي اين تم استدعائه من طرف الوالي لترتيب موكب الدفن بعد أن طلب منه تأمين عدم حصول أي تشويش أو اضطرابات فاشترط هو من جانبه عدم حضور أعوان الامن لموكب الدفن وان يتسلم جثة ابنه لنقلها للمنزل لتكفينها وتغسيلها فكان لهم ذلك، ولاحظ والد الشهيد عدنان أنه خلال عملية الغسل عاينوا آثار عملية التشريح وآثار إصابة برصاصة على مستوى الجنب الأيمن للشهيد على مستوى الكبد واصابة أخرى على مستوى أحد فخذيه. كما صرح والده بأنه تمت مضايقتهم من طرف أعوان الامن اثناء موكب الدفن ثم أنه وبعد ذلك بفترة لم يحددها تمت متابعته ومقاضاته في حوالي اربع مناسبات بسبب نشاطه باعتباره ينشط في حركة الاتجاه الإسلامي كما أنه قضى عقوبات بالسجن متفاوتة. كما أكد بأنه علم عن طريق السماع من بعض الطلبة الذين واكبوا التظاهرة وعملية اطلاق الرصاص بان الذي أطلق عليه الرصاص هو رئيس مركز الامن الجامعي بكلية العلوم وهو يجهل هويته.