يقول المؤرخ والاسير الفلسطيني السابق نواف الزرو أن أهل غزة ورفح وخانيونس وبيت حانون ودير البلح وبيت لاهيا وعبسان الكبيرة والصغيرة وكل مخيمات اللجوء في القطاع لم يعرفوا سوى الصمود والمقاومة.. والتضحيات الكبيرة المستمرة بغية دحر الاحتلال والاستقلال.. ومرة أخرى تاتي الرسالة القادمة من قطاع غزة محملة بالدماء والمآسي ولكن ايضا محملة بكل الملاحم النضالية والتضحيات الجسام التي لم يعد بامكان العقل العربي الذي اصابه الصدأ الانتباه لها.. غزة تحترق بوقع القصف الاسرائيلي الذي لا يتوقف منذ ايام.. وغزة تعيش حملة انتقامية مسعورة من قوى الاحتلال بعد فشل المهمة السرية التي حاولت القوات السرية المستعربة القيام بها في القطاع قبل ان ينكشف أمرها وتتحول العملية الى مواجهات مسلحة واشتباكات دموية بين عناصر من حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ اكثر من عقد وبين قوات الاحتلال الاسرائلي.. طبعا لا يمكن الا لمن يرفض قراءة المشهد التعامل مع قوة المحتل الذي تفوق قدراته العسكرية قدرات مختلف دول منطقة الشرق الاوسط جميعا بقدرات حركة حماس الذاتية.. ومهما تكن المواقف من الحركة ومن خلافاتها وصراعاتها مع السلطة فانه لا مجال للمساواة بين اعتى قوة عسكرية احتلالية في المنطقة وبين حركة ترفض الخضوع للاحتلال.. هذا الواقع لا يعني بالمرة ان حماس ليس لها اخطاؤها وزلاتها التي عادت في كثير من الاحيان بالوبال على القضية الفلسطينية ولو كان الامر كذلك لما كان هذا حال غزة واهلها وحال السلطة الفلسطينية ولا حتى حال الحركة التي انحازت عن اهدافها منذ اصيبت بداء السلطة الذي اصابها بالغرور وجعلها تنحاز عن الاهداف التي كانت تتطله اليها.. لسنا في اطار التقييم او المحاسبة ولا ندعي ذلك فلا احد غير الشعب الفلسطيني الذي يدفع ثمن الاحتلال من دماء وأرواح ابنائه وقوافل شهدائه يملك هذا الحق.. ولكن الحقيقة ان المحرقة التي تعيش على وقعها غزة من شأنها أن تؤكد نعي الموقف العربي الذي يبدو أن حجم الصدمة التي اصابته اعجزته حتى عن بيانات الاستنكار والشجب للجريمة التي تحصل تحت أنظار العالم.. ولعل ما يفاقم ماساة غزة ومعها بقية المآسي من الضفة الغربية الى سوريا وحتى الى اليمن ولاحقا الى ليبيا هذا الافلاس المريب للعقل السياسي العربي العاجز عن التحرك ناهيك عن موقف معلن وصريح مما يحدث في الخارطة العربية من استقطاب واختراق وتدمير الى درجة الالغاء والشطب النهائي.. واقع الحال أن الكل يرفض الكل فالفلسطيني في الضفة يرفض الفلسطيني في غزة والسوري في دمشق يرفض السوري في حلب او الرقة او غيرها واليمني في صنعاء يرفض اليمني بدوره والليبي في طرابلس يرفض الليبي في مصراطة وغيرها بل وحتى الوسطاء في الغرب وفي مؤسسات الاممالمتحدة احتاروا في جمع الاخوة الاعداء اصحاب القضية الواحدة تحت سقف واحد للتفاوض او التشاور.. لكل تبريراته ولكل اسباب وهي في مجملها اسباب واهية ولكنها مهدت ولاتزال لدخول قوى اقليمية ودولية على خط الاحداث والازمات لتفاقم الازمات وتزيد في تاخير الحلول وتاجيل المصالحة.. لا نعرف ان كانت كل الاطراف تنتظر عودة غودو ليقودها الى حيث ستجد الظروف مهيأة للامساك بزمام الامور ولا اذا كا كان كل طرف يراهن على سقوط وانهيار الطرف الآخر ليأتيه ضعيفا متوسلا من اجل مصالحة تاخرت كثيرا.. ولكن ما نعرفه ان من يدفع الثمن ليس من يقودون المفاوضات ويتنقلون بين المطارات ويعقدون اللقاءات مع صناع القرار في العالم ثم يعودون سالمين الى مواقعهم لمواصلة نفس الخيارات المفلسة ومضاعفة مآسي الشعوب والاوطان المعنية.. الاكيد انه في خضم المشهد العبثي الراهن في غزة التي تنزف انه لا مستفيد غير سلطة الاحتلال التي ادركت كيف تستثمر في صراعات الاخوة الاعداء فتقطف مزيد المكاسب تنهب الارض تهود المقدسات وتاسر الاطفال وتستبيح الاعراض وتدفع الى تهجير الاهالي وقطع الطريق أمام الاجيال الصاعدة لتكون اجيالا بلا احلام ولا مستقبل ولا تعليم ولا هوية.. هذا حال الفلسطينيين مع الاحتلال من غزة الى الضفة مع مشاريع الاحتلال التي لا ينتبه لها الاعلام ولا تسجلها الهيئات والمنظمات الحقوقية والدولية وهذا ايضا حال بقية الشعوب العربية التي اخضعت نفسها لنوع جديد من الاحتلال الذي يرهن سيادة الشعوب والاوطان ويفاقم مخاطر الانقسامات والتفكك والضياع والفقر المادي والمعنوي وافلاس القيم والاهداف.. ربما يكمن الاختلاف بين الفلسطينيين الخاضعين لاحد اقسى انواع الاحتلال وبين غيرهم من الشعوب العربية الخاضعة لمخاطر الصراعات والحروب الطائفية والاهلية ومخططات التدمير الذاتي أن لدى الفلسطينيين القدرة في كل مرة على العودة الى المشهد والنهوض من الرماد لمواصلة الملحمة ولو بعد حين على عكس من ينتظرون عودة غودو لتخليصهم من قيود بعضهم البعض.. ففي كل شبر من ارض فلسطين غودو عائد لاستعادة الارض ولكن المشهد ليس كذلك حيث الدمار يتمدد وينتشر في مشهد عربي يحتاج الى اعلان نعيه رسميا..