عندما يموت شاب فلسطيني ويصاب العشرات برصاص طائش إثر إطلاق نار في احتفالات حركة «حماس» في قطاع غزة بفوز مرسي بالانتخابات الرئاسية المصرية فإن الحدث لا يمكن أن يكون طبيعيا في شيء، ولا يمكن أن يمرّ دون إثارة أكثر من نقطة استفهام حول من يتحمل دماء هذا الشاب الذي تلقى رصاصة في الرأس فتحولت أفراح غزة إلى أتراح. وعندما يصرح مستشار هنية يوسف رزقة بأن انتصار مرشح الإخوان في مصر هو انتصار كبير للقضية الفلسطينية فإن الأمر لا يمكن أن يمرّ دون إثارة الكثير من الهواجس والمخاوف لعدّة أسباب سنأتي على ذكرها. قد يكون من حق «حماس» أن تحتفل بفوز مرسي وأن تعقد عليه ما شاءت من الآمال والأحلام وأن تنتظر أن يأتيها بالسلام الذي عجز عن تحقيقه حتى الآن كل من حاول ذلك، لكن ليس من حق الحركة المخاطرة باستعمال ذلك الكم من الرصاص للتعبير عن فرحتها، وربما تناست «حماس» في غمرة السعادة القصوى أنها في حالة حرب تماما كما بقية فلسطينالمحتلة وأن كل قطرة دم من دماء شبابها أغلى وأثمن من أن يقع إهدارها بتلك الطريق وهي أيضا أكثر من يدرك أن كل رصاصة تطلق في الفضاء دون موجب يمكن أن تكون المنقذ في مواجهة جرائم الاحتلال والمستوطنين الغزاة... «في انتظار عودة غودو»، عنوان مسرحية ساخرة للإيرلندي ويليام بيكيت وفيها تجسيد لواقع الحال الفلسطيني وحتى الواقع العربي في حالات عديدة عندما تطغى الأوهام على تفكيرنا وعلى حركاتنا إلى درجة تكبيلنا فيتجاوزنا الزمن ويفوتنا قطار الحياة تماما كما حدث مع بطلي مسرحية غودو اللذين انتظرا عودة غودو لإنقاذ قريتهما من الجوع والفقر والمرض فأصاب أهل القرية ما أصابهم من مصائب متكررة وهم متسمرون في مواقعهم في انتظار ظهور غودو من محطة التاريخ، ولكنه لا يعود... طبعا لا يمكن الا أن نتمنى لمصر الثورة وقيادتها المنتخبة النجاح في تحقيق مطالب الشعب المصري وطموحاته في الحرية والكرامة والديمقراطية، وهي مطالب مشروعة من أجلها انطلقت الثورة ولأجلها دفع المصريون مثل غيرهم من شعوب الربيع العربي الكثير لتحقيقها ولا يمكن أن يقبلوا بالتراجع أو التنازل عنها تحت أيّ ضغط كان. بل الحقيقة أن في ظروف وملابسات وفاة الشاب الفلسطيني كما في تصريحات القيادي في حركة حماس ما يعيد إلى الذاكرة أحداثا وتصريحات لا يبدو أن الشعوب العربية استخلصت منها العبر والدروس التاريخية المطلوبة.. والواقع أن الاحتفالات العارمة في غزة بفوز مرسي في الانتخابات المصرية قد أعادت إلى الأذهان تظاهرات مماثلة ولكنها خلفت الكثير من الجروح والآلام والإهانات، ولعل الكثيرين يذكرون ما رافق اقدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على اجتياح قواته الكويت من أهازيج وأفراح واحتفالات باقتراب موعد الخلاص قبل أن تتحول تلك الخطوة غير المحسوبة إلى كارثة على الشعب العراقي وعلى كل المنطقة بعد أن فتحت الطريق مرة أولى للقوات الاجنبية للتدخل لتحرير الكويت ومن ثمة تهيئة الارضية للقوات الأمريكية لاجتياح العراق ومصادرة ثرواته الطبيعية والبشرية وتطويع القانون والقفز على الشرعية الدولية لدفع العراق إلى حرب طائفية لا تنتهي.. كثيرة هي الأسباب التي من شأنها أن تذكر الواقفين في الطابور في انتظار عودة غودو المنقذ والمبشر أن يتأملوا الواقع من حولهم، أن يتخلوا عن العاطفة عندما يتعلق الامر بالمواقف والأحداث المصيرية.. نجاح مرسي ومن ورائه نجاح الثورة في مصر أمر مهم وأساسي في مسار الربيع العربي ووعود مرسي خلال الحملة الانتخابية برفع الحصار عن قطاع غزة يحسب له.. على أن كل ذلك لا يمكن أن يغير بأي حال من الأحوال القليل أو الكثير من المشهد الفلسطيني المتردي الذي ما انفك يتراجع في مختلف المحافل الاقليمية والدولية ليس بسبب عدم شرعية وعدالة القضية ولكن بسبب الأداء المشين للإخوة الأعداء في «فتح» و»حماس» وإصرارهم على التفكك والتشتت والانقسام بدل جمع الصفوف وتوحيد الجهود وتغليب منطق المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح الضيقة والحسابات التي لا تنفع القضية الأساسية في شيء.. من المؤسف فعلا اليوم أن نجد أنفسنا كلما تقدمنا خطوة إلا وتراجعنا خطوات بسبب عقلية التواكل التي توشك أن تبتلعنا ومن المؤسف ألا ندرك رغم كل ما يحيط بنا من تحديات ومخاطر أنه لا شيء سيتحقق لنا قبل أن نحرر عقولنا وأنفسنا المكبلة من تلك العادة المقيتة والقاتلة في الجلوس على الربوة في انتظار الحلول القادمة إلينا من وراء البحار والمحيطات. لقد آن الأوان للإخوة في فلسطين كما لغيرهم من الشعوب العربية أن يدركوا أن غودو لن يعود.. فعجلة الزمن لا تعود إلى الوراء وأن حاضرهم ومستقبلهم ومصيرهم لن يتغير قبل أن يغيّروا ما بأنفسهم...