رغم انفراج الأزمة السياسية بعد حصول حكومة يوسف الشاهد على ثقة مجلس نواب الشعب يوم الاثنين الماضي واستقبالها أمس من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بقصر قرطاج لأداء اليمين الدستوري، فإنه من المتوقع أن تعرف الساحة السياسية جدلا قانونيا ودستوريا آخر في قادم الأيام مرده الوضع الحقيقي لحزب «نداء تونس». ففي حين اعتبر عدد من القيادات الندائية انهم دخلوا مربع المعارضة بعد تغيبهم عن جلسة التصويت الأخيرة للحكومة بحجة رفضهم لها ولبقاء يوسف الشاهد على رأسها، تأتي الوقائع القانونية والدستورية لتفند هذا الزعم... فنداء تونس يدرك تمام الإدراك أنه مازال مشاركا في الحكم وأن هروبه إلى الأمام وانتحاله لصفة المعارضة ماهو إلا محاولة فاشلة لإقناع الرأي العام الوطني بأنه لا يتحمل أسباب الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحاصل. وعلى اعتبار أن الفصول القانونية للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب حددت وعرفت «المعارضة»، فقد جاء الفصل 46 من القانون كالتالي: «يقصد بالمعارضة على معنى هذا النظام الداخلي كل كتلة غير مشاركة في الحكومة ولم تمنح بأغلبية أعضائها ثقتها للحكومة أو لم تصوت بأغلبية أعضائها على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. - النواب غير المنتمين لكتل الذين لم يصوتوا لمنح الثقة للحكومة أو للثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها ويعدّ الاحتفاظ بالصوت رفضا لمنح الثقة للحكومة. ولا يصح التصنيف في المعارضة إلا بتقديم تصريح كتابي لرئاسة المجلس من الكتلة أو النائب المعني. يفقد النائب أو الكتلة التي خرجت من المعارضة آليا المهمة المسندة إليها بصفتها تلك. ينشر التصريح المتعلق بالانتماء إلى المعارضة أو سحب الانتماء منها في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية المتعلق بمداولات مجلس نواب الشعب». فبكل وضوح يؤكد هذا الفصل على ان الانتماء للمعارضة يتطلب عدم المشاركة في الحكومة وهو ما لا يتوفر في وضعية نداء تونس الذي يشارك في حكومة الشاهد بنحو 9 وزراء وكاتبي دولة، بمعنى ان التحوير الوزاري الحاصل كان في صالح النداء أكثر من الاطراف الحزبية الاخرى على غرار حركة النهضة، التي وبالرغم من كونها تمثل الأكثرية البرلمانية فقد تحصلت على 5 وزارات فقط. كما تضمن الفصل 46 من قانون النظام الداخلي للبرلمان ان الانتماء للمعارضة يتطلب بالضرورة تقديم تصريح كتابي لرئاسة المجلس من الكتلة تعلمه فيها بذلك وهو ما لم يحصل من قبل كتلة «نداء تونس» الى حد الآن... ذلك ان الانتماء للمعارضة سيفقد الحزب رئاسته لمجلس النواب كما سيفقده منصب النائب الأول لرئيس المجلس في الآن نفسه. «مطرقة المجلس» في خطر وإذا كانت الوقائع القانونية في صف نداء تونس للمحافظة على ترؤسه لمجلس نواب الشعب، فإن الوقائع السياسية قد لا تكون في مصلحته، اذ يمكن في حال تفاهمت الكتل النيابية الثلاث الكبرى ان تسحب الثقة من محمد الناصر، وهو ما يعني ضمنيا اعادة انتخاب النائبين الاول والثاني لرئيس المجلس، وفِي هذه الحالة يفقد النداء مقعدين نيابيين أساسيين وهما مقعد الرئيس والنائبة الأولى فوزية بن فضة التي تنتمي لكتلة النداء والتي تغيبت عن عملية التصويت الاثنين الماضي. ضمانات الإطاحة بالناصر وبفوزية بن فضة مكفولة قانونا وفقا للنظام الداخلي للبرلمان والذي ينص في فصله ال51 على أنه «يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس بناء على طلب كتابي معلل يقدم لمكتب المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل. ويعرض الطلب على الجلسة العامة للتصويت على سحب الثقة من عدمه في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من تقديمه لمكتب الضبط. ويتم سد الشغور الناجم عن سحب الثقة بنفس طريقة الانتخاب المبينة بالفصلين 10 و11 من هذا النظام الداخلي». نيابيا يمكن للائتلاف الحاكم الجديد: النهضة ومشروع تونس وكتلة الائتلاف الوطني ونواب حزب المبادرة ومستقلين، أن يحيلوا محمد الناصر خارج رئاسة البرلمان وذلك لقدرة هذا الائتلاف على توفير «الخمسين زائد واحد» اَي ما يعادل 109 نواب وهو ما يتطلبه قانونيا ودستوريا إبعاد «صاحب المطرقة» . وفِي رده على ما تقدم، أكد أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي انه لا يمكن اعتبار النداء حزبا معارضا، أوّلا لأنه لم يحضر جلسة التصويت الاثنين الماضي حيث ترك مكانه شاغرا، وبالتالي فإن شغور مقاعد النداء لا تعد تصويتا ب»لا» على الحكومة». واضاف الخرايفي في تصريح ل «الصباح» أن «كتلة النداء لم تقدم تبريرا أو توضيحا أو مكتوبا يؤكد دخولها المعارضة وهو ما يعني أنها مازالت في الحكم». وعن وضعية رئاسة المجلس، قال الخرايفي أن المسألة السياسية قد تدفع بالكتل النيابية الثلاث الكبرى إلى اتخاذ موقف بإعادة انتخاب رئاسة مجلس النواب». فهل تتغير المعطيات برلمانيا كما تغيرت سياسيا؟ كيف سيتعامل نداء تونس وحركة النهضة مع هذه المعادلة؟