*الكتاب سيضطهد سنة أخرى ب7 بالمائة فقط من الميزانية *سنة أخرى سيطالع الأحفاد كتبا لم يرض بها الأجداد تونس – الصباح رغم ما يمكن أن يسببه ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة من حوالي 264 مليون دينار سنة 2018 إلى أكثر من 300 مليون دينار بقليل لسنة 2019، أي بزيادة تقارب 13 فاصل 4 بالمائة من ابتهاج وأمل في وضع أحسن للثقافة فانه لا بد من الإشارة إلى أن ميزانية الوزارة تبقى دون واحد في المائة (0 فاصل 73 بالمائة) من ميزانية الدولة، وهذا مؤسف بالنسبة لما ينتظره التونسي من هذه الوزارة التي اثقل كاهلها بمطلب تغيير واقع المجتمع التونسي والنهوض به قيميا وجماليا وتكوين رأي عام محترم وواعي تتبلور فيه الاختيارات الوطنية الرافضة للإرهاب والداعمة لفكرة تنمية الانسان.. فوزارة الثقافة تجد نفسها اليوم تقريبا وحدها المعنية والعاملة على تخليص الشعب التونسي من سوسة الإرهاب وإنقاذ الشباب من خطر الانخراط اللاواعي فيه وقد بدا لنا من خلال المتابعة اللصيقة ان مجهودها في هذا المجال يتجاوز مجهود العديد من وزارات السيادة وحتى وزارة التربية والتعليم نفسها وهذا طبعا دون تقييم لهذا المجهود واعتمادا على ما ورد في الحديث الشريف "مَن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد." مهمات خطيرة بأموال قليلة مهمة وزارة الشؤون الثقافية اليوم خطيرة وذات أولوية وتحتاج إلى مال كثير تصرفه سنة 2019 لاستكمال تنفيذ مشاريعها المركزية الكبرى والجهوية العديدة ولتحقيق ما رسمته من أهداف مثل تطوير البنية التحتية الأساسية للمؤسسات الثقافية في الجهات وفي العاصمة أيضا ولتعزيز خارطة المراكز الجهوية للفنون الدرامية والركحية والمعاهد الجهوية للموسيقى، وتفعيل تدخلات المعهد الوطني للتراث في صيانة المواقع الأثرية والتاريخية وتثمينها اقتصاديا وثقافيا. والأكيد أن ميزانية صفر فاصل لن تساعد وزارة الشؤون الثقافية على تنفيذ خطة الدولة التونسية للمحافظة على النمط المجتمعي التونسي وعلى عقل شبابي تونسي واع لا تشوبه شوائب الغضب والغبن والشعور بالتهميش والجنوح نحو الإرهاب. قطعا تحتاج الوزارة إلى أكثر من هذه النسبة بكثير من اجل الإيفاء بتعهداتها المتمثلة في إنهاء تهيئة مركز القصر السعيد بباردو وافتتاحه وتخصيص ميزانية للتعهد بمصاريفه، وكذلك بالنسبة لمركز تونس الدولي للحضارات الطاهر بن عاشور بالمرسى، ومركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي بتونس، وكلها لا تدخل- حسب رأينا في باب الكماليات التي ستكتفي الوزارة بان ترصد لها ميزانيات تذر بها الرماد على العيون، هذا إضافة إلى ما ستحتاجه لتنظيم تظاهرات ثقافية جديدة على غرار "أيام قرطاج للخزف الفني" وأيام قرطاج للهندسة المعمارية" وهي أيام مهمة جدا لا يمكن ان نكتفي في تنظيم دورتها التأسيسية بميزانية " عندكشي عندي" لأنها ستسلط الأضواء على دور الهندسة المعمارية المعاصرة والتخطيط والإبداع المعاصر في تحسين نوعية الحياة وتحقيق الاستدامة وإبراز دور العمارة في عملية التغيير التي تطال المجتمعات، وستبحث في مواضيع مثل قدرة العمارة على تحسين نوعية الممارسات في محيطها ومدى تأثيرها على الوجه السياسي وعلى عملية التحول الديمقراطي في للبلدان المعنية بها ولن تكون سجادة حمراء وفلكلور... الميزانية الضعيفة يتضرر منها الكتاب هذه الميزانية الصغيرة وهذه المواعيد الثقافية الكبرى والطموحة والمشروعة في بلد مثل تونس وفي هذه المرحلة الانتقالية من تاريخه تجعلنا نتوجس من تسليط بعض الظلم على الكتاب وأهله مثلما عودتنا المصالح المختصة في الوزارات الثقافية السابقة التي كانت تتناسى أو تغض النظر عن الجزء الأخير من اسم "صندوق التشجيع على الإبداع الفني والأدبي" أي "الأدبي"، ونراه الأهم في كل الحالات لان الصندوق بعث بالأساس من اجل هذا "الأدبي" الذي لا يحظى الى يومنا هذا إلا بالقليل الذي لا يمكن ان يرد اعتبار الكاتب والكتاب والناشر. صحيح ان الاعتمادات المخصصة لصندوق التشجيع على الإبداع الفني والأدبي بعنوان سنة 2019 ارتفعت الى 7 مليون دينار بعد ان كانت 4 مليون دينار فقط سنة 2018 ولكن أي نصيب سيكون فيها للكتاب ولأهله وهل سيتم توزيع هذه الاعتمادات بعدل يمكّن من إنصاف الكتاب ويدعم بحق روح الخلق والإبداع لدى المبدعين التونسيين خاصة وان الكل على علم اليوم بما يكابده صناع الكتاب من إشكالات وتعقيدات. للأسف فان توزيع ميزانية وزارة الثقافة لسنة 2019 لم ينصف الكتاب هذه السنة أيضا حيث لم تفرد له إلا نسبة 7 بالمائة في حين أسندت لبرنامج القيادة والمساندة (42 بالمائة) والعمل الثقافي (21 بالمائة) أي نسبة 60 بالمائة من الميزانية ونسبة 13 بالمائة للفنون و17 بالمائة للتراث. 7 بالمائة فقط من الميزانية رغم اقتناع الجميع بأهمية دور الكتاب في إستراتيجية تغيير واقع المجتمع التونسي والنهوض به وخلق رأي عام واع وقادر على التمييز وفي إبعاد الناشئة والشباب عن الإرهاب والمخدرات وعمليات تجاوز الحدود والإبحار خلسة.. الكتاب هو الكفيل بغسل الأدمغة التونسية الشابة مما علق بها من شوائب الحقد الاجتماعي والشعور المبالغ فيه بالغبن والنقص والرغبة في الهروب إلى المجهول. تحيين وتجديد مخزون المكتبات العمومية أولوية إذا وصل الكتاب إلى داخل الجمهورية وتحصل عليه المواطن التونسي بيسر ووجده أمامه في المكتبات العمومية فانه سيغير واقعه بالضرورة. ولكن الكتاب الذي يجب ان نوصله الى المواطن الذي مازال يرتاد المكتبات العمومية ويقرا ويطالع لا يمكن ان يكون ذاك الذي يطلبه حافظ المكتبة فقط، فقد لا يوفق حافظ المكتبة في الاختيار وقد يوجّه ولا يعبر بصدق عن احتياجات رواد مكتبته. والواقع يفرض ان توجه وزارة الإشراف نفس الكتب ونفس العدد الذي لا يجب ان يكون اقل من ثلاثة نسج لل420 مكتبة عمومية الموجودة في البلاد وهذا لا يمكن ان يتيسر ولجنة الشراءات فيها تكتفي بشراء 50 نسخة فقط من كل كتاب يصدر، كما انه توجد لدى مصالح وزارة الثقافة كتب المكتبات العمومية داخل البلاد أولى بها من بقائها مخزنة في الصناديق، ومن المؤسف ان يذهب الأطفال والتلاميذ إلى مكتبات عمومية بعضها آيل إلى السقوط في القرن ال21 فلا يجدون فيها إلا كتبا سبق ان قرأها أجدادهم وآباؤهم وان لا يجدوا الإصدارات الجديدة – إلا ما رحم ربي والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه- . لقد أصبحت الثقافة مهمة في سلم أولويات الوطن باعتبار ما اسند لها من ادوار أهمها محاربة الإرهاب والمحافظة على الهوية الوطنية وتغيير واقع المجتمع إلى الأفضل وترسيخ قيم المواطنة والانتماء وإشاعة مبادئ المدنية وتكريس ثقافة القرب وتفعيل مبدأ حق المشاركة في الحياة الثقافية ولان هذه الثقافة لا يمكن ان تكون فاعلا في مسيرة التنمية والتحديث وتجذير قيم الديمقراطية ولا آلية ناجعة لمقاومة المخاطر التي تهدد المجتمع والأفراد إلا عبر الكتاب فقد كان لا بد من رصد دعم اكبر له.. نعم تحتاج تونس اليوم الى مدن الفنون ومدن الحضارات ولبرنامج وطني للمبادرات الثقافية والصناعات الإبداعية والتجديد التكنولوجي و لجيل جديد من المستثمرين والمبدعين الشبان والى العديد من البرامج الخصوصية والتظاهرات الفنية الكبرى ولكنها تحتاج أيضا إلى كتاب راق في شكله ومتميز في مضمونه يصل بسهولة الى القارئ ويوزع بعدل يردّ من خلاله الاعتبار للكاتب والمترجم والناشر. لا يمكن لأحد اليوم ان ينكر على وزارة الشؤون الثقافية ما تبذله من مجهودات في سبيل دعم كل المجالات الإبداعية، وفي تحفيز حركة الخلق والإبداع وتعزيز إشعاع الثقافة التونسية في الداخل والخارج. ولا يمكن كذلك ان ننكر محاولاتها من اجل الارتقاء بفحوى العمل الثقافي من اجل صنع مواطن تونسي واع ينبذ الإرهاب ولا ينخرط فيه مهما ساءت حالته الاجتماعية مما يجعل عملها أحيانا أهم بكثير من عمل الوزارات ذات السيادة أو المعنية لذا كان لا بد من مزيد الترفيع في الميزانية المرصودة لنشاطها وكان لا بد من رصد أكثر من 7 بالمائة منها للكتاب على الأقل لتتمكن من تحيين مخزون المكتبات العمومية ومدها بالإصدارات الجديدة والمهمة لان الكتاب وحده القادر على مساعدتها على تنفيذ خطط عملها وما تقترحه من استراتيجيات.