رفض الرئيس الأمريكي الاستماع للتسجيل الخاص بجريمة اغتيال خاشقجي وهو محق في هذا الموقف بالنظر إلى فظاعة الجريمة وبشاعتها، وما تم تسريبه حتى الآن من تفاصيل تعكس العقلية الداعشية لمنفذي الجريمة الذين لا يختلفون في شيء عما اقترفه أنصار هذا التنظيم في كل الدول والمواقع التي اخترقها وتسلل إليها تجار الدين وسماسرة البشر ومروجو الظلامية الذين استنزفوا الأوطان وتسببوا في تفكيك الأوطان وتشريد الشعوب وحرق الأجيال، ويكفي التوقف عند ما نشرته إحدى الصحف التركية بعد تأكد وقوع الجريمة على لسان سائق تولى نقل عدد من المتورطين من القنصلية إلى الفندق الذي أقاموا به دون معرفة بما حدث وشهادته بشان حالة الارتياح والانتشاء التي كانوا عليها وهم يقبلون على التدخين والشرب داخل السيارة الفاخرة ويطلبون منه أخذهم لاحقا إلى مطعم فاخر لأنهم يشعرون بالجوع.. وهو ما يعكس حالة التوحش التي كان عليها هؤلاء والتي طالما صدمت الرأي العام كلما تعلق الأمر بعمليات قطع الرؤوس التي اقترفها تنظيم "داعش" الإرهابي في مختلف المناطق التي فرض عليها سيطرته من الموصل العراقية الى الرقة السورية.. وهي جرائم من شأنها أن تصيب المتتبع بالغثيان.. والحقيقة أنه برغم الانتقادات التي لاحقت الرئيس ترامب حتى الآن بشأن موقفه من نتائج التقرير الذي توصلت إليه الاستخبارات الأمريكية وترجيح معرفة ولي العهد مسبقا بالجريمة واعتباره أن الجريمة وبحسب موقع اكسيوس axios "حظيت باهتمام زائد عن اللزوم باعتبار أن خاشقجي لم يكن مواطنا أمريكيا بالأصل واعتبر ان الأمر سخافة بحد ذاتها وأن قتل شخص واحد لا يعني شيئا أمام أفعال وانتهاكات سلطات في دول أخرى ضد شعوبها "... قد يكون الرئيس الأمريكي وجد في ذلك ما يعفيه ولو مؤقتا مزيد الانتقادات والاحراجات أمام الرأي العام الأمريكي والدولي بتخليه عن القيم الأمريكية الكونية واحترام الحقوق والحريات، ولكن الأكيد أن في موقف الرئيس الأمريكي ما يعكس أيضا تجاهل سيد البيت الأبيض الأهم بين القتل بالتفصيل واستهداف وتصفية الخصوم السياسيين والمنافسين كما هو الحال في جريمة خاشقجي وفي مختلف الاغتيالات السياسية التي لا يخلو منها عصر من العصور والتي غالبا ما يقع الاهتمام بمختلف تفاصيلها مهما بلغت من الفظاعة، وبين القتل بالجملة وهو أيضا لا يكاد يتوقف، ومع ذلك فان القتل بالجملة يكاد يتحول إلى تلك الأحداث المألوفة التي تهتم برصد الأرقام وتسجيل قائمات الضحايا وهو ما حدث ويحدث منذ عقود مع الماسي الفلسطينية المستمرة من الضفة إلى القطاع وهو أيضا ما حدث ويحدث في عراق ما بعد 2003 وما سجله من جرائم حرب ترقى إلى درجة الإبادة الجماعية وما حدث في ليبيا وما حدث ويحدث في سوريا منذ نحو ثماني سنوات من استنزاف لا يتوقف وهو أيضا ما حدث ويحدث في اليمن غير السعيد حيث المعاناة مضاعفة وحيث الة الموت تحصد المئات يوميا من ضحايا أسوا الحروب على الإطلاق في بلد تتعمق جراحه كل يوم اكثر بين سندان الحرب المستمرة بين التحالف والحوثيين ومطرقة المجاعة التي تحصد جيلا بأكمله حتى أن مختلف المؤسسات الإنسانية الأممية ما انفكت تحذر ومنذ فترة من المجاعة غير المسبوقة في هذا البلد.. والحقيقة أن القتل بالتفصيل والقتل بالجملة يتنزل في إطار الجريمة المرفوضة أيا كانت أهدافها وتبريراتها.. لسنا نبالغ إذا اعتبرنا أنه لو توقف الرئيس ترامب لحظة واحدة عند مشاهد الموت اليومي للأطفال في المشهد السوري والعراقي واليمني والفلسطيني والصومالي لوجد بين هؤلاء بدل الخاشقجي آلاف الخاشقجي ممن لا يمكن لكل لغات العالم أن تنقل حجم المأساة التي تحاصرهم.. ولو كتب للرئيس ترامب أن يتابع بعض من التسجيلات التي توثق الموت البطيء لجيل بأكمله في مختلف هذه المعارك لكان انتبه إلى أن العالم يعيش كل يوم بل كل لحظة على وقع جريمة مماثلة لجريمة خاشفجي تقترف بأدوات وأسلحة مستوردة من المصانع الأمريكية والغربية التي تستثمر وتتوسع على حساب الضحايا.. من حق ترامب أن يرفض الاطلاع على التسجيل الخاص بجريمة قتل خاشقجي ولا نعتقد أن اي إنسان عادي يمكنه القيام بذلك دون ان يصاب بالانهيار فماذا لو توقف ترامب لحظة أمام ذلك الجبل من الوثائق والتسجيلات اليومية لمختلف جرائم القتل الممنهج والقتل البطيء والموت الجماعي لأجيال متعاقبة تدفع ثمن وآثام وصفقات حروب تدميرية لم تخترها ولم يكن حتى بإمكانها الهروب منها أو تفادي تداعياتها ... لا يبدو أن ملف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي يقترب من نهايته بل الأرجح أنه كلما بدا وان القضية تستعد لطي صفحاتها بإعلان السعودية رسميا وقوع الجريمة في مقر قنصليتها في اسطنبول قبل شهر وتحميل المسؤولية لثمانية عشر شخصا اشتركوا في حقن خاشقجي حتى الموت وتقطيع أوصاله قبل تذويب الجثة والتخلص منها.. بل ولاشك أنه سيكون من السابق لأوانه اعتبار أن هذا الملف بات من الماضي بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الشراكة الأمريكية السعودية التي لا تقبل التفريط...