* إعلان المجتمع المدني: فقرات من مشروع الاتفاق قد تستخدم لتبرير السياسات المعادية للهجرة وسياسات إقصاء وتجريم المهاجرين تونس-الصباح يجتمع يومي 10 و11 ديسمبر الجاري قادة وممثلو العالم في مدينة مراكش بالمغرب للنظر في اعتماد أول اتفاق دولي شامل من أجل جعل الهجرة الدولية أكثر أمنا وكرامة للمهاجرين. غير ان النسخة النهائية للاتفاق الدولي حول الهجرة والمهاجرين لا تحظى بإجماع دولي بعد أن أعلن عدد من الدول الأوربية منها المجر والنمسا وسلوفاكيا والتشيك وبولندا وأستراليا، وبلغاريا، والولايات المتحدةالأمريكية وبعض الدول الخليجية رفضها التوقيع على «الميثاق العالمي للهجرة» المقرر تبنيه في المؤتمر، وهو أيضا محل انتقادات واسعة من قبل ستة ممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية الناشطة في مجال الدفاع عن الهجرة غير النظامية من بينها منظمات تونسية على غرار المنتدى التونسي للدفاع عن حقوق الإنسان، واللجنة من أجل احترام الحقوق والحريات الأساسية في تونس. ويعد المنتدى العالمي حول الهجرة، الذي تترأسه المغرب وألمانيا، أول مؤتمر أممي يعالج قضية الهجرة، برعاية الأممالمتحدة، ويصادف احتفال المجتمع الدولي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويهم المؤتمر على وجه الخصوص الدول المغاربية وأساسا تونس وليبيا والمغرب التي تعاني إما من إشكاليات عويصة في التعامل مع الهجرة غير النظامية من خلال بعدين، بعد يتعلق بكون تلك الدول مناطق عبور المهاجرين الأفارقة لأوربا عبر أراضيها أو تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين من مواطنيها إلى الدول الأوربية بحرا خاصة عبر استعمال قوارب الموت وما يخلفه ذلك من ضحايا وأزمات.. بخصوص المشاركة التونسية في المؤتمر، أكد المكلف بالإعلام بوزارة الشؤون الخارجية، في تصريح ل"الصباح" أن تونس ستكون حاضرة في أشغال المؤتمر لكن لم يتم بعد تحديد مستوى التمثيل الرسمي. غير انه من غير المستبعد أن يشارك في المؤتمر الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج رضوان عيارة. على مستوى الدولة الراعية للمؤتمر، تأمل المغرب في أن يمكن الميثاق المقترح من طرف المنظمة الدولية من تقوية دعائم التعاون متعدد الأطراف، بما يتيح احترام سيادة الدول وتعزيز العمل المشترك، وكذلك طرح أفكار مبتكرة ومبادرات ملموسة لإيجاد حلول لتنامي أعداد المهاجرين. وتؤكد أن التعامل مع الهجرة «لا يمكن أن يتم انطلاقاً من مقاربة أمنية فقط، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار البعدين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك السبل الكفيلة بإدماج المهاجرين في المجتمع وفق مقاربة شمولية تشارك فيها كل الدول المعنية". وقد أكدت الخارجية المغربية، أن ثلثي أعضاء الأممالمتحدة أكدوا حضورهم لمؤتمر مراكش، فيما لم يحدد عدد الرؤساء الذين أكدوا حضورهم إلى المغرب، مكتفية بتوقع "تمثيلية عالية" لأغلب الدول المشاركة. أما الدول المعارضة لميثاق الأممالمتحدة حول الهجرة، فتبني موقفها انطلاقاً من سياستها «الصارمة» في مراقبة حدودها والحفاظ على أمنها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية. أبرز محاور الميثاق يضع الميثاق 23 هدفاً لفتح الهجرة القانونية، وإدارة تدفّق المهاجرين بشكل أفضل، حيث ارتفع عددهم إلى 250 مليون نسمة، أي 3 في المائة من سكان العالم. والميثاق عبارة عن وثيقة غير ملزمة قانونيا، ترتكز على قيم سيادة الدولة وتقاسم المسؤولية وحقوق الإنسان وعدم التمييز، وتقر بالحاجة إلى نهج تعاوني لتحسين الفوائد العامة للهجرة، مع التخفيف من مخاطرها وتحدياتها للأفراد والمجتمعات في بلدان المنشأ والعبور والمقصد على حد سواء. كما يحتوي على الإجراءات لمساعدة الدول على التصدي للهجرات في مستوى تحسين الإعلام وإجراءات لتحسين إدماج المهاجرين وتبادل الخبرات . ويهدف الميثاق إلى «زيادة التعاون بشأن الهجرات الدولية في جميع أبعادها ومحاربة تهريب البشر». وينص على الحفاظ على «سيادة الدول» مع الاعتراف "بأنه لا يمكن لأية أمة أن تواجه منفردة ظاهرة الهجرة»، وأنه «من المهم أن توحدنا الهجرة بدلاً من أن تقسمنا". ورغم الجدل الكبير الذي أحدثه الميثاق العالمي للهجرة، سنة ونصف من النقاش والمفاوضات، تسعى الأممالمتحدة إلى اعتماده في مراكش بداية الأسبوع المقبل، واضعة مقترحاتها لمساعدة الدول على مواجهة موجات الهجرة، عبر تسهيل نقل المعلومات واستيعاب المهاجرين وتبادل الخبرات، من أجل هجرة آمنة، وسعيا لوقف مآسي الهجرة. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عقب اتفاق الدول الأعضاء على صيغة الاتفاق العالمي، في جويلية الماضي، بأنه "إنجاز كبير"، مشيرا إلى أن الاتفاق "يعترف أيضا بحق كل فرد في السلامة والكرامة والحماية"، وفقا لما ورد بالموقع الالكتروني الرسمي للمنظمة الأممية، "أخبار الأممالمتحدة"، الذي نقل أيضا تصريحا للممثلة الخاصة للأمين العام بشأن الهجرة الدولية لويز أربور تحدثت فيه عن فوائد الهجرة، لا سيما بالنسبة للبلدان التي يستقر فيها المهاجرون. ودعت أربور الحكومات إلى ترسيخ نهجها في الواقع، "لأن المبالغة في تصور أن المهاجرين يشكلون عبئا أو تهديدا، هو عكس الواقع تماما". وقالت إن "العديد والعديد من دول العالم اليوم ستحتاج إلى استيراد جزء من قوتها العاملة". وبسؤالها عن عدول مجموعة من الدول عن قرارها بشأن اعتماد الاتفاق، قالت مسؤولة الهجرة الدولية إن ذلك ينعكس بشكل سلبي على صورة تلك البلدان. وأضافت أن "جميع الدول كانت حاضرة على طاولة المفاوضات عندما اعتمد نص الاتفاق العالمي، لذا أعتقد أن سياستها الخارجية وروح التعددية ستتأثر بشكل خطير إذا تراجعت عن اعتماد وثيقة، كانت قد وافقت عليها قبل بضعة أشهر فقط". إعلان المجتمع المدني بدورها، أصدرت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني من بينها منظمات تونسية ومغربية، "إعلان المجتمع المدني حول الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية"، مؤرخا في 30 أكتوبر 2018، وقالت إنه عبارة عن قراءة نقدية لوثيقة "الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية"، والتي من المفترض أن يوقع عليها رؤساء الدول أثناء انعقاد ملتقى مراكش. وانتقد الموقعون مشروع الاتفاق المقترح في نسخته النهائية، وقالوا انه "عبارة عن أداة في خدمة الدول المستقبلة للهجرة، ومراقبة الدخول إليها وفقا لمصالحها". محذرة من أن "التوافق الناتج عن المفاوضات يتجه نحو وضع آلية تلائم مصالح البلدان ذات الدخل المرتفع والمصنعة في تجاهل تام لحاجيات بلدان الجنوب الأقل تقدما والمهاجرين بشكل خاص". وأكد الموقعون على البيان أنه في غياب قانون دولي ينص على "الحق في الهجرة"، كان من المفترض أن يسد هذا الاتفاق الفراغ الموجود، وأن يعتمد المبادئ الكونية، والإعلانات والعهود ذات الصلة، في لحظة تنامت فيها خطابات وتبريرات السياسات الحالية المتمحورة حول مراقبة الحدود. والتي لا تشكل فقط مساسا بحقوق الأشخاص، بل إنها غير فعالة أيضا بالنظر إلى الأهداف المتوخاة منها. ولاحظت منظمات المجتمع المدني أن عدة فقرات من الاتفاق يمكن أن تستخدم لتبرير السياسات المعادية للهجرة وسياسات إقصاء وتجريم المهاجرين. فعلى مستوى بعض حكومات البلدان التي تعرف حركية للهجرة مثل إيطاليا، فإن الخطابات الشعبوية ذات الحمولة العنصرية تنتشر وتساهم من في شرعنة العناصر التوجيهية للاتفاق الذي لا يقترح أي سبيل ممكن لمقاومة الخطابات والممارسات السياسية المتشددة وإغلاق الحدود في وجه الهجرة. خصوصا بالنسبة للفئات الهشة مثل الأشخاص الذين لا يتوفرون على بطاقة الإقامة، والأطفال القاصرين والنساء المهاجرات. مخاطر لتجريم المهاجرين وجاء في البيان :"رغم أن الاتفاق العالمي من أجل الهجرة يؤكد على بعض المبادئ الايجابية الواردة في العديد من الاتفاقيات الدولية، فإنه يبقى اتفاق غير ملزم، وتمت المفاوضات بشأنه على مستوى الحكومات ضمن سياق متسم بالنزاعات بين الدول، وأزمة التضامن بين دول خرساء بسبب هواجس أمنية وليس إنسانية." وأضافت: "بعيدا عن تقليص عدد تأشيرات الدخول للمهاجرين، فالسياسات الأمنية والقمعية، إضافة لكونها انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، فإن تكلفتها مرتفعة وتشجع على نهج استراتيجيات أكثر تعقيدا وخطورة لاجتياز الحدود بشكل غير قانوني. وتشكل عناصر تعزيز لنشاط شبكات التهريب – التي طالما تم شجبها في المؤتمرات البين حكومية - وبالتالي فإنها تحمل إختلالات أمنية جديدة لمناطق أكثر هشاشة بسبب نزاعات متعددة". كما لاحظت منظمات المجتمع المدني أن الميثاق يسعى إلى توافق بين الدول من أجل تدبير أمني للهجرة غير النظامية والبحث عن تعزيز الإجراءات الأمنية، ووضع حد لمبدأ عدم مصادرة حرية التنقل ما قد يجعله أداة لشرعنة التراجعات على مستوى حقوق المهاجرين. ويمكن أن يستعمل من جهة لتبرير سياسات إقصاء وتجريم المهاجرين، ومن جهة أخرى تحقيق حلم دول الشامل الذي عبرت عنه مرارا والمتمثل في هجرة منتقاة تفرغ دول الجنوب من طاقاتها وهجرة منبوذة. وأعلنت المنظمات الموقعة على الإعلان أنها بجانب الأشخاص المهاجرين وأسرهم، عبر نضالها من أجل احترام حقوقهم الأساسية وكرامتهم. في مواجهة تحديات الهجرة، وتنامي الخطابات والممارسات التمييزية والعنصرية. داعية الحكومات والدول إلى اعتماد سياسة عادلة في خدمة جميع الأفراد بغض النظر عن عرقهم، أو دينهم، أو جنسهم أو جنسيتهم، وتجد الحلول الملائمة لضمان الأمن، واحترام الحقوق، والعدالة والكرامة للجميع، وهي السياسة التي تعرف مصلحة بلدها وتأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدان الأخرى.